الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 4)

كريم الهزاع

2008 / 5 / 17
المجتمع المدني


تساءلنا في السابق: يا تُرى كم واحداً من أعضاء مجلس الأمة قرأ دستور بلاده! وإذا قام بقراءته هل فهم أو استوعب روح المواد الدستورية؟ هل توصل إلى أن الديمقراطية في مجملها النهائي تعني العدالة والإنسانية واحترام الجميع واحترام معتقداتهم والدفاع عن حقوقهم؟ وأن العدالة تعني المحبة، محبة الجميع وليس محبة من يمتلكون حق التصويت وإيصاله إلى كرسي البرلمان؟ وهل يعرف هذا المرشح بأن هذه الشرائع هي بُنية علم السياسة الأساسية؟ هل سمع ذات يوم بمونتسكيو مؤسس علم السياسة ؟ هل قرأ كتاب «العقد الاجتماعي» لجان جاك روسو؟ ولمحّنا إلى الخصوم الذين يختبئون خلف نظرية العقد الاجتماعي.
وتساءلنا : من أين مصدر الحق لمائة شخص يريدون سيدا، في التصويت نيابة عن عشرة لا يريدون سيدا قط ؟ فهل يكون قانون أغلبية الأصوات هو نفسه إنشاء للتعاقد ويفترض الاجتماع مرة على الأقل؟
نقول إن المعيار الناضج في «هذه اللحظة» للتفريق بين الميول هو اعتبار أن «نسق الألفة الطبيعية أو غريزة الاجتماع» تحدّد نظرية ذات إلهام إقطاعي وفلسفة العقد الاجتماعي نظرية ذات وحي «برجوازي» حتى حين تكون في خدمة الحكم المطلق ( مثلاً لدى هوبز ). بالفعل فإن فكرة كون البشر هم صانعو مجتمعهم في حلف أصلي يمكن أن يزدوج أحياناً إلى حلف مشترك ( مدني ) وحلف سيطرة ( سياسي ) هي حينئذ فكرة ثورية مردّدة، ضمن النظرية البحتة، النزاعات الاجتماعية والسياسية لعالم في طور الولادة. إن هذه الفكرة هي في آن معاً احتجاج ضد النظام القديم وبرنامج من أجل نظام جديد. إنها تحظّر على النظام الاجتماعي القائم وجميع المسائل السياسية المطروحة في ذلك الحين اللجوء إلى «الطبيعة» (على الأقل لهذه «الطبيعة» غير العادلة )، وتفضح فيها الدجل وتقييم المؤسسات التي يدافع عنها مؤلفوها بما فيها الحكم المطلق في صراع ضد الاقطاعيين على أساس «الإتفاق الإنساني». إنها تعطي البشر بهذه الطريقة القدرة على رفض المؤسسات القديمة واقامة الجديدة وعند الحاجة إبطالها أو اصلاحها باتفاق جديد. في هذه النظرية حول حالة الطبيعة والعقد الاجتماعي، التي تبدو مجرد تأمل، نشهد نظاماً اجتماعياَ وسياسياً يسقط وأناساً يشيدون النظام الجديد الذي يريدون الدفاع عنه أو بناءه على أسس ومبادئ مبتكرة. إنني أفترض ان الناس وقد وصلوا إلى ذلك الحد الذي تغلبت فيه العقبات التي تضر ببقائهم في حالة الطبيعة، بمقاومتها، على القوى التي يستطيع كل فرد استعمالها من اجل استمراره في تلك الحالة. عندئذ لم يعد في مكنة تلك الحالة البدائية ان تدوم، وكان الجنس البشري سيهلك لو لم يغير طريقة وجوده. ولما كان البشر لا يستطيعون خلق قوى جديدة وإنما توحيد وتوجيه قواهم الموجودة فحسب، فانه لم يبق لديهم من وسيلة أخرى للبقاء إلا تشكيل جملة من القوى بالدمج، أو ( كما يقول روسو )، يمكنها التغلب على المقاومة وحشدها للعمل بدافع واحد وجعلها تتصرف بتناسق. هذا المجموع من القوى لا يمكن ان ينشأ إلا بمؤازرة عديدين : ولكن بالنظر إلى ان الأدوات الأولى في المحافظة على بقاء كل إنسان هي قوته وحريته فكيف يقيدهما دون الإضرار بنفسه ودون التهاون في أمر العنايات الواجبة عليه نحو نفسه؟ هذه الصعوبة يمكن وضعها، في حدود اتصالها بموضوعي، في العبارات التالية التي حددها روسو : « إيجاد شكل من الاتحاد يدافع ويحمي كل القوة المشتركة، شخص كل مشارك وأمواله، ومع ان كل فرد يتحد مع الجميع إلا أنه لا يطيع إلا نفسه ويبقى حرا كما كان من قبل». هذه هي المشكلة الأساسية التي يقدم العقد الاجتماعي حلا لها .إن شروط هذا العقد محددة بطبيعة الفعل إلى درجة ان أدنى تعديل يجعلها باطلة ولا أثر لها، بحيث انها، وان كانت ربما لم تذكر صراحة أبدا، تكون هي نفسها في كل مكان، وهي في كل مكان مقَرة ضمنا ومعترف بها، إلى ان يعود كل فرد، بعد ان تنتهك حرمة الميثاق الاجتماعي، إلى حقوقه الأولى عندئذ ويسترد حريته الطبيعية بفقده الحرية التعاقدية التي تخلى لأجلها عن حريته الأولى. هذه الشروط يمكن اختصارها جميعها بالطبع في شرط واحد، ألا وهو التنازل الكامل من جانب كل مشارك عن جميع حقوقه للجماعة كلها. إذ بما ان كل شخص، بدءا، قد قدم نفسه بأكملها، وان الحالة متساوية بالنسبة للجميع، وبالنظر إلى تساوي الحالة بالنسبة للجميع، فلا مصلحة لأحد بأن يجعلها مكلفة للآخرين .أما وقد تم التنازل بلا تحفظ فان الاتحاد فضلا عن ذلك، يكون أكمل ما يمكن ان يكون ولا يبقى لأحد شيء يطالب به. إذ لو بقيت للأفراد بعض الحقوق، ولعدم كون أي مرجع أعلى مشتركا يمكن الفصل بينهم وبين الجمهور، وبالنظر إلى ان كل واحد في أية نقطة سرعان ما قد يدعي أنه الحكم الخاص لنفسه في جميع المسائل، إذن لكانت حالة الطبيعة قد دامت ولأصبح الاتحاد بالضرورة استبداديا أو عقيما. وأخيرا فان كل واحد إذ يهب نفسه للجميع، لا يهب نفسه لأحد. ولما لم يكن ثمة من مشارك لا نحصل منه على الحق نفسه الذي نتخلى عنه من أنفسنا، فإننا نكسب ما يعادل كل ما فقدناه وأكثر من ذلك قوة للمحافظة على ما لدينا. إذا استبعدنا من الميثاق الاجتماعي ما ليس من جوهره سنجد أنه يتقلص إلى العبارات التالية التي ذكرها روسو في «العقد الاجتماعي» : « يسهم كل منا في المجتمع بشخصه وبكل قدرته تحت إدارة الإرادة العامة العليا، ونلتقي على شكل هيئة كل عضو كجزء لا يتجزأ من الكل». . هذا، ولكم محبتي البهية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون


.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر




.. كل يوم - خالد أبو بكر: الغذاء ينفد والوقود يتضاءل -المجاعة س


.. المثلية الجنسية ما زالت من التابوهات في كرة القدم الألمانية




.. مظاهرات حاشدة في مدينة طرابلس اللبنانية دعماً للاجئين السوري