الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسييس الدين

جريس سالم بقاعين

2008 / 4 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نحن نعيش إذن في عصر تسييس الدين.
عصر كان من نتائجه أن سادت فيه مظاهر "التأسلم الشعبية".
مظاهر، مظاهر، مظاهر لا غير.

نردد فيها الشهادة علناً،
كل يوم،
في الخروج والطلوع،
فرحين على ما يبدو، بأننا نشهد أن "لا أله إلا الله وأن محمدا رسوله".
ونقولها لبعضنا البعض
"لا الله إلا الله".
ونكملها "محمد رسول الله".

وأرجو أن لا أفُهم هنا خطأً، فمشكلتي مع هذا المظهر ليس في أن يردد الإنسان هذه العبارة وهو مؤمن بها، المشكلة في قولها علناً جهاراً أمام الآخرين، وفرض قولها على الآخرين.
ننسى ونحن نقولها هكذا بصوت عالٍ، أن بيننا من لا يؤمن بها.
أن بيننا من لا يريد أن يقولها.
أن بيننا من يفضل أن يقولها بينه وبين ربه.

وننسى ونحن نقولها، أننا في الواقع إنما نحدد الهوية في الدين أولاً.
هويتنا في ديننا.

وماذا عن الإنسان؟
ماذا عن هوية الإنسان الأشمل؟
تلك التي تقول لي ولك، إن هناك قيماً إنسانية أشمل، قيم الخير والعدالة والمساواة، تجمعني وتجمعك، وتجمع من حولنا، وتجعلنا رغم اختلافنا نوعاً واحداً.
نوع يحترم بعضه،
يقدره،
يخاف عليه،
ويحبه.
يحبه.

تلك هوية لا تعنينا هذه الأيام كثيراً.

وماذا عن المواطنة؟
ماذا عن القناعة أننا بالفعل أبناء وطن واحد، متساوون، بغض النظر عن الفكر والدين.
مواطنة.
تجمعني وتجمعك، وتجمع من حولنا، تضمنا في رحم الوطن الواحد، تقول لي ولك إننا واحد، رغم تعدد مشاربنا.

تلك هوية يزعجنا الحديث عنها قليلاً.


ننسى أو نتناسى.
نقولها، نكررها، ونرددها كنغمة مقطوعة الأوصال،
فرحين على ما يبدو، بأننا نقولها هكذا علنا.


ولذا اتخذت موقفاً دائماً بالرد على هذه العبارة.
فمن يقول لي وأنا خارج، "لا إله إلا الله".
أصمت عن الرد عليه.
هكذا ببساطة.
أن يقولها، هذا شأنه.
وأن أرد عليها كما يتوقع، فهذا شأني.

مظاهر، مظاهر.
لا تعني كثيراً في الواقع، لكنها صبغت واقعنا بصبغة دينية واضحة لا لبس فيها، شكلية حتى النخاع، ولا تعني في الواقع كثيراً، بيد أنها شقت القلب الواحد، وجعلته قلبين، وسممت النفوس بعد أن كادت تكون صافية.
كادت.


تكون المرأة مسلمة فاضلة لا متبرجة، ملتزمة بتعاليم دينها فعلاً، إذا ارتدت غطاء الرأس.
هكذا يقولون لنسائهم.
مظهر.
مظهريميزك عن غيرك
هذا هو الأساس في الواقع لو أردتم الصدق.
أن لا تكون المرأ المسلمة كغيرها ممن يؤمئنون بديانه اخرى

"غطي شعرك، تكونين ملتزمة".
وإن لم أفعل؟
هل أخرج من حظيرة الإيمان؟
وإن جادلت؟
هل أصبح عاصية؟

تلك سمة أخرى من سمات عصر تسييس الدين الذي نعيش فيه.
أصبح من الصعب علينا أن نناقش.
"كيف تناقشين ما هو أصيل في الدين؟"
وسائل الأعلام ترقص على هذه النغمة صباح مساء.
وملعون من يقول إنه ليس أصيل في الدين.

ثم تحولت النغمة إلى وتيرة "الحجاب أصل من أصول الدين".
هكذا يقولون لنا.
لكن هل هو فعلاً هكذا؟
أصبح من المستحيل أن نجادل في الموضوع.
"كيف تجادلين فيما هو حق".
بالله عليكم عن أي حق تتحدثون؟

أصبح من الصعب أن نتحاور بصورة عقلانية.

تخيلوا معي ردة الفعل التي تسببها هذه العبارة التي أؤمن بها إيماناً قوياً:
"بالنسبة لي العقل مقدم على النص الديني".
وهذه، حتى لا أكون متجني على حقوق الملكية الفكرية لقائل العبارة، ليست من ابتكاري.
قالتها جماعة المعتزلة في القرن الحادي عشر.
قبل عشرة قرون!
تخيلوا!
تخيلوا أن مجرد الحديث عن تقديم العقل، تقديم المنطق، أصبح أمرا غير مقبول، غير معقول، غير مستساغ.
أصبح أمراً مكروها!

تسييس الدين أفسد علينا الكثير،
أفسد علينا التفكير،
أفسد علينا إمكانيات التغيير.

جعلنا نقول أشياء غريبة،
نقول مثلاً إن "العلمانية كفر وإلحاد"، رغم أنها النظام الأفضل القادر، إذا كان محصناً بالديمقراطية، على حماية حقوق الفرد في المجتمع.

نقول مثلاً إن " حقوق الإنسان تقليعة غربية"،
وأسألكم بالله أي جانب من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نعتبره دخيلاً علينا؟
الحرية؟
المساواة بين الرجل والمرأة؟
حق الفرد في التفكير بما يشاء، والإيمان بما يرغب؟
أي جانب ذلك الذي نخاف منه جداً حتى يصبح تقليعة غربية دخيلة على مجتمعاتنا؟

ونقول مثلاً إن كل مشاكلنا حلها في الإسلام.
"الإسلام هو الحل".
نقول ذلك ببساطة.
وردي على هذا القول أبسط.
بل "الإنسان هو الحل"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر