الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة الاحتقان الطائفي في العراق بين التفسير الاقتصادي والسياسي

فلاح خلف الربيعي

2008 / 5 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


اثبت العراقيون عبر تأريخهم الطويل،لا سيما في أوقات الاحتقانات والتوترات السياسية والطائفية إنهم قادرون على تجاوز الأزمات والمرور فوقها ،لأن التداخل في ما بينهم، قد بلغ حدا جعل من الصعب جدا تفكيكه وفصله .فقد أكتسب الشعب العراقي مناعةً ، جاءت بفعل اللاشعور الجمعي، بالانتماء للأرض التي هي مهد الحضارات والأديان والمذاهب، وتولد عن ذلك شعور بالحرص على هذا الإرث الثقافي والحضاري، تعزز بمجموعة من الانساق و روابط التعايش والألفة والتصاهر، ميزت العراقيين عن غيرهم من الأنظمة الاجتماعية متعددة الثقافات، فليس هناك تاريخ للطائفية في العراق في الأقل اجتماعيا، ولم يتعرض العراق الى حروب وخصومات وتخندق طائفي على مدى تاريخه الحديث في الأقل، باستثناء بعض الاحتقانات التي تظهر بين آونة وأخرى لأسباب سياسية أو اقتصادية ، نتيجة للانحياز في توزيع التخصيصات الاستثمارية أو الاستئثار بمواقع السلطة السياسية والإدارية والعسكرية العليا، أما على مستوى الشارع العراقي أو عند حافات التماس المجتمعية فهذا الهاجس يكاد يكون معدوما .
ولعبت سياسات النظام البائد وبخاصة سياسته الاقتصادية التي وزعت التخصيصات والاستثمارات بين المحافظات،وفقا لاعتبارات الولاء السياسي واعتبارات تحقيق الاستغلال الجائر لموارد المحافظات الغنية ، وبعيدا عن الاعتبارات الاقتصادية التقليدية التي تهتم بتحقيق هدف التوازن الإقليمي وهدف التوزيع العادل لثمار التنمية بين جميع المحافظات، وعلى أساس عدد السكان ، ولعب هذا التوجه دوراً فعالا في تغذية عناصر هذا الاحتقان الطائفي والقومي ،
ويمكن تلمي تلك الحقائق عند مراجعة تلك التخصيصات الاستثمارية خلال الفترة 1979-2003 ووعند تحليل تلك التخصيصات نجد أنها تسيير باتجاهين مترابطين:-

الأول :- يسعى الى تحقيق الاستغلال الجائر للموارد الاقتصادية ( المادية والبشرية) و تمركز في المواقع الغنية بموارد النفطية لاستخدام تلك الموارد في تغطية نفقات الحروب وتقوية النظام امنيا وسياسيا، وفي ذات الوقت عمد النظام إلى إهمال عملية تطوير وتنمية تلك المحافظات لأسباب سياسية ، كونها كانت تشكل مواقع لمعارضة النظام،وتعد المحافظات الجنوبية ومحافظة البصرة بشكل خاص خير شاهد على هذا التوجه.

أما الثاني :- فسعى الى تركيز الاستثمارات الرئيسة في مواقع الولاء السياسي، و شملت المحافظات المؤيدة لتوجهات النظام أو التي يعمل قسم كبير من سكانها متطوعين في أجهزة حماية النظام كألوية الحرس الجمهوري وأجهزة الأمن الخاص والمخابرات وبشكل خاص تلك المحافظات التي أطلق عليها النظام تسمية المحافظات البيضاء . وانطلاقا من هذين المبدئين أهمل النظام بشكل شبه كامل الأقاليم المصنفة كمواقع للمعارضة السياسية،رغم غناها بالموارد الطبيعية والبشرية وبخاصة الموارد النفطية، كالمحافظات الجنوبية وإقليم كردستان وتعمق هذا التوجه بعد انطلاق الانتفاضة الشعبانية المباركة في العام 1991. وأدى هذا التوجه إلى حدوث تفاوت كبير في مستويات التنمية الاقتصادية والبشرية بين مختلف مناطق البلاد، و تكريس حالة الاختلال الإقليمي والهيكلي في العراق، وازدادت معدلات الهجرة نحو المراكز الحضرية وبخاصة العاصمة بغداد، و تعمقت الفجوة بين متطلبات التوازن الإقليمي من الموارد الاقتصادية وعناصر الاختلالات الدافعة للحركة الاقتصادية لتلك الموارد باتجاه تلك المناطق.ونتيجة لهذه التطورات تصاعدت حالة التصادم بين المصالح الاقتصادية للأقاليم المتضررة والأقاليم المستفيدة من تلك السياسات، وأخذ هذا التصادم في بعض الأحيان شكل احتقانات طائفية . ولا تبتعد حالة الاحتقان الطائفي التي ظهرت في إعقاب تفجيرات سامراء في العام 2006، كثيرا عن هذا النمط من التفسير السياسي- الاقتصادي وأن اتخذت مظهرا طائفياً، فالكثير ممن اندفعوا باتجاه هذا التمترس الطائفي واشتركوا في هذه الإحداث كانوا من الخائبين سياسيا أو من المحبطين اقتصاديا بسبب الارتفاع الكبير في معدلات البطالة والتدهور في مستويات المعيشة واستمرار حالة الإهمال للمحافظات الجنوبية والمناطق الفقيرة والمهمشة،وهذا الامر دفع قسماً كبيراً منهم الى الانضمام للميليشيات ذات التوجه الطائفي أو العمل مع العصابات ذات التوجه الإجرامي، كأحد أسهل الطرق لتحسين أوضاعهم الاقتصادية ، ومن هذا المنطلق يرى الباحث أن تطبيق الحل الذي قدمه الدستور وهو تطبيق نظام الفيدرالية على أسس جغرافية أو على مستوى المحافظات، سيشكل أسلوبا فعالاً لتحقيق المطالب السياسية والاقتصادية لسكان هذه الأقاليم،وهذا النظام سيساعد على تهيئة الأرضية المناسبة لظهور أنظمة حكم محلية ذاتية توفر الفرص لهذه الأقاليم أو المحافظات لحكم ذاتها مع الحفاظ على روح التنوع الثقافي للنسيج الوطني في عراق ديمقراطي اتحادي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي