الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حملة نابليون في الفكر العربي المعاصر(2)

ناظم الديراوي
(Nazim Al-Deirawy)

2008 / 5 / 7
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في بحثه(المشرق العربي والغرب)أضفى الدكتور جلال أمين أهمية خاصة على الحملة الفرنسية ورأى فيها بداية اتصال الشرق العربي بالغرب الحديث.واعتبرها بداية(التمدن)العربي الذي مَهَّدَ ليقظة العرب وتقدمهم.غير أنه يعتقد أن من يرفض هذه النظرة من شأنه أن يعتبر نقطة التحول الأجدر بالاهتمام إنما تقع في السنوات الأخيرة من العقد الرابع من القرن التاسع عشر.إذ شهدت هذه الفترة البداية الحقيقية لضغط الغرب اقتصاديا وعسكريا،وبهذا دشنت ما يزيد على قرن كامل من السيطرة البريطانية والفرنسية على المشرق العربي.هذه البداية التي تمثلت في عقد الاتفاقية التجارية بين بريطانيا والباب العالي سنة(1838)،وفي احتلال بريطانيا لعدن في السنة التالية(1).وفي السياق نفسه أوضح الدكتور علي محافظة آثار الحملة على مستقبل العرب؛إذ فتحت باب الصراع الدولي في الشرق العربي على مصراعيه،وأطلقت العنان لمخططي السياسة الاستعمارية في أوروبا،فقدموا مشروعات عديدة ترمي إلى تجزئة الدولة العثمانية واقتسام ممتلكاتها،في وقت بلغ الجشع الاستعماري،مع انتشار الثورة الصناعية،أوجه،وكانت فلسطين بحكم موقعها الجغرافي والاستراتيجي وأهميتها الدينية هدفاً لمخططي هذه السياسة(2).كما ونسب الدكتور عبد الوهاب الكيالي إلى حملة نابليون فضل إيقاظ أطماع بريطانيا ورغبتها في السيطرة على المنطقة بشكل أكثر مباشر نظراً لما انطوت عليه من تهديد خطير لمصالح بريطانيا في الهند(3).ولاحظ أن اهتمامات بريطانيا بالمنطقة العربية لم تقتصر على تأمين الطرق التجارية للهند،والمواصلات البحرية العسكرية وحمايتها،بل كانت تريد أن تحتفظ بالمنطقة لحساب نفوذها،وذلك عن طريق سيطرة أُسطولها والحفاظ على الإمبراطورية العثمانية كحاجز في وجه أطماع الدول الأوروبية الأخرى(4).من جهته لاحظ المؤرخ أميل توما أن سبب إضعاف النظام الإقطاعي وسلطة المماليك في مصر وإشاعة الأفكار البرجوازية...وتنمية البذور القومية مرتبطة بإفرازات حملة نابليون.وزعم أن الحملة على بلاد الشام لم تؤثر في حياة المساحة الفلسطينية بل وطدت سلطة أحمد الجزار (5).وفي هذا يكرر توما ما أورده حتي في كتابه(تاريخ سورية ولبنان وفلسطين)؛بلغ الجزار أوج مجده سنة(1799)إثر فوزه بإيقاف زحف نابليون(6).ويرى المؤرخ توما في الحملة الفرنسية عنصراً فعالاً في تغيير أوضاع الشرق العربي من حيث طرح قضيته في الدبلوماسية العالمية ودخول القوى الاستعمارية كعنصر منافس لتحريك الأحداث في منطقة طال سباتها في ظل نظام جامد هو الحكم العثماني(7).من جانب أخر يرفض بعض المؤرخين المصريين نسب فكرة دخول المدنية الحديثة إلى مصر وبلاد الشام إلى الحملة الفرنسية.إذ يجب أن يكون واضحاً،في اعتقادهم،أن الفرنسيين إذا كانوا قد قاموا بمهمة تعريف أهل الشرق بالمدنية الحديثة فإنهم لم يدخلوا هذه المدنية إلى أقطار الشرق،ولم يتركوا شيئاً منها عندما غادروا البلاد فقد أخذ الفرنسيون معهم كل شيء،وزال ما كان قد تبقى وراءهم من مظاهر هذه المدنية في السنوات التي أعقبت خروجهم.التي ابتدأت بالصراع والقتال والتنافس بين الطامعين في الحكم إلى أن انتصر الشعب في النهاية،وبعد ذلك بدأت النهضة الحديثة في مصر ثم في غيرها من أقطار العالم العربي معتمدة على جهود العرب وأحوالهم وحكوماتهم(8).ومع أن حملة نابليون كانت فاتحة الاستعمار الأوروبي في العالم العربي،وهي مشكلة ما زالت الدول العربية تقاسي منها ومما يحيط بها من ملابسات إلى الوقت الحاضر،إلا أن الحملة الفرنسية كانت المناسبة التي أوقفت أنظار الشرق على هذه المدنية الحديثة وعلى تفوقها وأقنعتهم بوجوب اقتباسها(9).
هذا وإن كانت حملة نابليون على المشرق العربي قصيرة الأمد(1798-1801)،غير أنها أحدثت عدداً من التطورات والتحولات في المنطقة العربية،واستمرت،ولم تنقطع،حتى بعد جلاء الحملة عن مصر،إذ استغلتها الدول الكبرى وسخرتها لخدمة مصالحها وأهدافها السياسية والاقتصادية.ولا شك أن الغزو الفرنسي شكل نقطة تحول في تاريخ المنطقة ووضعها على طريق الانخراط في السياسة الدولية.وأدى عجز العثمانيين وسلطاتهم المحلية في مواجهة التحديات الخارجية إلى دخول الولايات العثمانية في مجال المنافسة بين الدول الكبرى وتحويلها،تدريجياً،إلى جزء لا يتجزأ من المسألة الشرقية.وعملت الدول الأوروبية على إقامة علاقات مباشرة مع شعوب وطوائف وملل السلطنة العثمانية وتمكنت من كسب بعض مراجعها الدينية والعرقية إلى جانب سياستها التي ألحقت أضرارا فادحة بثروات ومستقبل الأمة العربية.وما مشروع نابليون"إقامة كومنولث يهودي في فلسطين"الذي طرحه عام(1798)،إلا واحداً من أخطر إفرازات الحملة الفرنسية،والذي كان له أثر كبير على مستقبل فلسطين والمنطقة العربية،وتحديداً بعد أن تبنته بريطانيا ليشكل،في وقت لاحق،برنامجاً سياسياً وممارسة عملية لإنشاء كيان صهيوني استعماري في فلسطين طوال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.ومن نتائج الحملة الفرنسية على المشرق العربي،أيضاً،أنها أشعرت العثمانيين ورعاياهم بالتخلف مقارنة بأوروبا الناهضة،وحاجتهم للإصلاح الشامل حفاظاً على كيان الدولة العثمانية الآيلة إلى التصدع والانهيار...
المصادر
1-د.أمين،جلال،المشرق العربي والغرب.بيروت/1979،ص15.
2-د.محافظة،علي،العلاقات الفلسطينية- الألمانية(1831-1845).بيروت/ 1981،ص26.
3-د.الكيالي،عبد الوهاب،تاريخ فلسطين الحديث.بيروت/1976،ص10.
4-المصدر نفسه،ص11.
5-د.توما،أميل،فلسطين في العهد العثماني.عمان/ بدون تاريخ إصدار، ص61.
6-المصدر نفسه،ص62.
7-د.قدورة،زاهية،تاريخ العرب الحديث.بيروت/1985،ط:2 ص32.
8-د.عبد الكريم،د.البطريق،د.أبو الفتوح،تاريخ العالم العربي في العصر الحديث،القاهرة/ بدون تاريخ إصدار.ص119.
9-المصدر نفسه،ص119-121.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع