الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التركيب البيوسايكولوجي لعقل الإنسان يرفض كل النظريات الشمولية 2 من 2

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من خلال التحليل البيو سايكولوجي لعقل الانسان الوارد في المقالة السابقة يمكن تفسير رفض الإنسان الدائم للحكم القهري والنظريات الشمولية التي تدعي امتلاك الحق المطلق والسيطرة على مصير الإنسان. وهذا يعيدنا الى واحدة من كلاسيكيات النظريات حول طبيعة الإنسان في علم النفس وهي المعروفة بهرم ماسلو الذي يصنف دوافع Motives  الإنسان الرئيسية على شكل هرم مكون من خمس حلقات أو طبقات، وهي من القاعدة الى القمة كالتالي:
1- الاحتياجات الفسيولوجية الأساسية( الجوع، العطش، النوم…الخ).
2- متطلبات الأمن والاستقرار والتي تؤدي الى حماية الذات والبقاء على قيد الحياة ومواجهة الأخطار المحدقة بالشخص.
3- متطلبات الحب والحنان والارتباط العاطفي والحصول على الاهتمام العاطفي من الآخرين.
4- تقدير الذات Self Esteem   وهو ما يتضمن إحساس الشخص الإيجابي تجاه شخصيته وأدائه المهني والاجتماعي والرضا العام عن سير حياته وعلاقاته مع الآخرين.
5-  تحقيق الذات Self Actualization   وهو ما يتضمن وصول الشخص الى الإحساس الذاتي بتحقيقه لغالبية أهدافه في الحياة وبالتالي تحقيقه أيضا لأقصى الطاقة الكامنة في شخصيته الفعالة. وغالبا ما يرتبط تحقيق الذات بالقيم السلوكية والأخلاقية العليا كالصدق والإخلاص والجمال والعدل.

ان الترابط العضوي بين هرم الدوافع الذي يعتبر أحد أعمدة علم النفس الحديث مع النظرية البيوسايكولوجية يعطي تصورا علميا محكما حول الطبيعة البشرية وتمحورها حول الذات الفردية للإنسان حتى في أعماق اللاوعي وهيمنة الذات على كل مظاهر السلوك البشري. وهذا من الأسباب الجوهرية التي جعلت نظام الحكم الديمقراطي الانتخابي – بمختلف أساليبه- الأكثر نجاحا في التعامل مع طبيعة الإنسان واستغلال طاقاته الإنتاجية مقابل مردود يشبع دوافعه بنسب متفاوتة وتراجع مد النظريات الشمولية القهرية دينية كانت أو قومية أم أيديولوجية.
لقد قيل الكثير حول سقوط تطبيقات الشيوعية في الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية وأسبابها، والتي لا تقتصر فقط على الحرب الاقتصادية التقنية والعسكرية والسياسية الضروس التي فشلت في خوضها  مع الرأسمالية ولكن في قهرها لحرية الفرد وخياراته الأساسية في الحياة، وإشباع رغباته في التميز الذاتي، وتقديم كل الأولويات للجماعة بنفس الوقت الذي يتميز فيه قادة الجماعة الشيوعية الحاكمة أنفسهم بميزات اجتماعية واقتصادية لا تتوفر لباقي أفراد المجتمع وألغاء الأهمية الفريدة للملكية الخاصة على حساب شيوع الملكية العامة، حتى للإبداع والانجازات التي لا تقبل إلا التقدير الشخصي والفردي. أن عدم التعامل بمنطقية مع الطبيعة البيوسايكولوجية للبشر يجعل من الايديولوجيا سجنا فكريا وسلوكيا أكثر من كونها تحقيقا للذات، ولا يقتصر الأمر على الشيوعية فقط بل على كافة العقائد الشمولية القومية والدينية منها التي تحاول تقديم حلول جاهزة ومفروضة على كل البدائل والخيارات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفرض نمط واحد من الحقيقة، والتي هي في نهاية الامر قضية نسبية لا مطلقة.
وبالتالي فإن هناك نزعتان في النفس الإنسانية تشكلان جوهر مكانة الشخص وهما حب الظهور وحب البقاء، وما يثير الاستغراب هو ان حب الظهور قد يطغى على حب البقاء، فالذي يقدم على التضحية بالنفس لأجل الآخرين قد يفعل ذلك طمعا في حب ظهور تاريخي يبقيه مخلدا في الذاكرة أو رغبة في الحصول على مكاسب أكثر ديمومة، وهذا ما يشكل عقيدة المضحي بالنفس ( المنتحر) لدوافع دينية وسياسية.
ولهذا فإن حب الظهور يشكل أيضا الدافع الرئيسي لرفض الإنسان الفطري لتوجهات " المساواة" مع الآخرين حتى في أقصى تجلياتها الاخلاقية لأن المساواة تبقى حلما طوباويا لا سبيل لتحقيقه لأنه يتناقض مع الطبيعة الإنسانية، كما أنه يشكل ايضا دافع الرفض الإنساني للأنظمة الشمولية التي تحتكر الحق وتفرض الأنظمة غير المتوافق عليها بعقد اجتماعي قابل للاستدامة. فالديمقراطية بتطبيقاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي النمط المعيشي الوحيد الذي يحقق للإنسان متطلباته الغريزية التي تجعل لحياته قيمة لها معنى ودورا يحس بمدى أهميته، ولهذا فإن الإسنان العربي يبقى دائما يدور في دوامة من الاحباط والشك والتطرف كا دامت الديمقراطية غائبه واحترام خياراته الذاتية مرفوضا من قبل الأنظمة السياسية والعادات الاجتماعية والعقائد الدينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية