الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الحراك الاجتماعي

صاحب الربيعي

2008 / 5 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن الكائنات البشرية المنضوية تحت النظام الاجتماعي ليست كائنات جامدة الحركة أو حركتها بفعل آلية محددة، إنها كائنات عاقلة تؤثر (سلباً أو ايجاباً) في النظام فقد تتوائم معه أو تحدث تغيراً فيه ليكون متوائماً معها. النظام الاجتماعي يمكن تشبيهه بالمرجل الذي تتفاعل فيه كل المكونات والعناصر لإعادة تشكيل المادة، فكل منها يترك أثره وفعله في تصنيع المادة وللعوامل الخارجية تأثيرها أيضاً.
لذلك فإن السلطة التي تسعى لتقييد النظام الاجتماعي بتوجهاتها السياسية إنما تسعى لتقييد حركة مكوناته البشرية، أي تثبيط الحراك الاجتماعي وتوجيهه وفقاً لأجندتها الذاتية. وبما أنه حراكاً ديناميكياً غير محدد الفعل والتوجه، فليس من السهولة تقييده لكن قد تشله قيود ومحددات السلطة.
لكن هذه الآلية القسرية لشل الحراك في النظام الاجتماعي لاتدوم طويلاً لأن لعناصر ومكونات النظام طاقة تحتاج إلى تصريف عبر الحراك الاجتماعي وإلا فإنها تصبح طاقة كامنة تبحث عن متنفس لها، فإن حجبت متنفسات النظام الاجتماعي يصبح عرضة للانفجار عبر ثورات وعصيان مدني ضد السلطة المستبدة.
وبالتالي يؤدي لخلخلة أسس النظام لتعم الفوضى والخراب في المجتمع فتفرض كائنات قاع المجتمع سطوتها على الواقع الجديد، ليرتد المجتمع نحو غياهب التاريخ وتضيع كافة الجهود التي بذلت عبر التاريخ للارتقاء بمدنية المجتمع.
يعتقد ((جيرار مندل))"أن كل ثورة أو انتفاضة على واقع اجتماعي منبوذ، تتطلب تشخيص الواقع بشكل عقلاني من خلال صورة الأب لارتباطها في اللاوعي الجمعي وإلا فإنها عرضة للانزلاق في الانتقام الأعمى والانحياز الفردي والجماعي والعدمية. فكل حركة تغيير ثورية لابد أن تحتمي بميراث الأب (العقلانية، الحرية، والإنضباط) للارتقاء بواقعها الاجتماعي لواقع أفضل. لذلك عليها أن تكون صورة للأب، وتحتكم لقانون ومنهج وتتطلع نحو المستقبل لترتقي بالإنسان لمراتب أسمى".
لايقتصر الجمود الذي يطال النظام الاجتماعي على الإجراءات القسرية للسلطة المستبدة وإنما قد يحدث بفعل عوامل اجتماعية أخرى تقيد حركة تعاقب الأجيال داخل النظام فتتصارع ليس بدوافع سياسية أو اقتصادية وإنما بفعل الرواسب الفطرية الكامنة في لاوعيها (كالبقاء للأقوى والأصلح).
أما التفسير الواعي لصراع الأجيال داخل النظام فيعود لتلكأ الشيوخ في الخروج من ساحة الصراع وتعجل الشباب الدخول إليها. لأن المجتمع ذاته يفتقد لآلية إنسانية تحتفي بالنخب العلمية والثقافية المتعاقبة، فالسمة السائدة هي الاقصاء والعنف بأشكاله المتعددة لفرض الإرادة على الأخر.
يقول ((ليستر ثورو))"أن صراع الطبقات الجديد سوف لن يكون بين الأغنياء والفقراء، وإنما بين الشباب والشيوخ".
إن حراك مكونات المجتمع داخل النظام بوسائل سلمية، يعد حراكاً مشروعاً لتطوير النظام ذاته شرط عدم أتباع آساليب عنفية لفرض الإرادات على الآخرين وبخلافه يفترض بأجهزة الضبط والتحكم للسلطة القيام بواجبها للحفاظ على النظام.
الحراك الاجتماعي السلمي يجب تشجيعه لأنه يقوي الصلات والروابط الإنسانية بين المكونات الاجتماعية ويبتكر آساليب جديدة لتطوير النظام الاجتماعي ليستغني تدريجياً عن أجهزة الضبط والتحكم التي تستنفذ الموارد المالية للمجتمع لاستثمارها في التنمية ورفاهية الإنسان.
يرى ((دوركيم))"أن محاولة الفرد للانتقال من طبقة اجتماعية لأخرى يتطلب استعدادات ذاتية واجتماعية أهمها تلاشي التناحرات بين الطبقات أوعلى الأقل تضاءلها لدرجة ملحوظة".
إن تدخل السلطة المستبدة بشكل مباشر في الحراك الاجتماعي وفرض إرادتها على مكونات المجتمع يؤثر سلباً على تعزيز النظام الاجتماعي، فمهمة أجهزة الضبط والتحكم الحفاظ على النظام وتعزيزه وليس التدخل في الحياة الشخصية للأفراد وفرض إرادة ونهج السلطة عليهم.
إن من احدى مهام السلطة وأجهزتها توفير الحرية اللازمة لكافة مكونات المجتمع في حراكها السلمي باعتباره حقاً مشروعاً من حقوق المواطنة مقابل التزام المواطن بالواجبات تجاه الدولة. الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ