الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطالب الاجتماعية والأهداف السياسية

صاحب الربيعي

2008 / 5 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ليس هناك جهة سياسية ما لاتسعى إلى السلطة تحت إطار فكرة إنسانية، فالهدف غير المعلن يتطلب قناعاً يعكس أهدافاً إنسانية لتضليل العامة من الناس واستخدامهم مطايا للمشروع السياسي.
وبشكل عام صفوات المجتمع تحتكم لعقولها للوصول إلى الهدف بعكس العامة من الناس يحتكمون إلى عواطفهم، فكلما أحسنت الصفوات كسب عواطف الناس بالشعارات البراقة ( والإنسانية الكاذبة) كلما امتلكت زمام المبادرة في التحكم بالصراعات داخل المجتمع وزج عناصرها (المُغيبة عن حقيقة الصراع) بمعارك دموية لتحقيق أجندتها السياسية.
وغالباً ما توصم الصفوات بنرجسيتها المفرطة للحفاظ على حياتها، لكنها تغرز مفاهيم الشهادة والفداء في لاوعي مناصريها للدفاع عنها ولاتتوانى عن إلصاق تهم الجبن والتخاذل بمن يتردد الاقدام على الشهادة والموت دفاعاً عنها.
إن السيطرة والتحكم بعواطف العامة من الناس ليست مهمة سهلة على الاطلاق، فالعامة ليسوا ساذجين لدرجة الاقدام على الموت دون مبرر مقتع، فبالرغم من أن العواطف والرواسب الكامنة لها تأثير كبير على سلوك وممارسة الفرد في المجتمع لكنها بحاجة لدافع يستند إلى سبب قوي قادر على تحفيز الراسب الكامن لأداء الفعل الاجتماعي المطلوب.
كأن يستند إلى فكرة عاطفية (إنسانية) تنهل مبرراتها من الموروثات والتقاليد والعادات والقيم الدينية والاجتماعية وغرزها في الذات المُغيبة للتحكم بها، وليس بالضرورة أن يدرك الفرد المُغيب ماهية المبادئ وفلسفة أدائها وإنما يدرك مغزاها الإنساني باعتبارها فكرة تعبر عن واقعه ومرتبطة باللاوعي بهواجسه الذاتية وقواه العاجزة عن تحقيقها مما يدفعه للانتماء إلى الجماعة الواهمة والمؤمنة بأن حشد القوى الجمعية كفيل بتحقيق الفكرة الإنسانية.
فحين ينتمي المرء لوسط اجتماعي يعاني من العوز والفقر والمراتبية الاجتماعية يسعى لإنقاذ نفسه من هذا الواقع فإن عجز عن ذلك رده إلى الإرادة الغيبية أو الإرادة المضادة لوسطه الاجتماعي باعتبارها المسؤولة عن بؤسه وفقره.
عند هذا التوصيف المبسط للواقع تنتصر فكرة العدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر ويُتخذ منها قاعدة هشة لتأجحج الفئات الاجتماعية بعضها ضد بعض الآخر دون أن يعي القائمون عليها شروط ومقومات ودوافع انبثاقها من مجتمع لآخر، فتنحدر الفكرة من مضمونها الإنساني المؤطر بالعدالة والمساواة إلى مضمون سياسي يهدف للاستيلاء على السلطة لتحقيق الهدف المعلن والمتخذ كقناع لحجب الذات الطامعة إلى السلطة لتحقيق مصالحها الذاتية خاصة في الدول المتخلفة التي لم تتبلور فيها السمة الطبقية في المجتمع.
يقول ((ماركس))"إن الطبقة تصبح طبقة فقط حينما يدفعها صراعها مع الطبقة المضادة نحو النشاط السياسي، عند هذه المرحلة فقط يكون باستطاعتها تحديد مصالحها الحقيقية والدفاع عنها".
إن آليات الصراع السياسي بالرغم من أنها تستند لفكرة اجتماعية تحفز الرواسب الكامنة لاستثمار الفعل الاجتماعي لتحقيق الهدف السياسي فليس بالضرورة أن تكون الصفوات مؤهلة كلياً لإدارة الصراع وتحقيق الهدف أو ربما تكون لديهم القدرة على إدارة الصراع لكنها غير معنية بتحقيق الفكرة ذاتها، فالواقع التجريبي أثبت بطلان الادعاء بأن صفوات الطبقة مؤهلة ونزيهة بالقدر الكافي وقادرة على تحقيق الفكرة عند استيلاءها على السلطة.
يعتقد ((لينين))"أن البروليتاريا المنتصرة لن تصبح قديسة بمجرد انتصارها، فالأنانية باقية، ومحاولة الركوب على ظهر الآخرين واردة. فيجب أن ندرك أن البروليتاريا وحزبها هم من بني البشر والنفس أمارة بالسوء وبالأنانية وبالتسرع والتساهل مع الذات واللاصدق والمصلحة ومصلحة الدولة".
لذلك لايصح اعتماد ذات النهج الفكري لكل المجتمعات دون النظر لخصوصية ومقومات كل مجتمع على حدة، كما يتوجب وضع حدود ما بين فكرة العدالة الاجتماعية التي تحتاج إلى آليات اجتماعية لتطبيقها (كمنظمات المجتمع المدني) والفكرة السياسية الهادفة إلى الاستيلاء على السلطة عبر أحزاب وكيانات سياسية تتعكز على مطالب اجتماعية لتحقيق أهدافاً سياسية.
ولايجوز إلباس كل مطالبة اجتماعية لبوس سياسي فمن السهولة إقناع السلطات بتحقيق المطالب الاجتماعية بآليات مدنية دون هدف سياسي، فالغاية تحقيق الهدف المنشود وليس استثماره لخدمة توجه سياسي.
يقول ((دنغ أوبينغ))"إن المهم ليس شكل القط أسود أو رمادي، المهم أن يتمكن القط من اصطياد الفئران".
كما يتوجب النظر لغايات الصفوات قبل الإيمان بالأفكار التي يدعونها مهما كانت درجة إنسانيتها وصدقها، فالخلاف ليس على المبادئ وغاياتها بقدر ما الخلاف على القائمين عليها. فمعظمهم يجهل ماهية المبادئ وغاياتها لكنهم يدركون تماماً الأعمال الموكلة لهم من الجهات الخفية التي عملت على رفع شأنهم الاجتماعي لمستويات لاتراودهم حتى في الحلم وتتقاطع مع امكاناتهم الفكرية والأخلاقية.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ