الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حزب الله- ذابَ الثلجُ وبانَ المرج

وهيب أيوب

2008 / 5 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تلك هي النتائج الحتمية لكل الحركات والأحزاب الأصولية الإسلامية بشقيها السني والشيعي في العالم العربي، وما شككتُ لحظة واحدة أن "حزب الله" يختلف من حيث الجوهر عن تلك الأحزاب والحركات، حتى في عزِّ حربه مع إسرائيل.
فتلك الأحزاب والجماعات تقوم على مبدأ أساسي هو العصبية، ومفهوم العصبيات سواء كانت على أسسٍ دينية طائفية أو أيديولوجية عنصرية كما النازية والفاشية، فإن النتائج تكون واحدة اتجاه الآخر، الذي هو خارج تلك الدائرة، وهو إخضاعه أو إقصاؤه أو تصفيته. ولا بد لأي عصبية من أن تجد المسوّغات والحجج والمقدمات لتصفية خصومها، إما بتهم الخيانة والعمالة وإما بالكفر والخروج عن الدين.
لقد سبق أن قامت الجماعة الإسلامية في مصر بتكفير المجتمع المصري برمته، فهل من العجب أن يقوم حسن نصرالله باتهام أكثر من نصف الشعب اللبناني بالعمالة والخيانة؟!
أول ما فعله "حزب الله" في اجتياحه لبيروت هو مهاجمة مقرات وسائل إعلام خصومه، (الذين باتوا الآن بمثابة الأعداء) وحرقها وإغلاقها. باختصار، بات لا يطيق سماع أصواتهم ولا رؤية وجوههم، ولاحقاً سوف لن يرضى برؤيتهم سوى جثثاً ممددة.
عند امتلاك تلك العصبيات القدرة والقوة المسلّحة، فإنها لا تطيق اللعب بالسياسة والمماحكات الديمقراطية، لأنها لا تعني لها شيئاً في جوهر إيمانها وعقيدتها سوى مطيّة مؤقتة للاستيلاء على السلطة وتحقيق مشروعها الديني المذهبي الشمولي، الذي لن يرضى بأقل من خضوع مناهضيه لسلطته المقدسة.
كيف خاطب حسن نصرالله خصومه السياسيين الذي يدّعي أنه يريد مشاركتهم بحكومة وطنية في مؤتمره الصحافي عشية استباحته العاصمة بيروت؟ قال لهم: لو كنت أنوي تنفيذ انقلاب لوجدتم أنفسكم عند الصباح في السجون أو حتى مرميين في البحر، لقد نطق وأوحى بحقيقة ما قد يفعله مستقبلاً فيما لو لم يرضخوا لإرادته. فما لم يستطع "حزب الله" تحقيقه بالوسائل السياسية فهو ذاهب لتحقيقه بالوسائل العسكرية.
يجري كل ذلك تحت يافطة "المقاومة" وسلاح المقاومة المقدس!
خلف ذات اليافطة، قامت حركة "المقاومة الإسلامية /حماس" بسحل مناهضيها من حركة فتح والتنكيل بهم في طول شوارع غزة وعرضها، وإطلاق النار عليهم بمشهدٍ همجي بشع لا يقل عن همجية وبشاعة المحتل الإسرائيلي، وإلقاء آخرين من الطوابق العليا ليلقوا جثثاً هامدة دون أية رحمة.
لا يمكن للأحزاب والحركات ذات الإيمان والفكر المطلقين أن يقبلوا بمبدأ الاختلاف والتنوّع إلا على مضض، إلى أن تحين الفرصة للانقضاض، وهي أيضاً لن ترحم مخالفيها أو المعترضين على سلوكها من عناصرها المنضوين في دائرتها، ولا تقبل العصبية إلا بالطاعة والخضوع. إنه في النهاية هدرٌ لكرامة الإنسان وحريته وكيانه، وتحويله لمجرد أداة تُستخدم بالطريقة التي يرتأيها الزعيم المُقدّس.
لطالما كرّر حسن نصرالله شعار "هيهات مِنا الذِلَة" بطريقة استعراضية، لشحن جماعته وأنصاره لمزيد من التشدد والتعصّب اتجاه الآخر. وفي تناقضٍ واضح بين الشعور بالكرامة والاستعلاء اتجاه الآخر وبين شعور "الذلّة" اتجاه الزعيم المقدس! ففي مقابلة مع نائب "حزب الله" علي عمار بُعيد انتهاء حرب تموز، سأله مراسل الـ "نيو تي في" ماذا ستقول للسيد حسن نصرالله حين تلتقيه؟ أجاب بخشوع: "أتمنى أن أُقبِّل حذاء هذا الرجل"؟!
لا أرى مهانة وذلّة وهدراً لكرامة الإنسان أكثر مما قاله علي عمار لزعيمه حسن نصرالله؟!
أخطر ما في نتائج تلك المغامرة الأخيرة لـ "حزب الله"، هو إطلاق الغول الطائفي والمذهبي من قمقمه بوجهه المرعب، وكأنه ينبّه باقي الطوائف والمذاهب في لبنان والمنطقة، بأن تسلّحوا وتهيئوا.
لا يقتصر هذا النهج والسلوك على الأحزاب الأصولية الدينية فحسب، وإنما يتقاطع في نتائجه من حيث هدر كرامة الإنسان وإلغائه ككيان مع الأحزاب والأنظمة الشمولية الاستبدادية على النحو الذي أسهبه الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الأخير "الإنسان المهدور"، بعد كتابه الشهير "الإنسان المقهور".
إذاً، إيلامَ ستفضي الأحزاب والحركات الطائفية والمذهبية، والأنظمة الشمولية الديكتاتورية في المنطقة والعالم العربي...؟ إلى شيئين لا ثالث لهما، إما حروب طائفية مذهبية طاحنة رهيبة، وإما تفتيت الأوطان إلى دويلات طائفية متنازعة ومتناحرة.
وعلى الرغم من ادعائهم جميعاً مناهضة وممانعة ومقاومة أميركا وإسرائيل، إلا أنهم في حقيقة الأمر يقدّمون لهما خدمة صافية لتحقيق أهدافهما.
لا خروج من هذا النفق المظلم المُهلك سوى بأمر منطقي واحد، النضال في سبيل دولة المواطنة الحقيقية... دولة القانون والمؤسسات وفصل الدين عن الدولة، والخروج من دولة المحاصصات الطائفية كما هي حال لبنان، وإلا فالمستقبل مُشرّع على الأدهى والأسوأ.
فكم من مرّة كرّر حسن نصرالله أنه لن يستخدم سلاحه في الداخل، وها هو اليوم ينكث بوعوده وعهوده ويسوق الحجج والمبررات لاستخدام السلاح... لقد سقط القناع، وذاب الثلج وبان المرج.

وهيب أيوب
الجولان المحتل-مجدل شمس
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على


.. 174-Al-Baqarah




.. 176--Al-Baqarah


.. 177-Al-Baqarah




.. 178--Al-Baqarah