الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يهرف بما لايعرف

عبد الجبار خضير عباس

2008 / 4 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تحدث احيانا، في المؤتمرات والندوات الثقافية والفكرية والاكاديمية، مقاطعة المتحدث من قبل البعض لتصحيح اخطائه اللغوية من باب استعراض القدرات اللغوية حتى لو كان موضوع النقاش قضية فكرية أو سياسية، ما يحدث ارباكا للمحاضر الذي جاء بطروحات ومحمولات فكرية وليست لغوية، والمثير للشفقة وللسخرية انه لايعلم أو يفقه مما طرح شيئا. ومن المعروف ان معظم المثقفين والكتاب والاسماء اللامعة والبراقة والسياسيين، يخطأون في كتابة بحوثهم أو أعمدتهم في الصحف المحلية والعربية، ولايقتصر الأمر على ذلك، بل يتعداه حتى ليشمل المتخصصين، وفي هذا السياق، استذكر مقولة للكاتب الكبير سلامه موسى : امضيت عمري كاتبا ولم استطع الكتابة بلغة عربية سليمة، ولكني حين تعلمت اللغة الفرنسية، بدأت الكتابة فيها من دون اية اخطاء لغوية. والخوض في هذا المجال يثير الكثير من الشجون، فعلى سبيل المثال هناك من الساسة والمثقفين من يجهد نفسه محاولا استعراض مهارته اللغوية فيركز على تحريك نهايات الحروف ويحرص على رفع اسم كان وينصب اسم ان ويلاحق الفتحة والضمة والكسرة التي تتقافز في ذهنه..لكنه بالتركيز المبالغ فيه، يفقد القدرة على ترتيب افكاره ورؤاه السياسية والفكرية، وهي المهمة المتن والغاية، ما يسفر عن ضرر وخلل في ايصال وجهات نظره للمتلقي، وما يحتاجه المتلقي منه رؤاه واظهار مواقفه بابسط لغة، كما يفعل كتاب الاعمدة المشهورين، فهم يكتبون لابسط الناس ولايلجؤون للطلاسم والالغاز والاحاجي. وعندما كان العرب يتحدثون بلغتهم فهي لغة السوق والشعر وعامة الناس، وتكملة الشطر الثاني من معلقة امرؤ القيس من قبل جاريته تشير الى انهم كانوا على مستوى لغوي واحد من المكي الى البدوي في الصحراء لم يجهدوا انفسهم او يتكلفوا في تحريك نهايات الافعال والكلمات كما انهم لم يعلموا من امرها شيئا، وتم التحريك والتنقيط بعد مئات من السنين اذ كان تعاملهم مع اللغة يجري بشكل طبيعي على وفق الاشتراطات التأريخية الطبيعية وقوانين التطور، فاللغة كالكائن الحي تنمو وتكبر وتشيخ وتندثر وتتأثر بالتطورات الحضارية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية..، الا ان اللغة العربية بقيت ساكنة غير متحركة بسبب اضفاء القداسة عليها والتفاخر بها على انها منذ ألف سنة لم تتغيرعكس لغات العالم ، مرت بتغيرات مستمرة، فان كان ذلك يشير إلى شيء انما يشير إلى ان العالم يتحرك وينمو ونحن ساكنون نفسر الحاضر بلغة الماضي، وما فعله اللغويون اضطرارا من تطوير في اللغة وماجرى من تنقيط وتحريك ورسم الحروف لم يفقد اللغة قداستها!..فالذي حدث من تطور وتغير في الجانب الاقتصادي، والتحول الاجتماعي، وظروف الحياة فرضت مفرداتها وايقاعها على الشارع، وبدأ الفصل بين لغة النخبة الحاكمة المتسلطة ولغة العامة، واستمر الحال الى يومنا هذا إذ ان عدم القدرة على الكتابة أو فهم اللغة بشكل سليم شمل حتى المتخصصين في اللغة، وهنا نستذكر ما نشر في احد اعداد مجلة العربي الكويتية حين كتب استاذ اللغة العربية في جامعة عين شمس ينتقد العلامة مصطفى جواد، فجاء رد العلامة: انني لن ارد عليك بل احصي لك الاخطاء الاملائية واللغوية التي وقعت فيها..بالاستناد الى نصوص من القرآن الكريم ونهج البلاغة ونصوص شعرية لطرفة بن العبد وامرئ القيس وآخرين، واخيرا نسرد ما قام به د.مهدي المخزومي من رد في احدى الصحف العراقية على ناقد كان يكتب عمودا تصويبيا في اللغة العربية والذي كان يعتقد هو والصحيفة التي تنشر له على انه متمكن وضليع في اللغة العربية، حتى كتب المخزومي وهو يعد ويوضح الاخطاء الكثيرة والفاضحة التي وقع فيها الكاتب في رده الشهير بعنوان ..يهرف بما لايعرف. فليس من المنطق السير عكس حركة التاريخ والحضارة والمعرفة والتشبث بلغة ثابتة مشدودة الى الماضي بقوة، فاذا لم تتحرر اللغة من القيود الصارمة وتتفاعل مع ايقاع العصر والخضوع للاشتراطات الحضارية وحركة التأريخ والتطور، سنبقى نهرف بما لا نعرف ونعاني من الدوار اللغوي المزمن الى يوم يبعثون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت خيالية للمنتخب العراقي بعد التأهل للأولمبياد... | هاش


.. تحدي القوة والتحمل: مصعب الكيومي Vs. عيسى المعلمي - نقطة الن




.. ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا


.. تحقيق استقصائي من موريتانيا يكشف كيف يتم حرمان أطفال نساء ضح




.. كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو النجاح؟ #بزنس_مع_لبنى