الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الآلية .. و العمل الإبداعي

محمد سمير عبد السلام

2008 / 4 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بصورة واعية ، أو غير واعية يظل الإبداع في حالة عمل ، في المواقف الاجتماعية ، و أبسط أجزاء الحياة اليومية و مظاهرها ، و في الكمبيوتر ، و الشفرة الوراثية ، و الصراعات البيولوجية ، و السياسية ، و مظاهر الكون في لقائها السري بأخيلة الوعي ، و اللاوعي ، و غيرها .
الإبداع أكثر أصالة في الطبيعة ، و في التكوين الحي و غير الحي ؛ لكنه خفي لا يظهر كحقيقة شمولية مثل قوانين الضرورة الآلية . هذه القوانين التي تتجدد كل لحظة ، لكنها لا تترك أثرا متناميا في الآخر مثل العمل الإبداعي ؛ فمنذ النقوش الحجرية القديمة ، و الاكتشاف الأول لقوة الطوطم ، و ضخامة أعضاء الأنوثة ، حتى تحلل العمل الإبداعي في المواد الجاهزة فيما بعد الحداثة ، يكتسب الفن ما يمكن أن نسميه تجدد الأثر ، و انتشاره غير المحدود .
لقد بدأ الفن كقوة مشرقة للذاكرة البشرية دون فاعل محدد ، و مازالت هذه القوة تتجدد في ملايين المبدعين في كل عصر . و كلما ازدادت قسوة الضرورة نجد القوة الإبداعية مستمرة بفضل أصالتها البيولوجية ، و تاريخها الطويل .
و قد ساهم المجال الطيفي للإنترنت في تقوية الذاكرة الإبداعية ، و إعادة تشكيلها في صورة أكثر شفافية من الكتاب ، فهي أقرب لحالة الاختفاء التي يتميز بها العمل الإبداعي رغم أصالته .
إن الإبداع يسبق الآلية ، و يتجاوزها في وقت واحد ؛ إذ يلتحم بلحظتي النشوء ، و التحول باتجاه فضاء آخر ، و يأتي الصراع هنا كجزء من ديناميكية المشهد الإبداعي الكوني رغم أنه يشكل المنطق المعلن للبشرية ، فالصراع ينجز هدفا للأنا في مواجهة الآخر بينما يؤسس الإبداع لغياب مركزية الأنا كقوة أصلية ، فهي جزء من تجدد الطاقة الكونية .
إن زمن إنجاز الصورة ، أو الشخصية الفنية ، أو النص يستخدم القوانين الآلية ، و يستنفدها فيما يتجاوز حتميتها السائدة ، و تنتشر الصور المنجزة في الوعي الجمعي و تتنامى خارج المبدع نفسه . الإبداع إذا ملتبس في تاريخه الإنساني بالعمل ، و كذلك فحتمية العمل في المجتمع تتداخل مع النزعة الإبداعية في الوجود.
هكذا يندمج السيل الإبداعي في نطاق العمل المبني على الآلية ، و الضرورة دون حدود فاصلة ، و يحدث هذا الاندماج في مستويين :
الأول : بيولوجي ، و فيه يتجدد التكوين انطلاقا من عمليات فنية ، و إلكترونية معا ، و بهذا الصدد يرى ريتشارد دوكنز أن احتمالات الخلق المتعددة تشبه البيومورفات الرياضية الكامنة ، في انتظار التشكل ، فيقول " عندما نلعب لعبة بيومورفات الكمبيوتر هو العثور على حيوانات ، هي بمعنى ما رياضي ، تنتظر أن يعثر عليها ، و هذا مما يحس به على أنه يشبه الخلق الفني " ( راجع – ريتشارد دوكنز – الجديد في الانتخاب الطبيعي – ت : د مصطفي إبراهيم فهمي – هيئة الكتاب المصرية 2002 ص 102 ) .
لقد ذاب منطق الآلية في الاحتمال ، و أصالة النزوع الفني فيما هو حتمي ، كما التحم التخيل بالحقيقة كإمكانية تبدأ الحقيقة منها في ولوج الضوء .
يلتقي إذن الوجود البشري بتاريخ الأثر الفني الطويل فيشكلان دائرة تتجاوز سيادة النزوع الحتمي كقيمة وحيدة .
الثاني : ثقافي ، و فيه تتحول سطوة العمل في المجتمع التقني المعاصر ، في اتجاه مناهض للآلية من خلالها ، و قد استشرف هربرت ماركيوز إمكانية ولوج الجحيم انطلاقا من قسوة الآلية ، أو تداخل نطاقي العمل ، و اللعب من خلال التقنية لا المشروع اليوتوبي ( راجع – Herbert Marcus – The End Of Utopia ) .
إن كشف الدراسات التفكيكية ، و الثقافية المعاصرة عن الجانب الإبداعي في نطاق الحياة اليومية ، أو العمل الضروري ، أو التفاعل الحر للثقافات ، يعزز من إبراز هذا الأصل الخفي ، و يستعيد من خلاله القوة المتوهجة المتجاوزة ، و السابقة لحدود الأنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة