الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الاساءةُ للإسلام

مهدي النجار

2008 / 5 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لاشك ان الانبياء هم رجال من طراز نادر، لا يظهرون برسالاتهم النبوية كل حين او في الحالات الاعتيادية كلما استدعاهم الناس، انما يظهرون لتلبية حاجات اجتماعية في درجة الحاحها القصوى وفي ظروف مفصلية وصلت فيها التناقضات و الصراعات والتقاهرات حدود التفجر والاندلاع، يظهر اولئك المصطفون لينقلوا مجتمعاتهم من الظلمات الى النور، ومن التسافل الى التسامي، ومن الانحطاط الى الرقي، ومن القهر الى الحرية، ومن الخوف الى الاطمئنان...عبر مكابدات وآلام وامتحانات ومحن يفشل اغلب الناس باجتيازها وتجاوزها، حتى الرهط الكبير من الانبياء (يذكر النسفي بأن عدد الانبياء مائة الف واربعة وعشرون الفاً منهم ثلثمائة وثلاثة عشر رسولا، اول الرسل آدم وآخرهم محمد عليه افضل الصلاة والسلام/ تفسير النسفي ج1 ) لم يحققوا نجاحات باهرة في تحقيق رسالاتهم الا القِلة النادرة منهم استطاعت بمؤهلات بشرية فريدة: الحكمة/ التنبؤ/ الصبر/ القيادة/ الشجاعة/ البلاغة...الخ ان تتوج رسالاتها بالنجاح وتنتصر على الرداءات والاعوجاجات وتفلح في كسر حواجز الاسئلة الخانقة حول معنى الانسان ومصيره!!.
في الجانب المسيحي ومنذ عهد التنوير خرج الدين من فضاءات السياسة والسلطة الى فضاء الروحانيات والتعبد والموعظة، فلم نسمع او نقرأ ان احداً قد قُتل او ان شعباً قد دُمر ونهب باسم الدين المسيحي او تحت طائلة اقوال النبي الوجيه عيسى ابن مريم في الوقت الذي ترتكب مئات المجازر والانتهاكات ضد الافراد والشعوب، وتستباح اوطانهم وتنهب ثرواتهم من قبل الآخرين (اوربا وامريكا). في الجانب الثاني، الجانب الاسلامي، ظلت العلاقة حميمية بين الدين والسياسة بل تشوشت هذه العلاقة في الازمنة الراهنة وتكسرت اواصرها ليتحول الدين نفسه الى سياسة والسياسة الى دين وملخص اهداف ذلك هو الاستحواذ على سلطة الحكم وسلطة المال وسلطة الجاه، وهذه من اخطر التحولات التي يشهدها العالم الاسلامي، ومن هنا أُّعلن صراحة من قبل الآخرين (غير المسلمين) وبصوت سافر ان من يهدد مدنية العالم وينتهك حقوق الانسان هو: الاسلام!!. لماذا؟ لان المواطنين في الاوطان غير الاسلامية لايفرزون بين اسلام معتدل واسلام متشدد واسلام متنور، ولا يهمهم ان يفعلوا ذلك او ينتبهوا اليه فلديهم انشغالاتهم ومشاكلهم وهممومهم،لذا يضعون الاسلام كله في سلة واحدة وينسبونه الى رسوله الكريم، سيتعرفون على الاسلام وتعاليمه من خلال ذلك القائد المتشدد الذي يظهر على الفضائيات وهو يقطع رأس رهينته بتشفي، زاعقاً بانتصار موهوم: الله اكبر...الله اكبر!! او من خلال صورة ذلك الشاب الذي يفجر نفسه في موكب عرس او موكب جنازة، في مطعم او معبد او مدرسة او سوق شعبي او سفارة، يروّن الاسلام من خلال نزاع طوائفه من اجل الحصول على مغانم السلطة والثراء بحيث راحت كل طائفة تبيح دم طائفة اخرى وتغدر بشبابها، يستمعون الى اخبار ذلك الفتى الذي فجر نفسه في تجمع شيعي في العراق(الحلة) وقتل 28 فرداً منهم وظلت عشيرته السنية في الاردن ترقص حتى الصباح ونساء حيه يزغردن احتفالاً بعرسه، او يتعرفون على الاسلام من تلك الحادثة البشعة التي استخدم فيها المجاهدون أمرأتين متخلفتين عقلياً تم تفجيرهما بعد تفخيخهما بالدانميت في بغداد (سوق الغزل وسوق الطيور) بتاريخ 2/2/2008 وراح ضحية الحادث اكثر من 200 شخص مدني،مسالم.
تلكم الصور هي التي يقدمها المسلمون عن انفسهم وعن رموزهم المقدسة، فكيف يُراد ان لايُساء لهم وان تحترم رموزهم؟! اذا ما ارادوا تحسين صورتهم لتبدوا زاهية ومشرقة عليهم ان يقلعوا عن تمجيد وتبجيل كل ما يتعلق بالعنف والاعتداء والجهل الذي تحقق في الازمنة الغابرة، فعن الطبري يذكر في فتح بعض البلدان: "سرنا حتى لقينا عدونا من المشركين فدعوناهم الى ما أمرتنا به من الاسلام فأبوا فدعوناهم الى الخراج فأبوا فقاتلناهم فنصرنا الله عليهم فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية وجمعنا الرثة " (الطبري: تاريخ الامم والملوك/ج5 ) وفي واقعة أخرى : " دخلنا المدائن فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالاً مختمة بالرصاص فما حسبناها الا طعاما فاذا هي آنية من الذهب والفضة فقسمت بعد بين الناس... وأتينا على كافور كثير فما حسبناه الا ملحاً فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز" (نفس المصدر). لم يعد ذلك التقسيم البدائي بين امم مستخلفة في الارض وقاهرة لاهلها وامم مستعبدة وصاغرة، لم يعد غير صيغة بائدة تستنكرها الازمنة المعاصرة وتحاول كل مراكز ومنظمات العالم الساعية لتوطيد الحوار والامن والسلام ان تستاصلها من العلاقات الانسانية، فالاطروحة الاسلامية القديمة التي تُنسب الى احد اعمدة الاسلام الكبار في فجر الاسلام والتي تقول: "لم تصبح امة مخالفة لدينكم الا امتان، امة مستعبدة للاسلام واهله يجزون لكم يستصفون معائشهم وكدائحهم ورشح جباههم عليهم المؤونة ولكم المنفعة وامة تنتظر وقائع الله وسطوته في كل يوم وليلة" (الطبري/ج5 )، لم تعد هذه الاطروحة الاستعبادية تتوافق ووعي الانسان المعاصر، انها مجرد وعي زائف اساء للرسالة النبوية في حاضرها وماضيها وجعل من الدعاة المتشددين الذين يقبعون تحت ظلها دون عمل، اشد الناس اساءة لنبي الاسلام واكثرهم غلواً في اعاقة تقدم شعوبهم، ينبغي ان لا يوَّرط الدين بما فيه من ألق روحاني وصفاء انساني في اجتهادات مخيفة تحرض الشباب على الانتحار والعنف، بمعنى ان يخرج المشايخ والدعاة بشجاعة من تحت جلابيب الدين الاسلامي وان يواجهوا الناس بنواياهم وغاياتهم كما هي دون تقديس او قداسة بحيث يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود، ان يمارسوا افعالهم القاسية وحركاتهم العنفية تحت مظلات اخرى تنتمي الى عالم السياسة وتنظيماتها المختلفة بحيث لا يسمح لكل من هبَّ ودبَّ واطال لحيته ان يجعل من بلاد الاسلام ملاذأً آمناً يصول ويجول به كيفما شاء واينما شاء، لان الاتقياء وحدهم هم الذين يحق لهم الكلام بإسم الدين ووفق ما كان سبحانه وتعالى يأمر به نبيه الكريم: "وقُل لِعبادي يقُولوا التي هي أحسنُ " [الاسراء:53 ]. من هنا نرى المدخل الرحب الذي يمكن للناس في العالم الاسلامي دخول مضمار الحداثة وفاعليات العصر كمؤثرين ومتأثرين، لامجرد أرقام احصائية تتكاثر دون معنى او حيوية او مشاركة فعلية وعملية في مصائر البشرية،ذاك المدخل لا يسعهم الا ساعة تنصلهم كلياً ودون خوّف، كما فعلت بقية شعوب الارض،من تلك الوقائع والاحداث الداكنة التي تغلبت فيها نزعات الغزو والنهب والسبي والقتل، وان يتخلصوا من تلك الرواسب والبواقي النفسية التي علقت بأذهانهم من تلك الازمنة البدائية وشكلت ميراثاً ضخماً يُعاد اكتشافه والتبجح به كل يوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال