الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبيعة الإنفعالات الإنسانية

جمال الشمري

2008 / 5 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


مقدمة
يقال ان العقائد والثقافات واللغات والأجناس تفرق بين الناس، وإن ما يجمعهم ويوحدهم هو المشاعر الإنسانية فقط ، فالناس يختلفون في دياناتهم وعقائدهم وثقافاتهم والوانهم ولغاتهم، ولكنهم دون استثناء يشتركون في عواطفهم ومشاعرهم، فالسعادة والغضب والخوف والقلق والقرف وغيرها انفعالات يختبرها بني البشر اينما كان وبغض النظر عن أي دين يدين به، وأية لغة يتكلم بها، وأي لون لبشرته، واية مكانة اجتماعية يتبوئها، واي مستوى ثقافي له . فالإنفعالات عامل مشترك بيننا ونتساوى فيها جميعا. وفضلا عن هذه الخاصية للإنفعالات، فهي تلعب دورا كبيرا في تحديد نوعية حياة بني البشر، وتتحكم بسلوكه ومدى توافقه مع نفسه ومع بيئته الإجتماعية، وتحدد معالم شخصيته، ولما كان للإنفعالات هذا الدور الكبير في حياة الإنسان لذا وجدنا من الضرورة ان نتطرق الى ماهية هذه الإنفعالات الإنسانية، وما هي وظائفها، وما هو اصلها فهل هي ظواهر غريزية موروثة او انها مكتسبة نتعلمها ممن حولنا، وكيف تفسر المذاهب العلمية هذا الأمر الذي اختلفوا فيه كثيرا وهو الأمر الوحيد الذي يوحدنا.

تعريف أولي لمفهوم الإنفعال
الإنفعال شعور انساني ذو مضمون محدد وصيغة تعبيرية محددة، مثل الشعور بالفرح او الغضب او الخوف او القلق او القرف او الخجل وغيرها، ويعبر بني البشر جميعا عنها بتعابير بدنية وفيسيولوجية محددة، فالتعبير البدني والفسيولوجي للحزن او الفرح او القلق او القرف هو واحد عبر الثقافات والمجتمعات والأجناس، وتكاد ان تكون الأحداث والمواقف المسببة لها واحدة اينما كان الإنسان، فأي تهديد موجه من سفاح لأي شخص يّولد عنده الشعور بالخوف اينما كان هذا الشخص أو الى اية ملة اوثقافة كان منتميا، ويتدفق الدم الى اطرافه السفلى كي يخلص بجلده من شر السفاح ، وكذا الحال بالنسبة للقرف فيتحاشى جميع بني البشر تذوق شيئ مقرف او شم رائحة كريهة، ودون الإسهاب في سرد الأمثلة عن انفعالات اخرى تتشابه الناس في ادراكها و في التغيرات الفسيولوجية المترتبة عليها، وحتى وبدرجة كبيرة، تتشابه الناس فيما بينها ايضا في تعبيرات الوجه . ان الأمر الذي يمكن ان يختلف فيه البشر فيما بينهم هو الأنماط السلوكية التي تلجأ الناس اليها لمجابهة المواقف والأحداث المسببة للإنفعال، وتعد هذه الأنماط السلوكية المكون الثالث للإنفعال بعد الإدراك والتغيرات الفسيولوجية . الأصل ان تكون الأنماط السلوكية واحدة ايضا عند بني البشر جميعا، فعند الخوف ينبغي ان يكون النمط الأصيل للسلوك الواجب اتباعه هو اما الإقدام ومهاجمة مصدر الخوف والتهديد وهو قليل الحدوث، او الإفلات والإبتعاد بسرعة عن مصدر الخوف وهو الأكثر حدوثا، وكذلك الأصل في السلوك الواجب اتباعه لمجابهة الغضب هو مهاجمة المسبب للغضب وبناء عليه يتدفق الدم الى الذراعين لأداء هذه المهمة ، غير ان الناس خلال تطورهم اوجدوا انماطاً سلوكية اخرى الى جانب الأنماط الأصيلة لمواجهة المواقف والأحداث التي تثير الإنفعال ، وهي انماط لا تغير النمط الأصيل المتطور وراثيا وبايولوجيا بل تعمل كأنماط فرعية تؤدي نفس الأدوار التي تؤديها الأنماط السلوكية الأصيلة في مواجهة المثير للإنفعال .
وقد بينا في اكثر من موضع في دراسات ومقالات سابقة، ان الإنفعال يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية هي الإدراك، والشعور (متمثلة بالتغيرات الفسيولوجية والبدنية)، والسلوك الذي يلجأ اليه الشخص للتعامل مع المثير للإنفعال، وعلى الرغم من اجماع المختصين على هذه المكونات الا ان لهم مذاهب شتى في كيفية دور كل منها في تركيبة الإنفعال، فعلى سبيل المثال اختلف المختصون في تحديد دور الأدراك في نشوء الإنفعال وذهب بعضهم الى تصنيف الإنفعالات الى انفعالات رئيسية وثانوية بناءَ على مدى مشاركة الإدراك في تكوين الإنفعال ، فالإنفعالات التي يقل فيها الإدراك اعدوها انفعالات اساسية وتلك التي يكون للإدراك دور فيها اعدوها انفعالات ثانوية، فان الإنفعال اساسي عندهم عندما يكون غريزياً غير مكتسب يحدث مباشرة نتيجة موقف محدد، فالخوف مثلاً انفعال اساسي طالما يواجه الشخص تهديداً يستهدف حياته، ويحدث مباشرة بسب التهديد الذي اوجده، وتقل فيه نسبة التفكير الى درجة كبيرة، ويزداد فيه رد الفعل الغريزي غير الإرادي وكأن الإنسان يتصرف من دون تفكير وبشكل لا ارادي، وتظهر عليه علامات الإنفعال دون اية قدرة للشخص في السيطرة عليها، فيكفي ان يستلم الدماغ اشارات الخطر فيسمح بشكل تلقائي وغير ارادي برد فعل لمواجهة الخطر المحدق . اما اذا كان الإنفعال مترتبا على الإنفعال الأساسي، ومكتسباً، حينئذ يوصف الإنفعال بالثانوي. وصنف البعض الأخر الإنفعالات استناداً الى مدى ظهورها منفردة او مركبة مع بعضها، فأعدوا الإنفعالات التي تظهر لوحدها انفعالات اولية مثل الحزن والغضب والخوف والمتعة والشعور الجنسي، وصنفوا الإنفعالات المركبة ضمن الإنفعالات الثانوية مثل انفعال الخجل فهو مركب من الخوف والحزن، وانفعال الغيرة فهو مركب من الحزن والغضب، والشعور بالذنب وهو مركب من الخوف والغضب، وغيرها وقد تطرقنا الى الكثير منها في دراسات سابقة .
وقد يكون للإنفعال مضمون ايجابي ومثاله، انفعال الفرح، والفخر عند تحقيق النجاح والتقدم، والشعور بالإرتياح، والشعور بالإطمئنان، والمتعة وغيرها . وقد يكون للإنفعال مضمون سلبي ومثاله القرف والحسد والخوف والحزن والإزدراء والغضب وغيرها من الإنفعالات السلبية الكثيرة .
يرى المختصون ان الإنفعال في طبيعته طاقة ينتجها الجسم لوظيفة حياتية ، وتؤدي الإنفعالات في حالاتها غير الإضطرابية دورا اساسيا في ديمومة الحياة البايولوجية والإجتماعية للإنسان، فالخوف انفعال ضروري لديمومة حياة الإنسان، وظيفته مجابهة اي تهديد موجه للإضرار بالشخص بدنياً او الإضرار به اجتماعيا، والغضب وظيفته حماية الشخص من اي ازعاج صادر من بيئته ,والقرف وظيفته ابعاد الشخص من اي مصدر كريه لا يستسيغه ، والغيرة وظيفتها حماية ما يمتلكه الشخص من الفقدان او الإستحواذ عليه من الأخرين، والخجل وظيفته الحرص على ديمومة الحياة الإجتماعية للشخص وقبول الأخرين له، وهكذا بالنسبة لجميع الإنفعالات سواء اكانت ذات مضامين سلبية ام ايجابية . ان الطاقة التي ينتجها الجسم اثناء الإنفعال لابد لها ان تنفذ كي يتوازن الجسم ويرجع الى حالته الطبيعة قبل الإنفعال، فعندما يتعرض الشخص الى الخوف فينتج الجسم طاقة كبيرة لتمكين الشخص في مواجهة التهديد فلا يتخلص منها الا اذا هاجم مصدر التهديد او اذا هرب منه و مبتعدا عنه، وتتمثل من الناحية الفسيولوجية بسحب الدم من اجزاء الجسم وضخه الى الأطراف السفلى كي يمكنه من الهرب .

المذاهب النفسية في اصل وطبيعة الإنفعالات
تعددت المذاهب النفسية في منشأ الإنفعالات وطبيعتها، وتعددت ايضا المذاهب الفرعية في كل منها، ولكنها تدور في نفس الدائرة الفكرية والفلسفية، التي اختلفت فيها النظريات، التي تحاول تفسير الكون والوجود والمعرفة والإنسان ، ودون الخوض في تفصيلات المناظرات الفكرية بين هذه المذاهب سوف نقتصر على بيان موقف ثلاثة مذاهب رئيسية في تحديد اصل الإنفعالات و تحديد خصائصها.

المذهب الأول، هو المذهب التطوري الإنتقائي، و يسمى ايضا المذهب النفسي التطوري Evolutionary Psychology ومن اشهر رواده قديما William James و Carl Lange، ويعد كل من Paul Ekman و R.J. Davidson و W.V. Friesen من اشهر ممثلي هذا المذهب في وقتنا الحاضر، الى جانب عدد كبير اخر يتفقون معهم في جوانب محددة من مواقفهم في تفسير طبيعة الإنفعالات . يعرّف اصحاب هذا المذهب الإنفعال على انه ادراك لا ارادي زائل تصاحبه انماط من التغيرات البدنية والفسيولوجية صممت في سياق التطور الإنساني بغرض تهيئة اعضاء الجسم لسلوك انتقائي محدد لمجابهة مثير اثار الإنفعال .
ان هذا التعريف وغيره من تحليلات واراء ونتائج دراسات هو امتداد للمقدمات النظرية للمدرسة الدارونية في تطور الإنسان، وتستند اجزاء اساسية من نظرياتهم الى المبدأ التطوري الإنتقائي الذي هو اساس النظرية الدارونية، وعلى الرغم من الإفتراق في مواضع كثيرة عن المدرسة الدارونية الا ان الإتجاهات العامة لهذا المذهب بقيت امينة لمبدأ التطور الإنتقائي، وبناء على ذلك يرى هذا المذهب ان الإنفعالات الإنسانية هي نتائج إنتقاء طبيعي في سلم التطور والنشوء الطبيعي للإنسان، اي ان الإنفعالات نشأت بفعل التطور الإنساني وحاجة الإنسان في تطوير وسائل بقائه، فهي ردور افعال خاصة بالجنس البشري لمواجهة مئازق اختبرها اسلافنا القدامى، ويرون ان اسلافنا من الجنس البشري استطاعوا من خلال تطورهم ان يتبنوا الطريقة المثلى متمثلة بتلك الإنفعالات التي نجحت في حماية الجنس البشري عند مجابهة تلك المَئازق التي تعرضوا اليها، ووظفت تلك الإنفعالات في مواجهة جميع التأثيرات الخارجية والتغيرات التي كانت تحدث داخل اجسامهم، وادت وظائف فائقة في حماية وديمومة حياتهم وبذلك استقروا عليها ، واصبحت جزئا من تكوينهم الإنساني، فهي في نظر هؤلاء انفعالات غريزية موروثة، وتحددت في سِفر تكوينها وظائف محددة لكل انفعال، فهدف السعادة مصمم غريزياً للحصول على الشيئ او الإحتفاظ به، وهدف الحزن مصمم لمجابهة الفشل في الحصول والإحتفاظ ، وهدف الغضب مواجهة ما يسبب فقدان ما يصبو اليه، والخوف مصمم لمواجهة اي توقع بالفشل في صد تهديد لما يصبو اليه، وهكذا فإن كل انفعال تكونت خصائصه ووظيفته في سياق التطور التاريخي للإنسان . ويرون ايضا ان الإنفعال مصمم في الأساس للتعامل مع ما يحدث من تغيرات فسيولوجية داخل الجسم ولتقليل اثر تلك التغيرات على اعضاء الجسم عند تعرض الشخص لمثير للإنفعال، وفي هذا السياق يرى Ekman ان الوظيفة الرئيسة للإنفعال هي تكييف اعضاء الجسم للتعامل السريع مع اي صدام بين الشخص ومحيطه، بواسطة مجموعة من النشاطات التي تمّ تبنيها فيما سبق سواء من خبرة الشخص او من خبرة اسلافنا، ويرى ايضاً ان العمومية هي احدى الصفات المميزة للإنفعال ويقصد بالعمومية ان تركيب الإنفعال وما صمم له من دور هو واحد عند الجنس البشري بغض النظر للإختلافات الثقافية .
ميّز Ekman في البداية عدد من الإنفعالات سماها بالإنفعالات الستة الكبيرة Big Six وهي الفرح، والحزن، والخوف، والإندهاش، والغضب، والقرف ، واصبحت هذه الإنفعالات الستة تعرف بالإنفعالات الأساسية لسببين، اولهما، ان كل انفعال منها غير مركب ولا يحتوي على انفعالات اخرى كجزء منه، وثانيهما، ان كل انفعال من هذه الإنفعالات غريزي وموروث ولا دخل لعوامل البيئة في نشوءه . وقد أزاد Ekman عدد الإنفعالات الأساسية واضاف عليها انفعالات اخرى هي ، الشعور بالتسلية، والشعور بالإزدراء، والشعور بالذنب، والشعور بالإرتياح، والشعور بالإطمئنان، والغرور، والإرتباك، والإهتياج، والشعور بالرضا او القناعة، والخجل . ويرى ان هذه الإنفعالات هي الأخرى اساسها بايولوجي وراثي وليس للتعليم اثر في تكوينها ، وحدد للإنفعالات الأساسية خصائص تتصف بالعمومية ، اي بمعنى انها خصائص يشترك فيها الجنس البشري جميعا وهذه الخصائص هي : -
لكل انفعال علامات عامة مميزة، ولكل انفعال تغيرات فسيولوجية مميزة، ويحصل لكل انفعال تقييم لا ارادي سريع، ولكل انفعال مسببات عامة مميزة، ولكل انفعال اسلوب مميز للتعبير عن حدوثه وتتطوره، ويظهر الإنفعال عند كائنات حيوانية اخرى راقية ، ويحدث كل انفعال بسرعة، ومدة الإنفعال قصيرة، ويحدث الإنفعال بشكل لاارادي وبدون وعي ، ولكل انفعال ادراك مميز، ويستند كل انفعال الى خبرة ذاتية شخصية مميزة .
يصنف Ekman الإنفعالات الى مجموعات متميزة يسميها عائلات انفعالية، تتميز كل عائلة انفعالية عن الأخرى في امرين، هما محتوى الإنفعال theme، والإنحراف عن الأصل variation ، فعن طريق المحتوى يتم تمييز كل عائلة انفعالية عن الأخرى، اما الإنحراف عن الأصل يفيد تمييز الفروق الفردية ضمن كل عائلة انفعالية، ويرى ان محتوى الإنفعال قد تكوّن بفعل التطور النوعي الإنتقائي، في حين ان الإنحراف عن الأصل يحدث بفعل التعلم والتأثير الثقافي .

اما المذهب الثاني ، هو مذهب البنائية الإجتماعية Social Constructionism ، يرى انصار هذا المذهب ان الإنفعالات الإنسانية هي انتاج العوامل الإجتماعية ونتائج للتربية والتعلم، ويرفضون اختزال الإنفعال الى ادراك سريع الزوال ولا ارادي وتغيرات بدنية، بل عندهم الإنفعال هو انتاج لتقييم معرفي يعبّر عنه بمخطط سلوكي محدد، ويرون ان وظيفة التقييم المعرفي او الإدراكي اساسية في احداث الإنفعال، فالتقييم هو الحكم على مدى تأثير الموقف على وضع الشخص، وبموجب هذا التقييم يتم توجيه الإهتمام للموقف المثيرللإنفعال، اما المخطط السلوكي فهو تعليمات لما ينبغي ان يقوم به المنفعل لمجابهة الموقف او الأمر المثير للإنفعال، وقد عبر Averill عن هذا المفهوم بقوله : ان الإنفعالات هي تقييمات ادراكية تعشعش في مخططات سلوكية . والتقييم عنده هو حكم على مدى تأثير الموقف المثير على حسن وجود الشخص الذي يتعرض للموقف، والتقييم هو الذي يقدم الموقف كمشكلة ينبغي التركيز عليها، اما المخطط السلوكي فهو تعليمات لما ينبغي فعله عندما تحدث المشكلة المثيرة للإهتمام ، وان كل مخطط سلوكي يفرض مجموعة مختلفة من الأفعال او الأنشطة التي يجب القيام بها، وعنده كل من التقييم والمخطط السلوكي متأثر بالخلفية الثقافية للشخص، وفي معرض دعم هذا الموقف يرى كل من Greenspan و Solomon ان الإستراتيجيات التي تلجأ اليها الناس في التحكم بغضبهم هي احكام معرفية وادراكية تتحكم بالمخططات السلوكية وتؤثر ايضا بالتغيرات البدنية والفسيولوجية التي تصاحب الإنفعال .
وهكذا فان ادراك اسباب الإنفعال يعتمد على الخلفية الثقافية والإجتماعية للبيئة التي ينتمي اليها الفرد ، فما يسبب الخجل في بيئة ما قد لا يكون سببا للخجل في بيئة اخرى، كما ان لكل بيئة ثقافية واجتماعية أحكام موصوفة ومخططات سلوكية موصوفة تستند اليها ردود الأفعال عند حدوث الأنفعال .

المذهب الثالث، و يتضمن عددا كبيرا من النظريات التي تحاول ان تجمع بين المذهبين السابقين . تحاول هذه النظريات الجمع بين النشوء الطبيعي الإنتقائي والخاصية الغريزية والموروثية للإنفعال والتأثير الإجتماعي والثقافي والتربوي، وتجعل منها جميعا عوامل تحدد طبيعة ونوع الإدراك ومن ثم نوع السلوك المقبول اجتماعيا وثقافيا للتعامل مع الموقف الإنفعالي . يرى اصحاب هذه النظريات ان كلا الطرفين الطبيعي الإنتقائي والإجتماعي الثقافي لهم ما يدعم مواقفهم في بعض الإنفعالات، فهناك انفعالات ذات منشأ طبيعي غريزي وموروث وعام لايختلف البشر فيما بينهم في كيفية التعبير عنها عبر الثقافات المختلفة وتلعب فيها العوامل البايولوجية والطبيعية والغريزية دورا اساسيا في احداث الشعور، فأي تهديد يؤدي الى هلاك الشخص يثير الخوف بغض النظر عن العوامل الثقافية والإجتماعية، وتتشابه الناس في مختلف الثقافات والبيئات الإجتماعية في كيفية التعبير السلوكي والبدني والفسيولوجي عنه . وبالمقابل ايضا يرون ان بعض الإنفعالات اصلها اجتماعي، مثل الإنفعالات غير الأساسية، اي تلك التي فيها تأثير واضح للتقييم المعرفي الإرادي والإدراكي ومثال ذلك الشعور بالذنب فهو انفعال يكون للتقييم المعرفي الإرادي دور كبير ولايحصل الاّ بعد قيام الشخص بمراجعة فكرية لما قام به، فينشأ الإنفعال بعدئذ على هذا الأساس ، وكذا الحال في العواطف المصاحبة لإنفعال المودة والمحبة بين الناس .
يرى اصحاب هذه النظريات ان جميع الإنفعالات بغض النظر ان كانت غريزية موروثة او اجتماعية تكون مصحوبة دائما بسلوك تعبيري واستجابة بدنية واهتياج واندفاعية ، وتؤثر جميعها على الإنتباه والتذكر وتتداخل مع تركيب الدماغ، وتتأثر جميعها بالإضطرابات النفسية، فمثلا يكبح المضطرب السايكوباتي الإنفعالات الستة الكبرى التي هي اساسية وغريزية والذي يستحيل على الشخص السليم كبحها، فالسايكوباتي لايعرف الخوف ابدا ويستطيع كبح الإنفعال، ويستطيع السايكوباتي ايضا كبح جميع الإنفعالات ذات المنشأ الإجتماعي مثل الشعور باذنب او الشعور بالمحبة .
يقرن اصحاب هذا المذهب صفة الغريزية والطبيعة والموروثية بتلك الإنفعالات التي ترتبط مباشرة بديمومة الحياة الإنسانية مثل الإنفعالات الستة الكبرى، ويقرن الصفة الإجتماعية بالإنفعالات التي ترتبط بدتمومة الحياة بصورة غير مباشرة مثل الشعور بالذنب.
يميز Prinze حقيقتين اساسيتين في موضوعة الإنفعالات، الآولى تتعلق بالصيغة التعبيرية للإنفعال، ويرى ان هناك علاقة موروثة بين الإنفعال وجسم الإنسان ، اذ يصاحب الإنفعال دائما تغيرات فسيولوجية وبدنية في الجسم، والحقيقة الثانية ترتبط بمحتوى الإنفعال، فالإنفعال لايحدث فقط بسبب تغيرات فسيولوجية بل لإسباب اخرى فمثلا ان الخوف دليل على وجود خطر ما يهدد الشخص، والحزن يعبر عن فقدان شيئ، وكذا الحال في الإنفعالات الأخرى فهي مصممة للتعبير عن حالات محددة، فالخوف مصمم لمواجهة التهديد ترافقه مجموعة محددة من التغيرات البدنية وانماط سلوكية تناسب حالة التهديد والتغيرات البدنية، وكذلك الحال في الغضب مصمم لمواجهة اية اساءة او ازعاج ترافقه ايضا مجموعة محددة من التغيرات البدنية وانماط سلوكية، وهكذا لايخلو انفعال من هذه الحقائق.

المراجع
Averill, J. R. (1980), A constructivist view of emotion. In R. Plutchik and H. Kellerman(eds), Emotion . Theory, research and experience, Vol.1, New York
Ekman, P. (1999) . Basic emotion. In T. Dalgleish and T. power (eds.), Handbookof cognition and emotion, Sussex,U.K
Greenspan, P. (2000), Emotinal strategies and rationality. Ethics. 110
Levinson, R. W., Carstensen, L. L., Friesen, W. V. and Ekman, P. (1991) . Emotion, physiology and expression in old age. Psychology and Aging 6
Prinze, J. (2004) Gut reaction . A perceptual theory of emotiom. Oxford University Press
Prinze, J. (2004) Which emotion are basic. In D.Evans and P. Cruse (eds.) Emotion,evolution, and rationality . Oxford University Press








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس كولومبيا يعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ويعتب


.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا




.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع


.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال




.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا