الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استئصال الفقر يساعد علي استئصال التطرف الديني

العفيف الأخضر

2004 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"لو كان الفقر رجلاً لقتلته" عمر بن الخطاب 
 خلال مؤتمر القاهرة الثقافي في يوليو الماضي سألني صحفي عن أنجع الوسائل للتصدي للتطرف الديني أجبته: تحديد النسل وإصلاح التعليم الديني والقضاء على الفقر. شعرت وكأن إجابتي أصابته بالإحباط لأنها لم تكن من بين الإجابات التي كان يتوقعها . ومع ذلك وبعد إعادة التفكير في إجابتي وجدت أنها الإجابة الواقعية التي تدعمها التجربة التونسية غير المسبوقة في هذا المجال. فلولا تنظيم النسل لكان عدد التونسيين 25 مليون نسمة بدلاً من الـ 10 ملايين الآن،ولولا إصلاح التعليم سنة 1990 لكانت المدرسة التونسية، مثل المدرسة في معظم البلدان العربية، مفرخة لتفريخ التعصب الديني والإرهاب،ولولا الصندوق القومي للتضامن[26_26] الذي بادر إليه سنة 1993 الرئيس بن علي للقضاء على ما تحت الفقر الذي كان يكابده في بداية التسعينات 13 % من التونسيين أي حوالي مليون نسمة . وفي بداية 2001 انخفضت نسبة   من يعيشون تحت عتبة الفقر إلى 4 % والمتوقع هو أن تصبح هذه النسبة في أفق سنة 2005 صفراً أساساً بفضل صندوق [26_26] كما يسميه المواطن التونسي.
وظيفة صندوق [26_26] هي دمج الشباب التونسي في مجتمعه.من أهم سمات المجتمع الديناميكي قدرته على دمج شبابه فيه عبر العمل المأجور. هذا الدمج هو الوحيد الذي يعطي الشباب الشعور العميق بالانتماء إلى مجتمعهم. هذا الانتماء مشروط بشعور المواطن خاصة الشباب بامتلاكه لحقوق المواطنة التي في طليعتها الحق في مستقبل أي في عمل وسكن وأسرة. في غياب هذا العقد الاجتماعي المعاصر يفقد الشباب الشعور العميق بالانتماء إلى مجتمعه بل ويغدوا ميالاً إلى أخذ الثأر منه بالانتماء إلى أكثر التنظيمات عنفاً وعدمية كالتنظيمات الإسلاموية. وقديماً قال الشاعر: أنا لا أذود الطير عن شجر / قد بلوت المر من ثمره.
الحركات الدينية المتطرفة تستغل ضعف الشعور بالانتماء لدي الشباب الأكثر فقراً وبؤساً عاطفياً وحرماناً جنسياً لاستدراجهم إلى مشروعها الانتحاري الذي يلاقي في أنفسهم هوي. وقد أكدت اليومية "الأحداث المغربية" أن جميع انتحاري الدار البيضاء جاءوا من مدن الصفيح.
استراتيجيا حركات التطرف الديني هي ملؤ فراغ الانتماء . كيف؟ بتقديمها لليائسين من المستقبل بديلاً عن الانتماء إلى أمتهم القومية التي عجزت عن دمجهم فيها الانتماء إلى "الأمة الإسلامية" وتزين لهم التضحية من أجل هذه "الأمة" التي يسمع بها الجميع ولا يراها أحد، مقدمة لهم شيك بدون رصيد على الجنة إذا نحروا وانتحروا في سبيلها.
استطاعت الحركات الدينية المتطرفة بالمساعدات النقدية والعينية التي تقدمها لمن يعيشون تحت حد الفقر وهم أكثر من نصف سكان العالم العربي، أن تكسب دعمهم. فقد حلت محل دولة الرعاية الغائبة في المجتمعات العربية كسبت الأصولية الشيعية في إيران بالزكاة التي كان يدفعها المؤمنون للملالي تعاطف سكان جنوب طهران الذين حملوها على أعناقهم إلى السلطة لكنها عندما استولت على السلطة قفزت نسبة من يعيشون تحت حد الفقر من 19 إلى 65 % وهرّب الملالي خلال سنوات الحرب الإيرانية 70 مليار دولار إلى الخارج. بدورها استطاعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ كسب انتخابات البلدية والتشريعية بفضل المساعدات الكثيفة التي قدمتها لفقراء الجزائر من مليارات البترودولار التي أغدقها بعض حكام الخليج عليها، لم يشذ الإخوان المسلمون في مصر عن هذه القاعدة فهم اليوم أكثر شعبية من جميع الأحزاب الديمقراطية مجتمعة بسبب الانفجار السكاني والإعلام والتعليم خاصة الدينيين والفقر الكاسح وفتات المساعدات التي تقدمها هذه الجماعة إلى الفقراء كبديل عن الدولة وجمعيات المجتمع المدني الإنسانية.
لولا الصندوق القومي للتضامن في تونس لاستطاعت حركة النهضة الدينية المتطرفة أن تكسب الفقراء إلى صفها لتهدم بهم المجتمع التونسي كما هدمت الخمينية المجتمع الإيراني والجبهة الإسلامية للإنقاذ المجتمع الجزائري.
فقد نجحت خطة صندوق التضامن [1993 _ 2000 ] في القضاء على "مناطق الظل" أي المساكن التي لا تليق بالكرامة البشرية والتي كانت تغطي 1950 "منطقة ظل" يعيش فيها 181 ألف عائلة معدمة. تلقت الخطة 500 مليون دينار تبرع بها المواطنون بمن فيهم أكثرهم فقراً حتى كان الواحد منهم يدفع ديناراً واحداً تعبيراً رمزياً عن تضامنه مع مشروع القضاء على الفقر.استهدفت الخطة تثبيت السكان في أراضيهم لإيقاف مد النزوح الريفي بتوفير موارد الرزق وتحسين شروط حياة السكان. أما الخطة الرباعية [2001 _2004] فهدفها هو القضاء على المساكن البدائية وتعويضها بمساكن تليق بالإنسان في بداية الألفية الثالثة وتوفير الطرقات والماء الشروب ..إلخ.
نجاعة تجربة الصندوق القومي للتضامن في تونس أهلته ليصبح نموذجاً عالمياً فقد تبنته الأمم المتحدة في شكل صندوق التضامن الدولي للقضاء جنباً إلى جنب مع الصناديق المماثلة على ظاهرة الفقر التي يكابدها أكثر من نصف ساكنة الأرض.
حبذا لو أن جميع الدول العربية تتبنى تجربة التضامن التونسية لتحارب بها الفقر وما تحت الفقر في بلدانها التي باتت فريسة سائغة للتطرف الديني الذي لا تنبيت جذوره إلا في اليأس من المستقبل.
تاريخياً مر القضاء على الفقر المدقع في أوربا بطورين متكاملين: الطور الأول تصدت له جمعيات المجتمع المدني الإنسانية باسم التضامن الأخلاقي مع الفقراء، وهكذا أنشئت جمعيات الإحسان للفقراء منذ القرن التاسع عشر إلى الحرب العالمية الثانية آخذة على عاتقها تخفيف وطأة الفقر المدقع وإعطاء الفقراء اليائسين بصيصاً من الأمل بتحسين شروط حياتهم،وبدأ الطور الثاني في الحرب على الفقر غداة الحرب العالمية الثانية عندما انتقلت هذه المهمة إلى دولة الرفاه التي أصبحت قوية اقتصادياً بما فيه الكفاية لتقدم مساعدات مقننة للفقراء وهكذا تحولت مساعدة المحتاجين من واجب أخلاقي إلى واجب قانوني أي إلى من حقوق الإنسان.
فتشبهوا بالكرام إن لم تكونوا مثلهم. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran