الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تفكيك الاسلاموية

فراس جابر

2008 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن القيم الإنسانية النبيلة التي حملها الإسلام كدين جاءت كثورة جذرية راديكالية على الواقع القبلي الذي ساد أيام الجاهلية مما أعاد إنتاج المجتمع نفسه ضمن قبول هذه القيم في بنيته الأساسية، وهذا ما نراه في تغير وضع المرأة تحديداً، وكذلك في سيادة قيم العفو والرحمة وتكريس العلم كمنهج حياة أسس لحضارة عربية أسلامية سادت لقرون طويلة، وأنتجت الكثير من المعارف والعلوم والنظريات في شتى المجالات.
فهم وتحليل التاريخ الاجتماعي وتجربة الحكم الإسلامي لا يمكن أن يتأتى في سياق فهم تاريخي أحادي الاتجاه يغلب صورة شاعرية عن حقبة حكم طويلة تحمل الكثير من الاتجاهات المتصارعة والمتضاربة. فالاختلاف الجدي ما بين فترة حكم الخلفاء الراشدين، فانتقالها إلى القبلية الأموية، ومروراً فالفترة العباسية ومن ثم فترة العثمانيين الأتراك، فهذه الفترات والحقب شهدت ظهور الكثير من التيارات السياسية (البرامكة، الخوارج) والفكرية (القرامطة)، بالإضافة إلى النزعات الطائفية (سنة وشيعة، المعتزلة) والكثير من الاختلافات المتعددة التي بدأت في الفترة الأولى لظهور الإسلام كنظام حكم إسلامي، وتعتبر مؤشر على وجود عدة مقاربات ومناهج في فهم الدين وتطبيقه على المجتمع.
غير أن هذا التأكيد ليس محاولة لإعادة قراءة التاريخ الاجتماعي السياسي للإسلام بقدر ما هي قراءة في مدلولات الماضي وانعكاساتها على واقع اليوم ضمن فهم ومنهج الحركات السياسية الإسلامية في العالم العربية وامتداداتها في فلسطين. وحتى تتضح المقاربة أكثر ينبغي التشديد أن الدين الإسلامي أكد على حرمة الدم المسلم، ومنع الاقتتال والكثير من القيم بنفس الاتجاه، وما أكده الفهم المعاصر الوطني في أن الاقتتال الداخلي خط أحمر، غير أن هذين الفهمين (الوطني والديني) قد تم تجاوزهما في الاقتتال الأخير، ومن هنا يبرز التعجب لماذا تجاوز القيم الإنسانية والأخلاقية، وكيف يمكن سفك دماء مسلمين في اقتتال بهدف الوصول للسلطة والسيطرة عليها؟ إذا هناك فرض فهم محدد مجرد من غنى التجربة التاريخية في سياق تاريخي مختلف على واقع مركب ومغاير ضمن قراءة تاريخية أحادية الاتجاه.

الإسلاموية السياسية المعاصرة كمنهج بشري في فهم الواقع والمجتمع، وضمن حدود قياسات معينة يحاول بشدة استحضار صورة حنينية لقديم بائد وتركيبها على جديد مغاير بما ينتج بقوة صورة مشوهة لهذا التطبيق الميكانيكي، والإشكال الأساسي هنا ان حدود هذا المنهج الاسلاموي يتجاوز بعض القيم الإنسانية مثل حرمة الدم، وتقديس العلم كإطار واسع لتطوير المجتمع والارتقاء به، ويحاول تقييد المجتمع بأنماط تشبه إلى حد ما كتابات المستشرقين عن الوطن العربي، تلك الصورة؛ صورة الجمل الذي يمتطيه رجل يلبس عمامة في صحراء قاحلة.

ما بين العمامة وربطة العنق مساحة شاسعة تاريخية وفكرية واجتماعية، فلم تعد العمامة تعبر تماماً عن المجتمع الفلسطيني، ولا تعتبر ربطة العنق كذلك تعبيراً حداثياً دقيقاً عن حال مجتمعنا اليوم، المجتمع الفلسطيني أمر ثالث مختلف تماماً عن هذين، ليس نقيضهما بل تركيب معقد مختلف وإن كان يحمل بطياته التناقضين.

هذا ليس تجريداً، بل مدخل نقدي لهذه الصورة الحنينية للماضي التي يحملها منهج الإخوان المسلمين بما تحمله من أفكار ومعتقدات "ماضوية"، فإن لم تخضع هذه الصورة لقراءة تحليلية تاريخية تجردها من الزيف. فلا يمكن فهم كل هذه التناقضات التي جرت منذ بشائر الحكم الإسلامي ابتداءً بوقعتين جمل وصفين مروراً بالكثير من الصراعات الدموية والانقسامات الفقهية والفكرية والطائفية في تاريخ الحكم الإسلامي.
كيف يمكن القبول بمنهج بشري أحادي دون سواه من المناهج السياسية الإسلامية الموجودة في تفسير تاريخ متنوع وغني واختزاله في تطبيق مشوه. المشكلة الأساسية في هذه الحركات هو اختزالها لعدة قرون من التطور والرجوع إلى حقبة محددة للتأكيد على حقيقة مثالية قلما وجدت، إضافة إلى ان هذا الفهم يترك كافة التناقضات دون أخذها، ويحاول تركيبها بفهم "ماضوي" على واقع حديث.

ويشتد الفهم في أن شكلانية الإطار في هذا التطبيق تترك كثيراً من المحتوى والقيم ورائها، وعليه تصبح محاولة تفكيك هذا الواقع المتناقض تحكمها عوامل الماضي والحاضر معاً، فالقيمة الحداثية في المجتمع الفلسطيني "لحرمة دم المسلم" هي نفسها حرمة الاقتتال، إذاً لما يتم تجاوز هذه القيمة التراثية – الدينية، هل أصبح المسلم "غير مسلم" وبالتالي مباح قتله. الجواب يكمن بدون تبسيط في استخدام أدوات حداثية غير موجودة أصلاً في السياق التاريخي، فالتنظيم السياسي كأداة هو حداثي بامتياز، والتعبئة الأيديولوجية، والمركزية التنظيمية هي من سماتها أيضاً، وكذلك وجود الأجسام التشريعية المنتخبة مباشرة من الشعب (رغم أن التشريع في التفسير الديني "إلهي" وليس بشري) إذا نقف هنا أمام مستويين من العمل في هذا المنهج. المستوى الأول أن الضرورة تحتم على هذا المنهج الوصول إلى السيطرة على مقاليد المجتمع لجلب نموذجه القديم وإلباسه للمجتمع على صورة حكم ديني لا يقبل التشكيك، وبالتالي هناك ضرورة لاستخدام هذه الأدوات الحداثية ذات الفعالية العالية من أجل التصارع بنفس أدوات العصر على السلطة.

المستوى الثاني في هذا المنهج هو الاستخدام الفعال للموروث الثقافي والديني المختزن لدى المجتمع الفلسطيني من اجل استثارة هذا الجانب في قبول خيار مختلف عن الواقع الفلسطيني عبر إحداث ارتكاسة في حاضر المجتمع بحيث يبدو اقرب إلى شكل الماضي مما يتيح بالتالي حكمه بالأساليب البائدة والاستغناء عن كافة المنتجات الحداثية.
حجم التناقض الهائل في خطاب الحركة الإسلامية المستخدمة للمنهج الإسلاموي في التثقيف والتحزيب يكشف بصورة كبيرة حجم التناقض الخطير الذي نعيشه اليوم، فلماذا يتم استخدام تعبير "أمير المؤمنين" في وصف رئيس وزراء ومسئول كبير في حزب سياسي، فمن حدد أن هذا هو "أمير المؤمنين"، وعليه لا تجوز مخالفته وكذلك من هم هؤلاء المؤمنين ومن هم غير المؤمنين، وما العمل مع غير المؤمنين، مع هذا المنهج يبدو الجواب واضحاً في الأحداث الأخيرة، ولكن يجب استكمال تفسير المنهج الأخر في التعاطي مع الواقع من أجل تركيب الصورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah