الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارقد في سلام أيها المبدع حسني أبو المعالي

محيي هادي

2008 / 5 / 1
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


عرفته في مدينتي العزيزة على خشبة مسرحها، مسرح الادارة المحلية. و عرفته في الرحلات التي كنا نقوم بها إلى بغداد لمشاهدة أعمال مسرحية تقدمها هذه الفرقة الفنية أو تلك. كنا نذهب إلى بغداد لمشاهدة هذه الأعمال المسرحية في باص في رحلات منظمة كان ينظمها المخرج الكربلائي الراحل عزي الوهاب.
إلا أن الذي يجعلني أتذكر دائما الرسام التشكيلي المبدع حسني أبو المعالي، الذي رحل عنا قبل أيام قليلة، هي تلك الرحلة التي قمنا بها إلى مدينة الديوانية على الدراجات الهوائية، هذه الرحلة التي أثبتت لي مدى جهل و تخلف و غباء عقلية أفراد الجيش العراقي، و خاصة الذين يحتلون المراتب السفلية من مرتباته.
جمعتنا جلسة في ليلة من يوم من سنة 67 أو 68 . كنا ستة أو سبعة أفراد، و كنت أحدثهم عن سفراتي العديدة على "البايسكل" إلى مدينة بابل الأثرية مع أصدقاء آخرين لي، بين مدة و أخرى. لقد شجعهم حديثي للتخطيط للقيام برحلة دراجات هوائية إلى هذه المدينة الأثرية الخالدة. فاتفق أربعة منا على ذلك، أما الآخرون فقد امتنعوا عن المشاركة في الرحلة معنا حتى أن أحدهم نعتنا بلطف بـالـ "مخابيل": فلماذا هذه المشقة و يمكننا الذهاب بالباص إلى هناك. الأربعة كنا: أنا و ابن عمي الراحل علي الكشميري و حسني أبو المعالي و علي الوهاب أخو عزي الوهاب.

بعد يومين أعددنا –بايسيكلاتنا- و بدأنا المسير صباحا نحو بابل: مدينة الملك الخالد حمورابي صاحب مسلة القانون المشهورة. وصلنا مدينة الحلة بعدها توجهنا من هناك إلى بابل فتجولنا بين آثارها ثم عزمنا الرجوع إلى مدينتا. و لكن عندما مرورنا ثانية بمدينة الحلة، و في الساحة التي تؤدي إلى طريقين: الاول إلى كربلاء و الثاني إلى النجف و قفنا قليلا لنسمع راي واحد منا: ما رأيكم أن نذهب إلى النجف و نبقى هناك هذه الليلة، و غدا نرجع من هناك إلى كربلاء؟ و افقنا جميعنا على هذه الفكرة، إذ كنا في مقتبل عمر الشباب، فلا التزام عائلي و لا هم يحزنون.. وصلنا إلى النجف عند المغرب و كان ابن عمي تعبا و متوجعا مما اضطرنا إلى الذهاب إلى طبيب كربلائي جار لنا و صديق لعائلتنا فأعطانا دواء استعملناه جميعنا و أفادنا. و طلب ابن عمي قرضا من هذا الطبيب الصديق ليدفعه فيما بعد.
بقينا الليلة في النجف و في صباح اليوم التالي أردنا الرجوع إلى كربلاء و هكذا امتطينا دراجاتنا الهوائية و لكن عند وصولنا إلى مفترق الطرق إلى كربلاء و إلى مدينة الديوانية حصلت لنا فكرة أخرى مشابهة لفكرة يوم أمس: ما رأيكم أن نذهب إلى الديوانية و بعدها نرجع إلى مدينتنا عن طريق الحلة؟
و افق الجميع.... و اتجهنا نحو الديوانية التي وصلناها في حدود الساعة الخامسة مساء.

على الرغم من "قصر" المسافات التي تربط بين مدينة و أخرى إلا أننا كنا نتأخر في الوصول إلى المدينة المقصودة إذ كنا نتوقف في الطريق لنصور المشاهد التي نشاهدها، أو السباحة في الأنهار التي تعترضنا، فالحر شديد إلا أن حيوتنا و شبابنا كانا أشد.
وصلنا مدينة الديوانية و في مدخلها عند ساحة كان فيها نصب لرأس جندي. لم نكن نعرف أن على هذه الساحة تطل بوابة الفرقة الثالثة –على ما أظن- للجيش العراقي. كانت باقية في كامرتي الصورة الأخيرة فاقترحوا علي أن أقف أمام النصب ليصوروني و ننهي الفلم و نضع فلما آخر. ما أن صوروني حتى رأينا جنديا من الانضباط العسكري يجري نحونا و يختطف من يدي الكامرة و يفتحها و يخرج الفلم ليرى ما الذي صورناه.، و لا أعرف هل أن الانضباط كان يعرف أن الفلم يحترق و لن يفيد أم أنه كان يعرف ذلك فتعمد في حرقه!!!
احترق الفلم و ذهبت معه كل ذكريات رحلتنا. و لم يكتف الانضباط العسكري بحرق الفلم بل أنه أوقفنا ليرسلنا للتحقيق معنا.
من حسن الحظ أنه مرت بالساحة سيارة كان فيها قريب لعلي الوهاب، و رآه علي و صرخ باسمه. توقف القريب و استفسر عن الموضوع. كان هذا القريب محاميا مشهورا في مدينة الديوانية و له علاقات صداقة مع ضباط في الفرقة، فهدأنا و أخبرنا بأن نذهب مع الانضباط و سيقوم هو بالاجراءات اللازمة ليتركونا و يطلقوا سراحنا.
بقينا محتجزين في إحدى بنايات الفرقة الثالثة حتى الساعة العاشرة ليلا، و كنا نشاهد بين ساعة و أخرى محتجزين آخرين من "الافرارية" و غيرهم. قبل الساعة العاشرة وصل أحد الضباط الذي يعرفه المحامي المذكور و قام بإطلاق سراحنا، و انتهى حجزنا لسبب واه و سخيف: هو تصوير أحد التماثيل الموجودة في ساحة عامة. إن الإنسان العراقي مشتبه به حتى على أرضه.
بعد اطلاق سراحنا ذهبنا لنتعشى في نادي المعلمين في الديوانية و في اليوم التالي رجعنا إلى مدينتنا كربلاء عن طريق مدينة الحلة. و أظن أنه لولا احتجازنا في الديوانية لكنا قد وصلنا إلى البصرة لنرجع إلى كربلاء عن طريق بغداد.
مهما كان الأمر فإنني أذكر هذه الرحلة التي لا يمكن أن أنساها و بها أتذكر الراحل المبدع حسني أبو المعالي.

فارقد في سلام ياحسني. و لتنعم عائلتك بالصبر و السلوان.
كربلائي في أسبانيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع


.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب




.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال


.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني