الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبقة الوسطى بين التهميش والهجرة

سعيد ابوطالب

2008 / 5 / 5
المجتمع المدني


الطبقة الوسطى فى مصر-ودرتها المهندسون والأطباء- بين نارين، الهجرة امامهم والتهميش خلفهم ،إما قبول العيش داخل منظومة إجتماعية تهمشهم وتجبرهم على الخضوع تحت راية "أجر رمزى لعمل رمزى"، وإما أن يدفعوا للهروب الى مجتمعات أخرى قد تقدرهم -ماليا على الأقل-إن لم يكن معنويا.
أحمد زويل ومجدى يعقوب وفاروق الباز وغيرهم الكثيرون لو إستمروا فى المحروسة لصاروا مجهولين،لايسمع عنهم أحد،فى الوقت الذى يصمم طلبة الهندسة فى إسرائيل قمرا صناعيا.
قد لايقل الأستاذ الدكتور أحمد حسين أستاذ التصميم بهندسة عين شمس عن أحمد زويل موهبة وذكاءا ،أذكر من منجزاته جهده الخارق بشركة السكر والتقطير المصرية ،هذا الجهد الذى بدأ بالهندسة العكسية لإحلال الواردات من قطع غيار وانتهى بخلق صرح صناعى قوى وصل الى مستوى التصنيع المحلى لمعدات كاملة حتى التصنيع الكامل لمصانع تصدر لدول أخرى "ايران".
وحين تقدم بأبحاثه لنيل درجة علمية أعلى،رفضت الأبحاث بحجة أنها ليست "أكاديمية".
وأستمر الرجل فى معاناته لينجز مشروع نقل أبو الهول من رمسيس الى ميت رهينة دون خسائر ليفاجأ بإزالة إسمه كإستشارى للمشروع –المفترض إعلان اسم الإستشارى طبقا لقانون نقابى – هل هناك نقابة للمهندسين فى المحروسة؟. لقد كان جزاؤه التجاهل التام وهو الذى ظل لسنوات يدرس حتى تم المشروع بنجاح.
ليس الدكتور احمد حسين إلا نموذجا لمئات الآلاف من المصريين المبدعين ،كل فى عمله بغض النظر عن درجته العلمية، وكلهم قد ينتابهم الندم على ماضاع من عمرهم فى رحاب المحروسة.
أشارت احدث دراسة لمنظمة التعاون والتنمية الإقتصادية الى أن المهاجرين الى الدول الغنية يتمتعون بدرجة من التعليم والكفاءة اعلى بكثير من الأعمال التى يؤدونها،بعضهم يعمل بوابا بأمريكا وهو حاصل على بكالوريوس هندسة الإتصالات.
يقدر الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء فى مصر عام 2003 أعداد المهاجرين المصريين من العقول والكفاءات المتميزة ب 824 الفا،منهم 2500 عالم.
أشار الدكتور عبد الله نوير فى بحثه المقدم بمركز بحوث الدول النامية الى خطورة نزف العقول على مصر ففى امريكا 318 كفاءة مصرية،وفى كندا 110،واستراليا 70،وبريطانيا35،وفرنسا 36،والمانيا 25،وسويسرا 14،وهولندا40،والنمسا 14،واسبانيا 12،واليونان 60.
وتتجلى الخطورة فى أن هؤلاء من المتخصصين فى الهندسة النووية والجراحات الدقيقة وعلوم الليزر وعلوم الفضاء والهندسة الالكترونية والهندسة الوراثية.
تشير الاحصاءات الى ان مصر قدمت 60% من المهاجرين العرب الى أمريكا."احصاءات جامعة الدول العربية تؤكد أن 50% من أطباء العرب ،35% من المهندسين ،15% من العلماء يرحلون لأمريكا وكندا وأوربا".
كما يؤكد الدكتور نوير أن 12% من المبعوثين المصريين بين عامى 60 و75 قد تخلفوا فى بلدان الدراسة ولم يعودوا وقدر عددهم ب 940 متخصص فى الهندسة والطب والعلوم الزراعية‘وبين عامى 70-80 لم يعد لمصر 70% من مبعوثيها للولايات المتحدة.
والأسباب معروفة لاتخفى على أحد،وإن احتاجت للسرد للمرة المليون ،علنا نفيق ونوجه سهامنا للذين أهدروا ثروات مصر وتركوا ابناءها النابهين يرحلون ليعمل معظمهم فى وظائف لا تليق بوضعهم العلمى :
مهزلة الأجور:
سنة 1969 كان أساسى المهندس الحديث 25 جنيها وكيلو الأرز ب4 قروش وكيلو اللحم ب60 قرشا،اى ارتفعت الاسعار 100 ضعف،فمن البديهى للحفاظ على نفس مستوى المعيشة للمهندس الحديث ان يكون اساسى راتبه 2500 جنيه،وينطبق هذا على الطبيب وكل الخريجين الجامعيين.أساسى راتب الطبيب والمهندس الحديث الآن 120 جنيه.
يركز الدكتور سعد حافظ فى رصده لهجرة الكفاءات على مستوى المعيشة فيقول: حوالى 3.1% من السكان فى مصر قد لايعيشون حتى سن الاربعين ،وأمية القراءة والكتابة تصل الى 50%، ويحرم 13% من السكان من مياه مأمونة،و 1% من الرعاية الصحية ،و12% من الصرف الصحى،ويعيش 23.3% تحت خط الفقر، ولا يزيد متوسط الدخل السنوى عن 1400 دولار وسط تفاوت هائل فى الدخول.
ورغم زيادة الاجور الثابتة والمتغيرة من عام 1988 الى الآن حوالى 70% فالأسعار زادت بنفس الفترة 350%،ويرصد أجور الكادر الجامعى ويستخلص انها لاتصل الى 15% من اجور الهيئات الدبلوماسية ولا تصل الى 50% من اجور القضاة!!
أكد البنك الدولى أن 20% من المصريين تحت خط الفقر"2 دولار "يوميا،و20% فوقه بالكاد، ويعد 3.8% تحت طائلة الفقر المدقع.
وترصد دراسة للجنة المصرية لمناهضة الاستعمار والصهيونية أن اجور الجيش والشرطة تمثل ثلث بند الاجور الحكومى والثلث الثانى موجه للقضاء والإعلام والأجهزة المميزة والهيئات،والثلث الأخير للوحدات الخدمية من اطباء ،مهندسين،معلمين ،محاسبين وهم" يشكلون 70% من عدد العاملين بالحكومة".
وتعتمد الدولة سياسة التمييز فى الأجر عن طريق الأجور المتغيرة لكى تضمن ولاء موظفيها،بل هناك مايسمى بدل الولاء يمنح لجهات معينة وهو سيف مسلط لضمان التأييد التام لسياسات المانح.
وما يزيد الطين بلة هو إنضمام باحثين الى طابور العمالة المؤقتة بالمراكز البحثية،وإنتشار ساكنى القبور فى أم الدنيا ذات القصور الشامخة والفنادق الفاخرة.
الاستبداد السياسى:
عدم احترام القانون والاضطهاد السياسى والتعذيب والعيش فى ظل قانون طوارىء ممتد لأجل غير مسمى ومصادرة العمل النقابى،فالمهندسون بلا نقابة منذ 95 ونقابة الاطباء لم تجر انتخاباتها منذ ما يقارب 20 عاما،و لاتجدى اية احكام قضائية مع السلطة الحاكمة فهى تضرب بالقانون عرض الحائط دون ذرة من خجل.
وحتى النقابات التى تجرى انتخاباتها،لايجد المهنيون بديلا ثالثا للحكوميين وللإخوان المسلمين نتيجة غياب جدل سياسى ديمقراطى فى المجتمع،مما يقود جموعهم الى الإحباط وعدم المشاركة،وفقدان الأمل فى الحراك السياسى ،فالوزراء رجال أعمال،وممثلو الشعب هم أغنياء البلد،و الأحزاب كخيال المآتة الذى تعشش الغربان على قمته بعد أن إكتشفت حيلته.
التمييز والمد الطائفى:
أصبح معتادا ان نجد شركة بكاملها تخلو من مسيحى، وإعلانات توظيف للذكور فقط " حتى السبعينات كانت شركات القطاع العام مملوءة بالمهندسات والمسيحيين بجوار المسلمين" ،تصل الامور الآن إلى حد عدم وجود دورة مياه حريمى ببعض شركات العاشر من رمضان.
تمترست الجامعة خلف متاريس الطائفية،فالأستاذ المسلم لن يفلت من براثنه طالب مسيحى ،والعكس صحيح.
وخلت أقسام النسا والولادة من الأطباء المسيحيين ثم خلت ايضا من الأطباء الذكور تماشيا مع المد الدينى البغيض.
لايسمح رئيس القسم المسلم بجامعاتنا لمسيحى بالترقى "إلا فيما ندر" وأمتدت الخطوط على إستقامتها ليسمح فقط لإبنه بالترقى،ليصبح التوريث أحد القواعد الأساسية فى النظام "الجمهورى"المصرى،ويصير التمييز ضد الجميع مسلمين أو مسيحيين.
لقد هاجر العديد من مسيحيى مصر الى بلاد أخرى،بحثا عن بلاد تقدر كفاءاتهم وتضمن لهم ولزوجاتهم وأبنائهم عملا مناسبا،وهربا من بلدهم التى حاصرتها قيود الطائفية البغيضة،بلدهم التى صارت تصفهم بالكفر فى وسائل الإعلام التى يدفعون بعض أموالها عن طريق الضرائب،بلدهم التى إن دافع عن ترابها حتى الموت‘قد لاينال وصف الشهادة فى اقوال بعض فقهائها.
فى ظل العولمة أغلقت أبواب العالم الرأسمالى أمام حيوانات العالم الثالث،ووربت أبواب بلاد النفط أمام "زبالة المصريين"،فانتفضت الطبقة العاملة لتقود النضال الإقتصادى ،ثم مقتربة اقترابا حثيثا من النضال الديمقراطى "سحب الثقة من النقابات الورقية"،ثم تحاول توحيد النضال الجماهيرى برفع مطلب حد أدنى للأجور،فتواجه بحملة بوليسية لا يملك النظام أفضل منها بعد أن شارف على الإنهيار،"فى صحوته من الموت"يضرب بكل قوة إضراب عمال المحلة ،ويحاول تأديب رموز القوى السياسية والمدونين.
لقد آن الأوان للطبقة الوسطى-وعلى رأسها المهندسون والأطباء- أن تنتفض لتقيم وطنا جديدا ترضاه وتدافع عنه،تشعر فيه بالكرامة والعدالة والمساواة وعدم التمييز...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً- رئيس تشيلي: الوضع الإنساني في غزة


.. الأونروا: ملاجئنا في رفح أصبحت فارغة ونحذر من نفاد الوقود




.. بعد قصة مذكرات الاعتقال بحق صحفيين روس.. مدفيديف يهدد جورج ك


.. زعيم المعارضة الإسرائلية يحذر نتنياهو: التراجع عن الصفقة حكم




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - مسؤول الأغذية العالمي في فلسطين: