الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث ومستلزمات المواجهة

تركي البيرماني

2008 / 5 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن استنطاق الجانب المشرق من التراث وقراءته قراءه موضوعية يسهم إسهام كبير في الحد من غلواء وتطرف الاتجاهات السلفية والتكفيرية والعشائرية والطائفية التي كانت وما زالت محرك أساس للحراك الاجتماعي في المجتمع ومن أسباب تخلفه ويمكن القول إن تصدر هذه الاتجاهات لهذا الحراك ناتج في المقام الأول عن تقاعس وعزوف التربويون والمفكرون التقدميون وضعف رغبتهم في استنطاق الجانب المشرق من التراث وتوظيفه لصالح حركة التجديد والتغير مما فسح المجال واسعا أمام القوى المتخلفة لتوظيف جانب من هذا التراث لتحقيق مأربهم ومحاربة كل جديد منتج إن على القوى الحية في المجتمع التي يهمها مواجه القوى المتخلفة عليها إن تعي إن محاربة هذه القوى والحد من سطوتها لايمكن تحقيقه من خلال استخدام سلاح خارج الإطار الثقافي للمجتمع لان المجتمعات ذات الثقافة المتجذره لايمكن تطويرها من الخارج كما لايمكن محاربة قوى التخلف بسلاح لاينتمي إلى ثقافة وتراث المجتمع ويؤيد ادنيس وجهة النظر هذه قائلا ( إذا التغير يتطلب هدما للبنية التقليدية القديمة فان الهدم لايجوز إن يكون بالة من خارج التراث وإنما يجب إن يكون بالة من داخلة وان هدم الأصل يجب إن يمارس بالأصل ذاته) 232:1 لأناتي بجديد حين نقول إننا نواجه تيارات تكفيرية وطائفية تستغل التراث وتجيره لصالحها وتستخدم النظرية الميكافيلية للوصول إلى غاياتها فهي لاتمانع من ركوب الموجه إذا كان هذا الركوب يحقق بعض من أهدافها كما لاتمانع من مقاومة حركة التجديد والتطوير بالسلاح وبقتل الأبرياء من النساء والأطفال تحت يافطة الحفاظ على الدين والتراث ولاتمانع من استغلال الثقافة السلفية والعشائرية ثقافة التحكم وكم الأفواه وحتى وأد البنات وكل ثقافة الجاهلية الاولىمن اجل إعاقة حركة التجديد والتحديث. إن مواجه هذه القوى ليس بالأمر السهل بل يتطلب تظافركل الجهود إذا أريد استنهاض العراق ووضعه في المكان المناسب من حركة التاريخ من اجل إسهامه الفاعل في بناء الحضارة وليس العيش على هامشها كما هو الحال. إن المشكلة التي نواجهها مشكلة ثقافية في المقام الأول وان أي تغير سياسي لوحده غير قادر على إخراجنا من المأزق الذي نحن فيه وقد أثبتت الإحداث بعد تغير النظام الدكتاتوري المباد صحة هذه الفرضية كنا نعاني من دكتاتورية الرجل الأوحد أصبحنا نعاني من دكتاتوريات متعددة الألوان والمشارب كنا نعاني من المحسوبية والعشائرية ومن الفساد الإداري والمالي ومن هجرة الكفاءات ومن أمية الادارين الوظيفية ومن سياسة التسيير لاالتطوير ومن سرقة وهدر المال العام هذه المعضلات مازلت تضرب إطنابها في كل حدب وصوب في مؤسسات الدولة المختلفة.هذا الإرث الثقافي المتخلف لايمكن مواجهته بالتغير السياسي لوحده بل يتطلب ثورة ثقافية تتولى المؤسسات التربوية مسؤوليتها نحن بحاجة إلى ثورة في التربية وليست تربية الثورة وهذه تتطلب إيمان وكفاءة وقدره معرفية ومهنية إضافة إلى ألمبدأيه العلمية التي يجب إن يتحلى بها من يتصدى إلى عملية التجديد والتطوير وان يتسم بالقدرة على استنطاق الجانب المشرق من التراث وان ينحاز إلى الاتجاه العقلي فيه وان يتخلى عن البرمائية التربوية والثقافية لأنها لم تعد قادرة على مواجهة المعضلات التي يعاني منها نظامنا الاجتماعي والتربوي بصوره خاصة .الثقافة البرمائية نتيجتها الحرمان من بركات البحر والبر في أن واحد وتحمل كل أعباء ومساوئ الحياتين.639:2 لأناتي بجديد حين نقول إن التراث الثقافي لم يعد ملكا للطبقات الحاكمة والدكتاتورية ولم يعد ملكا لوعاظ السلاطين يفسرونه وفقا لمشيئتهم ويستخدمونه لتحقيق مأربهم متى شاءوا وأنى شاءوا. التراث ملك المجتمع علينا إن نجد في هذا التراث مخزوننا الثقافي وان نستنطق الجانب المشرق منه ونوظفه لخدمة الوطن والمواطن. لقد سبقتنا العديد من الحركات التقدمية كالمعتزلة وإخوان الصفا والأمامية والقرامطة والعديد من المفكرين والفلاسفة ووظفوا التراث خدمة للوطن والمواطن مستندين في ذلك إلى قول علي (ع) إن القرأن كتاب مصطور بين دفتين لاينطق وإنما يتحدث به الرجال هذا الفهم الفلسفي للإسلام مستند إلى صيرورة الحياة وان عملية الفهم انعكاس لهذه الصيرورة . وان فهم المقروء يتغير بتغير ثقافة القارئ ووعيه وخبرته وزمانه ومكانه . إن مثل هذا الفهم للتراث يبيح لنا استنطاقه وتاويلة خدمة للمستضعفين في الأرض. كما انه ينسجم مع النظريات الحديثة وخاصة نظرية الإدراك الحسي في تأويل رسائل الاتصال. من هذا يمكن القول ليس مستغربا إن تفسر الارستقراطية القرشية الإسلام تفسيرا يختلف عن تفسير أبو ذر الذي يرى في الإسلام دين الأحرار ودين المستضعفين في الأرض دين الله والناس. في المقابل فسر الأمويون الإسلام تفسيرا طبقيا وشجعوا المرجئة وأسسوا النظرية الجبرية(الإنسان مجبر لا مخير) وكانت البداية لظهور التيارات النقلية والمحافظة التي ترى في هذا التراث فكرا محافظا يحارب العقل والاجتهاد ويعادي الحرية. إذن بإمكاننا إن نستنطق التراث ونجيره لمصلحة الحراك الاجتماعي الذي يخدم الوطن والمواطن. وقد سبقنا العديد من المفكرين في العصر الراهن ومنهم محمد إقبال الذي يرى بالإمكان تفسير القرآن وتأويله تأويلا علميا يوائم حركة التجديد والتطوير الجارية في العصر الحديث اعتقادا منه إن الفكر الإسلامي فكر فلسفي وان هذا الفكر ليس له حد يقف عنده .26:3 على المفكرين والتربويين إن يعوا جيدا إن المجتمعات ذات الثقافات المتجذره لايمكن تطويرها من الخارج بل لابد من استنطاق الجانب المشرق من تراثها واعتماده كأداة للتغير الثقافي الذي يعد مفتاح الحل لمعضلتنا الراهن.

1- نصر حامد أبو زيد إشكاليات القراءة آليات التأويل المركز الثقافي العربي الدار البيضاء 2001
2- مصطفى ملكيان ترجمة عبد الجبار الرافعي وحيدر نجف العقلانية والمعنوية مقاربات في فلسفة الدين مركز دراسات فلسفة الدين دار الهادي 2005
3- مجلة بيت الحكمة دراسات فلسفية العدد 19 بغداد 2006








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو