الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟

كريم الهزاع

2008 / 4 / 24
المجتمع المدني


إن الذين تباكوا على موت الدكتاتور “صدام حسين” وعلى الرغم من معاناتهم أيام وجوده في السلطة، وشتمهم له واتهامه بالعلمانية والعفلقية ارتدّوا نكوصاً وعادوا لحالاتهم الصنمية واستسلموا لحالة “برميل من الأحقاد”، ليعودوا ويتباكوا عليه وينعتوه ببطل الأمة، لقد انكشفت أقنعتهم المصنوعة من رقائق خفيفة اسقطتها دموع الحرقة، ولم يسقط صنم واحد اسمه صدام، بل سقطت معه كل “أصنام- صدام” التي مجدوها عبر التاريخ، بدءًا من بعل وهُبل وودّ .. مروراً بأصنام متحركة وتلبس ثيابا:

“لو أن أرباب الحمى حجر،

لحملت فأسا فوقها القدر،

هوجاء لا تبقي ولا تذر ؛

لكنما أصنامنا بشر،

الغدر منهم خائف حذر،

والمكر يشكو الضعف إن مكروا”

(الشاعر مظفر النوّاب)

وكذلك يقول الشاعر أحمد مطر :

“ في زمان الجاهلية

كانت الأصنام من تمر،

وإن جاع العباد،

فلهم من جثة المعبود زاد؛

وبعصر المدنية،

صارت الأصنام تأتينا من الغرب

ولكن بثياب عربية،

تعبد الله على حرف، وتدعو للجهاد

وتسبّ الوثنية،

وإذا ما استفحلت، تأكل خيرات البلاد،

وتحلي بالعباد؛

رحم الله زمان الجاهلية”.

وفي تتبعنا للحفريات السسيولوجية عبر التاريخ وجدنا تلك الوصفة السحرية: كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟ كيف نصنع جلادنا نحن “الماشوسيين”؟ :

1 . إفساد التعليم ومحاربة المعرفة وحرية المطالعة وتشديد الرقابة.

2 . تمجيد ثقافة “المتوسط النزيه” والاستهلاك والشعوذة والخرقة والغيبيات.

3 . غياب المؤسسات المدنية وجمعيات النفع العام وحرية الرأي ولغة الحوار.

4 . قمع “جدل الهويات” ونفي الآخر وسياسة فرّق تسُد، ومنع حرية المعتقد والفكر.

5 . التعالي على الآخرين واحتكار المعرفة والدين والفكر.

6 . نشر ثقافة الدجل، ويشرح روبرت غرين في كتابه «شطرنج القوة» أن علم الدجل يقوم على خمس درجات :ابقِ الأمر غامضا، ركّز على البصري والحسي أكثر من الفكري، اقتبس طقوس الدين، موّه مصادر دخلك، وأما الخطوة الخامسة فأقم حركية «نحن» ضد «هم».

ولتتبع هذه الصنمية بهذا الشكل أو بشكل آخر، ولمعرفة ذهنية الأرهاب وماهيته من حيث التهديد والرد عليه، وفيما يخص الشكل الآخر هو اتباع المنحى السسيولوجي لمعرفة العنف والعنف الرمزي بكل أشكاله وأقنعته والنبش في دهاليزه لدى كافة أنواع السلطات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والجنسية، وفهم مسألة الجلاد والضحية، والنظر الى هذه الحالة المرضية ومعالجتها وكيفية اجتثاثها من الشارع ومن النصوص المبطنة بلغة العنف ومصادرة الآخر ونفيه، ولكي لا يتسرب إلى عالمنا دكتاتورات أو أصنام جديدة نساهم في صنعها، من حيث ندري أو لاندري، كل ذلك يمكن تتبعه من خلال معرفة الانماط الثقافية للعنف التي تتوارى خلف مايسمى بالمقدس لدى الآخر وحرّاسه الجدد، وبلاشك يوجد هناك سلطات مأزومة ومهزومة في آن واحد تمارس هذا النوع من العنف الثقافي والمصادرة والنفي وبتر أنفاس الانماط المغايرة لها في الطرح، محتكرة النبوءات الجديدة، هذا الصخب يجب تخفيض وتيرته من الشارع ومن انسجة ثياب الأمبراطور. وفي التوراة، الوصايا منعت عبادة الأصنام والصور. ففي سفر الخروج 20: 3- 4 يقول الوحي : “أنا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالا منحوتا ولا صورة ما مّما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهنّ ولا تعبدهنّ. لأني أنا الرب إلهك إله غيور افتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ”. ومثل هذه الوصايا كثيرة في الإنجيل والقرآن الكريم وفي كثير من كتب الحكمة والعرفان والفلسفة والثيوصوفيا ووحدة الوجود.

ولانريد أن نمارس دور المعلم.. كم هو ساذج أن نقول: “يجب على الانسان أن يكون هكذا أو كذلك!” فالواقع يقدم لنا عددا هائلاً من النماذج، وفرة غزيرة من تمثيل لا متناه للأشكال والتحولات، وإذا بأي شخص من الاخلاقيين المستعدين لأي شيء يقول لنا: “لا ! وجب على الانسان ان يكون بخلاف هذا !”... بل إن هذا المنافق المشؤوم يعرف كيف يجب على الانسان ان يكون: انها صورته الخاصة التي تآمر عليها صائحا: هذا الانسان. فحتى عندما لايفتأ الاخلاقي يتوجه الى المرء ويقول له: “هكذا او كذلك يجب عليك ان تكون”، فإنه لايكف بذلك عن جعل نفسه هزأة . ليس المرء، ايا كانت الزاوية التي ننظر منها اليه، سوى جزء من القدر، ليس سوى قانون اضافي، ضرورة اضافية لكل ما سيأتي وما سيكون. فأن نقول له: “تغيَّر” يعني أن نطالب ايضا بأن يتغير الكل، وبأثر رجعي كذلك... (أفول الأصنام: نيتشه)، ولنيتشه فكرة مغايرة لإنقاذ العالم وليس هذا محلها، اما فيما يخص الاصلاح، يقول نيتشه: “لقد أراد المصلحون، على مر العصور أن يصلحوا الناس، أن يصيّروهم أفضل” : هذا ما كان يسمى “أخلاقا” قبل أي شيء آخر. لكن نفس اللفظ يشمل أشد الميول تنوعا. لقد سُمّي “ترويض” الحيوان الانساني و “تدجين” نوع من الناس، “تحسينا” : وحدها هاته المصطلحات المستعارة من علم تربية الحيوانات تعبر عن حقائق –حقائق لايعرف عنها أكبرُ من يمثل أولئك الذين يريدون “إصلاح” الانسان شيئا، لايريد أن يعرف عنها شيئا أعني بذلك القس ... القول بأن ترويض حيوان ما هو “جعله أفضل” يكون له في آذاننا وقع الهزء. الذي يعرف ما يحدث في الحظائر يشك في كون الحيوان الاعجم يصير فيها “أفضل”. إنهم يوهنونه، يصيّرونه أقل خطرا، يجعلون منه حيوانا مُرضيا، بالتأثير المحبط للخوف، بالألم، بالجراح وبالجوع، ولايختلف الامر عن ذلك بالنسبة للإنسان المدجّن الذي “أصلحه” القس. إبان العصور الوسطى الممعنة في القدم، يوم كانت الكنيسة مجرد حظيرة كبيرة، كانت تتم مطاردة أجمل أنواع “الحيوان الأشقر” كان يتم “إصلاح”الجرمانيين : البدو الرائعين، مثلا- لكن ما الذي صار يشبهه، بعد ذلك، الجرماني “المصلح / المعدل” والمجذوب إلى دير غدرا ؟ صار يشبه رسما ساخرا للإنسان، صار يشبه سقطا: لقد صار “مذنبا”– صار يشبه قطا: لقد صار “ذنبا”، كان في قفص، كانوا يحتفظون به أسير أفكار مرعبة... وكان يجثم هناك، مريضا، مثيرا للشفقة، حاقدا على نفسه، ممتلئا غيظا ضد الدوافع الحيوية، كله شكوك بخصوص كل ما كان لايزال قويا وسعيدا... باختصار، صار “مسيحيا”! إذا تكلمنا عن الحالة الفزيولوجية لايمكن، في الصراع ضد الحيوان الاعجم، أن تكون هناك وسيلة أخرى لإضعافه غير المرض. هذا ما أدركته الكنيسة: فقد أفسدت الانسان أضعفته، لكنها ادعت أنها “أصلحتـه”.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأونروا: غارات الاحتلال في لبنان


.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و




.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان


.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن




.. نزوح من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان