الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساليب النفاق والخداع التي يستخدمها الإسلاميون في قضية الحجاب في فرنسا

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


النقاش الدائر حاليا في العالم الإسلامي حول قضية الحجاب التي افتعلتها بعض التنظيمات الأصولية في فرنسا بحثا عن الشعبية والدور السياسي وامتدت لتشمل كل العالم الإسلامي نقاش يعتمد على مبدأ "ولا تقربوا الصلاة" ويبني طروحاته على تشويه للحقائق ومعلومات ناقصة وعدم دقة في اختيار معايير النقاش.
يقود المتعصبون الإسلاميون والتنظيمات الأصولية حملتهم ضد فرنسا تحت شعار مواجهة "منع الحجاب في فرنسا" وهي أول كذبة يستخدمونها في هذه الحملة، فلا يوجد في فرنسا قرار بمنع الحجاب، والقضية التي يتم النقاش حولها ليست "منع الحجاب في فرنسا" بل "منع الحجاب والرموز الدينية الأخرى في المدارس الرسمية" وبهذا نعرف تماما أن مجال المشكلة محصور في المدارس الرسمية التي تديرها الدولة العلمانية الفرنسية، ولا يقتصر على الحجاب وليس موجها ضد المسلمات بل أنه يتعامل مع كل الرموز الدينية على قدم المساواة.
وليس صحيحا ابدا أن هذا القرار دوافعه "صليبية" وإلا لكان المسلمون في فرنسا يواجهون التمييز بينما يتمتع المسيحيون بكل الحقوق ولكن الواقع هو أن كل الناس في فرنسا يتمتعون بنفس الحقوق المدنية والدينية التي تكفلها العلمانية مهما كانت أديانهم ولا يوجد اي استهداف للمسلمين بل أن المسلمين في فرنسا يتمتعون بحقوق لا يحصلون عليها أبدا في العالم الإسلامي. ولكن المتابع لحملات الإسلاميين قد يعتقد بأن هناك "مطوعين علمانيين" في فرنسا يلاحقون الفتيات المحجبات وينتزعون الحجاب من على رؤوسهن بالضرب والإكراه!
وليس صحيحا ابدا أن هذا القرار دوافعه "صهيونية يهودية" وأعتقد بأن مثل هذا الوصف عيب كبير لأنه يعطي انطباعا بأن الرئيس شيراك يخدم الصهيونية وهذا كذب فالرجل بقي دائما وفيا لقناعاته الإنسانية ودعمه للقضايا العربية ولكنه بنفس الوقت مسؤول عن تطبيق القوانين العلمانية في بلاده وهو يتحمل مسؤولية ذلك أمام الشعب الذي انتخبه. كما أن القرار يتعامل مع كل الرموز الدينية بشكل متساو.
 وإذا ما تابعنا ردود الأفعال في فرنسا حول هذا القرار فإن اليهود بمؤسساتهم الدينية يدعمون ارتداء الحجاب ولكنهم لا يقومون بتصعيد المسألة حتى لا يعادوا القيم العلمانية التي يؤمن بها كل الفرنسيين وينتظرون حتى يستفيدوا من التصعيد الأحمق الذي تقوم به الجماعات الإسلامية ليحصلوا على حقوق التعبير عن رموزهم الدينية في كل مكان في فرنسا.
وتقود الجمعيات والمنظمات الإسلامية في الأردن والعالم العربي حملات لجمع مليون توقيع لإرسالها إلى شيراك، زبناء على السذاجة والمشاعر الدينية وأساليب الخداع والكذب التي يستخدمها الإسلاميون يمكن للناس في الأردن وكل الدول العربية أن يجمعوا مئة مليون توقيع ويسلموها للرئيس شيراك ولكن هذا لا يعني شيئا كما لا يعني شيئا أن يجمع المسيحيون مئة مليون توقيع ويسلموها للسعودية من أجل السماح للمسيحيين بالتعبير عن حقوقهم الدينية في السعودية، فالمسألة هنا هي خاصة بمبادئ الدولة الفرنسية كما هي خاصة بمبادئ الدولة السعودية والرئيس شيراك وفرنسا ليسا مسؤولين عن تطبيق الشريعة كما أن الدول الإسلامية ايست معنية بتطبيق التعاليم المسيحية. وهذا هو نفس المنطق الذي يجعل العرب يغضبون مثلا من قيام مؤسسات قبطية في الغرب بالضغط  على الدولة المصرية بحجة "التمييز" ضد الأقباط لأن هذا التمييز غير موجود ويستخدم لأسباب سياسية كما أن التمييز ضد المسلمين في فرنسا كذبة كبرى لا يمكن تصديقها.
وهذا هو أيضا عنصر النفاق الكبير الذي يمارسه الإسلاميون، فهم يطالبون فرنسا باحترام العلمانية، ومبادئ حقوق الإنسان وحرية المعتقد وغيرها من مبادئ عصر التنوير والتي لا يؤمن بها الإسلاميون اصلا ويعتبروها كفرا وزندقة، ولا يستخدمها الإسلاميون إلا عندما تفيد مصلحتهم فقط ويرفضونها في كل المجالات الأخرى.
أخشى أن المسلمين في فرنسا وأوروبا سوف يدفعون ثمن هذا التصعيد الأحمق لقضية الحجاب، وسوف تثير سلوكيات وتصريحات مشايخ المسلمين غير المسؤولة حول "الحرب الصليبية المزعومة" ردود أفعال سلبية من بعض التيارات السياسية المتطرفة في أوروبا قد تؤدي إلى تعرض المسلمين لتمييز حقيقي هذه المرة بسبب غضب الأوروبيين من هذه التصرفات وعدم احترامهم لقيم المجتمعات الأوروبية التي يعيشون فيها.
وفي النهاية فإنه من الغباء الحقيقي التصادم مع الدولة الأوروبية الأكثر تعاطفا مع القضايا العربية في مسألة هامشية لا تؤثر على مصلحة الغالبية المطلقة من المسلمين في فرنسا في معيشتهم وحياتهم وحقوقهم، وإذا ما أردنا أن نستخدم نظرية المؤامرة التي يعشقها العرب والمسلمون لتفسير كل الأحداث فإن المستفيد الأول من التصعيد الذي تمارسه المنظمات الإسلامية هم اليهود والصهاينة لأنهم سيكسبون تخريب العلاقة العربية-الفرنسية وبناء جدار من عدم الثقة بين الفرنسيين والمسلمين وكذلك حصولهم على حق ارتداء رموزهم الدينية بدون أي يدفعوا ثمنا من علاقتهم مع المجتمع الذي يعيشون فيه!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah