الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات تطبيق العقد الاجتماعي والسياسي

صاحب الربيعي

2008 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يعتبر العقد سارياً المفعول من تاريخ مصادقة المتعاقدين عليه، لكن تنفيذ بنوده يتطلب آليات سلمية أحياناً (كالتوافق، الاخلاق، الأعراف، والقيم الدينية) وأحياناً عنفية (القانون، القوة) ولكل منها وسائل قد يلجأ إليها الحاكم لتنفيذ بنود العقد. وبما أن العقد الاجتماعي والسياسي بين جهة (معنوية) كالدولة ممثلة بالسلطة وبين جهة (مادية) كالأفراد ممثلين بالمجتمع فلا يجوز إبرام العقد تحت ظرف إكراهي ليكون مكتسباً للشرعية.
وتعد الآلية التوافقية في تطبيق بنود العقد بين المتعاقدين أكثر نجاعة في الحفاظ على النظام الاجتماعي حيث تحتكم للمبادئ الأخلاقية والقيم الدينية والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تلزم المتعاقدين ببنود العقد دون الإخلال بشروطه من أحد الطرفين خاصة الدولة الممثلة بالسلطة التي تسعى (في كثير من الأحيان) التملص من التزاماتها تجاه المواطنين مما يخل بشروط العقد ذاته.
يرى ((روسو))"أن الإرادة العامة تمثل الفضيلة والحاكم يجب أن يكون فاضلاً ويسعى لإيجاد السُبل اللازمة لتوافق الإرادات الخاصة مع الإرادة العامة".
لكن حين يبرم العقد بين المتعاقدين تحت ظرف إكراهي يعد عقداً باطلاً أو أن تنفيذ بنوده لصالح طرف ضد آخر عبر العنف يفقده الشرعية القانونية، فالآلية القانونية تعتبر الفصيل بين المتعاقدين حول شرعية العقد.
إن العقد الاجتماعي والسياسي بين الدولة والمجتمع ليس عقداً تفرض من خلاله الدولة الواجبات على المواطنين وحسب، بل يفرض بالمقابل حقوقاً للمواطنين على الدولة يجب مراعاتها وإلا فإن المواطن غير ملزم أمام الدولة بأداء الواجبات وفقاً لشروط العقد فإلالزام بالدرجة الأولى (أخلاقي، عُرفي، وقانوني...) ينسحب على كلا المتعاقدين وإلا فإن أحد الطرفين يعد خارجاً على القيم العامة.
يعتقد ((دوركيم))"أن هناك عنصراً معياراً لاتعاقدياً في أي عقد يستند إلى الالتزام الاخلاقي أو الديني أو القانوني أو كل هذه مجتمعة. فالعقود وجدت منذ القدم وتعتبر الأوامر والنواهي المنبثقة عن مصادرها الخارجية سامية. إن العقد ليس كافياً لكنه ممكن فقط من ناحية تنظيمية كونه سمة اجتماعية بالأساس. كما أن اتفاق المتعاقدين لايعني صحة العقود إذا لم يراع شروط صحة العقد بواسطة القانون، فهناك معايير قادرة على نقض العقد واعتباره لاغياً عند توقيعه تحت ظروف الاكراه أو افتقاد أحد طرفيه لأهلية التعاقد".
فبالرغم من أن العقد يهدف لتعزيز النظام الاجتماعي وتأمين الحماية لكافة أفراد المجتمع ويمثل الإرادة العامة التي تفوض الحاكم في شؤونها لكنه يعتبر لاغياً عند تجاوز الحاكم صلاحياته القانونية.
عليه يتعين الإشارة إلى أن الإخلال بشروط العقد ليس بالضرورة يأتي من الحاكم فقط، وإنما قد يعمد المجتمع على الإخلال بشروط العقد نتيجة تدني مستوى وعيه وعدم التزامه بالواجبات وانجراره وراء مصالح نخبه السياسية دون أن يعي مصالح الخاصة التي تفرض عليه الانصياع للحاكم الذي يسعى للحفاظ على النظام الاجتماعي ومنح الحقوق للمواطنين.
إن تدني مستوى وعي المجتمع أو عدم إدراكه لمغنى الحرية واستغلالها لإضعاف النظام الاجتماعي يوجب على الحاكم استخدام العنف الشرعي لاستعادة النظام وإلزام المواطنين بشروط العقد، وغالباً ما يتطلب العنف غطاء شرعي يؤمنه القانون وتطبقه أجهزة الدولة العنفية لإخضاع الخارجين على القانون للنظام الاجتماعي.
إذاً العنف الشرعي تستخدمه السلطة الممثلة للدولة أو الحاكم الذي يمثل رأس السلطة ليس بالضرورة أن يكون عنفاً غير شرعي، فالجتمع ليس برئياً دائماً والسلطة ليست متهمة أبداً لأن الكائنات البشرية ذاتها تحمل في ذاتها رواسب متباينة تدفعها نحو خرق القانون والتجاوز على حقوق الآخرين مما يستوجب استخدام العنف معها لتحجيم نوازعها الشريرة.
إن السلطة الممثلة للدولة ليست جمعية خيرية مهمتها توزيع المنح على المحتاجين ورعايتهم، إنها أداة عنفية للقصاص من الخارجين على قيمها (بغض النظر عن شرعيتها) تسعى لإلزام المواطنين بالواجبات ليس إلا، وبالمقابل على المواطنين استخدام الآلية القانونية والتعاقدية لإجبار السلطة على تنفيذ واجباتها تجاه المجتمع. لأن السلطة الممثلة للدولة في جوهرها أداة فرض إرادة خاصة وليست أداة الخضوع للإرادة العامة بصورة طوعية، فالسياسية لاتحكمها الأخلاق والقيم العامة وإنما تحكمها التشريعات القانونية.
يرى ((هوبز))"أن العقد بدون القوة ليس إلا كلمات لاقدرة لها على المحافظة على حياة الإنسان، فالكلمات أضعف من أن تردع طموح الأفراد أو طمعهم أو غضبهم أو انفعالاتهم الأخرى إلا إذا اقترنت بقوة تؤديها أو بسلطة تبث الخوف في نفوس الخارجين على إرادتها".
إن آليات تطبيق العقد الاجتماعي والسياسي تتدرج من الآليات الأخلاقية والعرفية والقانونية إلى الآليات العنفية، فكلا المتعاقدين ليسا برئين تماماً في نواياهما فغالباً ما يسعى أفراد المجتمع للتملص من واجباتهم تجاه الدولة مقابل مطالبتهم غير المشروعة بالحقوق، وكذلك الأمر بالنسبة للسلطة الممثلة للدولة التي تسعى لحجب الحقوق مقابل فرض الواجبات غير المؤطرة بحدود ما على المجتمع.
إن قوة الدولة تقاس بقوة أجهزتها العنفية في فرض الواجبات على المواطنين وقوة المجتمع تقاس بقوة نخبه الثقافية والسياسية ورواسب الصفوات لانتزاع الحقوق من الدولة مستندين لشروط العقد الاجتماعي والسياسي بين الدولة والمجتمع. كما أن ضعف أجهزة الدولة العنفية يؤشرة لحالة الإخلال بالنظام الاجتماعي، وقوتها غير المؤطرة بالقانون يؤشر لضعف المجتمع وتحول السلطة الممثلة للدولة إلى سلطة مستبدة.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبابات الإسرائيلية تتوغل في حي الشجاعية وسط معارك عنيفة مع


.. إسرائيل تطلق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة وعشرات السجناء الآ




.. الديمقراطيون يدعمون بايدن رغم أدائه السيئ في المناظرة أمام ت


.. الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده بمعارك جنوب قطاع غزة




.. مستشفى فريد من نوعه لكبار السن بمصر| #برنامج_التشخيص