الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هموم عراقية : ظاهرة مقتدى الصدر ومثلائه

يحيى السماوي

2008 / 5 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يرى المختصون في علم النفس ، والعاملون في مجال التربية ونـُظـُم السلوك البشري ، أنّ الإفراط في الإستجابة لطلبات الطفل ، والمبالغة في " تدليله " ، قد يقودان إلى إفساد الطفل على صعيد بناء شخصيته بناءً غير سويّ ، تنعكس آثاره على سلوكه المستقبلي .

يبدو لي أنَّ هذه النتيجة ، تنطبق على المبالغة في إطراء الأشخاص والإفراط في تمجيدهم ، باعتبارهما مَرَضين خطيرين يؤديان إلى تضخيم نرجسية الشخص المعنيّ ، وبخاصة حين يكون مثل هذا الشخص في موقع قيادة طائفة أو حزب أو تكتل أودولة ، فيتوهّم ـ بفعل تينك العاهتين : الإطراء والتمجيد غير المبررين ـ أنه القائد الموعـود وحامل المفتاح السحري لفتح قفل المستحيل ، والوارث الشرعي لعصا موسى التي سـيشـق بها درب الجماهير نحو الغد المرتجى ... وصدام حسين خير مثال على مثل هذا الشخص الذي أسهمنا ـ نحن العراقيين ـ في تضخيم " فأس " نرجسيته ليقع على رؤوسنا بعد حين .

شخصيا ً ، أنا ممن يكنون لعائلة الصدر محبة تصل حدود التقـديـس غـير الآثم .. ولا عجب في ذلك ، فهي من بين أعظم العوائل العربية العراقية التي أنجبت نخبة من الأفذاذ على صعيد الفكر والجهاد في سبيل الله ( كالشهيد الخالد المفكر الفيلسوف آية الله العظمى محمد باقر الصدر وشقيقته الفاضلة الشهيدة بنت الهدى طيب الله ثراهما ) .. والذود عن المستضعفين والتصدي لكل ما هو معتم دون أن تخيفه في الحق لومة لائم ( كالشهيد الخالد آية الله العظمى محمد صادق الصدر طيب الله ثراه ) .. والعمل على دمج الطائفة في مجتمعها بعيدا عن التمذهب والإنغلاق الطائفي ، لمواجهة العدو المشترك للشعب أو الأمة ( كالإمام المـُغـَيَّـب في ليبيا موسى الصدر ) ... هي إذن عائلة مشهود لها بالعلم والفكر والجهاد والزهد بالمناصب والمطامح الشخصية أو الأسروية أو الطائفية .... ومع ذلك ، فإنّ هذا التأريخ المشرف للعائلة الصدرية ، لا يُجيز لشاب ٍ من شـبّانها ، التوهّم بأنه القائد الموعود ، وأنه وحده الممسك بمفتاح الحكمة والصواب ...

أنا ممن يحترمون السيد مقتدى الصدر لموقفه الشجاع من الإحتلال الغاشم ومن طريقة المحاصصة لاقتسام رغيف السلطة ... لكنه غـير مؤهّـل للقـيـادة الجماهيرية ... فهـو أقـرب إلى " المراهـقـة الـثورية " منها إلى " الحكمة والنضج الثوري " ... إنه مؤهل لأن يكون فردا من الجموع الرافضة للإحتلال ، وليس قائدا لها ، بسبب قلة خبرته فيما يتعلق بالمعترك السـياسي وبأحابيله ودهاليزه السرية ، مضافا إلى ذلك ، تواضع تحصيله العلمي الديني ... ولعل البعض يتذكر ما صرّح به السيد مقتدى الصدر خلال فترة التحضير للإنتخابات التي حددها المندوب السامي الأمريكي السابق " بول بريمر " ... فقد صرح قائلا : " قمت بتشكيل حكومة كاملة وأنا مستعد لعرضها على الشعب العراقي للتصويت عليها" .... فمن خلال هذا التصريح ، تـتضح لنا ليست نرجسية السيد مقتدى الصدر فحسب ، إنما وسذاجته السياسية أيضا ... أبهذه السهولة تـُشـَكـَّل الحكومات ؟ ثم : هل ناشدته الجماهير الشعبية العراقية بتشكيل حكومة ؟ حتى " الملا عمر " حين نجحت حركة " طالبان " بالإستحواذ على السلطة في أفغانستان ، فإنه لم ينفرد وحده باختيار أعضاء حكومته .... فهل يريد السيد مقتدى الصدر إقامة حكومة " طالبان شـيعية " في العراق ؟

ولكن : لماذا نلوم السيد مقتدى الصدر على هذه النرجسية ، إذا كنا نحن ـ العراقيين ـ قد صنعناها له ؟ كيف لا ينتفخ بالون نرجسيته وهو يرى عشرات آلاف العراقيين يهتفون باسمه رافعين صوره في تظاهرات عارمة ؟ كيف لا يصيبه الغرور وهو يرى سرايا جيش المهدي تزداد عددا ، دون أن يأخذ بنظر الإعتبار حقيقة أنّ " أشاوس أمن ومخابرات صدام " تسللت إلى خيمة تيّـاره ؟

صحيح أن التيّـار الصدري يضم مجاميع غـفيرة من أحفاد عروة بن الورد ... من الفقراء الطيبين المسحوقين العاطلين عن العمل ... وصحيح أن للتيار الصدري جهده المؤثر بداية الإحتلال وشيوع ظاهرة " الفرهود " حين نجح في الحدّ من تلك الظاهرة المشينة وأعاد الكثير من المواد المسروقة والمنتهبة .. ( الظاهرة المشينة تلك ، كان مخططا لها أمريكيا مسـبقا ً ، بدليل أن قوات الإحتلال أعدّت قوة حماية مسبقا لوزارة النفط ، ولم تحرك ساكنا ً حيال الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى ، بما فيها المتحف العراقي الذي كان المحتلون أول منتهبيه وسارقي موجوداته ) ... وصحيح أن في التيار حاملي شهادات عليا ... لكنّ الصحيح أيضا ، أن في جيشه لصوصا ً وقطاع طرق وفارضي أتاوات وعصابات اختطاف ـ وربما مروّجو مخدرات ومنفلتون أخلاقيا وأدعياء تشـيّع وموقدو فتنة ـ وإلآ ما تفسير جرائمهم التي لا تخفى على ذي بصيرة ؟ وما تفسير الشكاوى الكثيرة ضد ممارسات الكثير من مجاميعهم ؟ ممارسات وصلت حدّ التدخـّل بلباس المرأة وبشكل حجابها ونوع مكياجها ؟

هذه الظاهرة أغوت كثيرين في السير على ذات المنهج ، فخرج لنا أكثر من رسول لـ " المهدي المنتظر " بعد أن وجد مَنْ يُضفي عليه هالة التمجيد ويصيخ السمع لهذيانه في اعتزامه إقامة حكم السماء على الأرض العراقية المخضـَّـبة بالدم والدموع ... فإذا بالأحزاب المبشرة بقرب ظهور المهدي المنتظر ، تتناسل تناسل نبات السبيروجيرا والطحالب ، لنكتشف بعد حين أن لها موانئها السرية لتهريب النفط ، وأتاواتها المفروضة على الفقراء ( أتاوات لا يُسمح بتقسيطها فالدَين ممنوع .. والعتب مرفوع .. والرزق على الكلاشينكوف ) .. وهي طبعا ترفع لافتة مناهضة الإحتلال ..

إنَّ فضيلة مبدأ مقاومة الإحتلال ، لا تكفي وحدها لتزكية الفرد أو الجماعة ، ما لم تـُشـفـَعْ بفضائل أخرى ، في مقدمتها حرمة الدم الوطني واحترام الكرامة المتأصلة للإنسان ونبذ كل ما من شأنه توسيع الفجوة بين مكونات الكيان المتحد " المجتمع " ..

لقد أهرق دم عراقي كثير ... فعسى أن يعمل الجميع على إيقاف مسيله ، وأن يُصار إلى وضع برنامج عمل وطني يأخذ على عاتقه مهمة توحيد الروافد جميعها ، لتصب في نهر واحد ، يسقي بستان الوطن ، ويغسل ثوبه من وحل وعار الإحتلال ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأثير مقتل رئيسي على المشهد السياسي في إيران| المسائية


.. محاكمة غيابية بفرنسا لمسؤولين بالنظام السوري بتهمة ارتكاب جر




.. الخطوط السعودية تعلن عن شراء 105 طائرات من إيرباص في أكبر -ص


.. مقتل 7 فلسطينيين في عملية للجيش الإسرائيلي بجنين| #الظهيرة




.. واشنطن: عدد من الدول والجهات قدمت عشرات الأطنان من المساعدات