الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عوامل الصراع الاجتماعي

صاحب الربيعي

2008 / 5 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعتبر عناصر المجتمع المحرك الأساسي للصراع الاجتماعي، لكن ليس لكلها فعل مؤثر في الصراع لأنها بعضها يعيش على الهامش الاجتماعي فلا تؤثر فيه ولكنها تتأثر بمتغيرات سياقه العام. في حين أن العناصر الفعالة في المجتمع والمحركة لعجلة الصراع الاجتماعي متأثرة بعوامل (ظاهرية، وباطنية) لها تأثير كبير على حدة وفعالية الصراع الاجتماعي، فالعوامل الظاهرية عبارة عن محفزات أساسية ذات خاصية (طبيعية أو مفتعلة) غالباً ما تديرها صفوات المجتمع للتأثير على العامل الباطني لعناصر المجتمع بإختلاف البيئات والمجتمعات.
فالعوامل الظاهرية ليست كلها صالحة في مجتمعات متباينة، أي أنها تكون عديمة الفعالية في مجتمع ما، لكنها تكون ذو فعالية عظيمة للصراع الاجتماعي في مجتمع آخر. لأن القيم الاجتماعية والدينية متباينة من مجتمع لآخر، فلو فُعل عامل ديني لمجتمع شرقي في مجتمع غربي ذات ديانة مختلفة فإنه يعتبر عاملاً عديم الفعالية. كذلك الأمر بالنسبة للعامل الاجتماعي ذات الفعالية الكبيرة (كالشرف) في مجتمع شرقي عنه في المجتمع الغربي الذي يبدو فيه مضحكاً للغاية.
إن العامل الظاهري يجب أن يكون فعلاً ومؤثراً بشكل قوي بفئة اجتماعية ما ليكون قادراً على التأثير على العامل الباطني لأن العناصر البشرية تتحرك وفقاً لرواسبها الكامنة (سلباً أو ايجاباً) في الصراع الاجتماعي. لذلك تعمد الصفوات على تحديد جملة العوامل الظاهرية ذات الفعالية القصوى في عواطف البشر وتجيرها للتحكم بعواطفهم دون عقولهم لزجهم في ساحة الصراع الاجتماعي.
يعتقد ((باريتو))"أن أستمرار الصراع الطبقي في المجتمع لايرجع لكونه صراعاً معقداً أو متبايناً بين بشر من قوميات وأثنيات متباينة ومتناقضة المصالح وإنما لوجود جذور للصراع في الطبيعة البشرية التي تجاهد من خلالها للبقاء والاستمرار في الحياة".
إن انتصار العقل على العاطفة يعني الارتقاء بمستوى وعي الفرد وعدم انصياعه للعوامل الكامنة في ذاته بشكل كلي لخوض التنافس أو الصراع الاجتماعي، لكن لمستوى الوعي ذاته درجات متباينة فإن كانت درجاته متدنية يرتد الفرد مباشرة إلى عواطفه عند إحداث خلخلة أو استفزاز مباشر لمشاعره مما يكشف عن ضحالة مستوى الوعي. وبخلافه حين تكون درجات الوعي مرتفعة فإن الفرد لايتأثر بحالة الخلخلة والاستفزاز لمشاعره وليس من السهولة إرتداده إلى عواطفه لأنه يحتكم في قياس الأحداث الجارية إلى عقله.
بدليل أن الكيانات الحزبية في المجتمعات المتخلفة تعجز عن كسب العناصر الواعية إلى صفوفها بل تخشى وجودهم في ساحة الصراع الاجتماعي لأنهم قادرين على كشف زيف الصراع وعوامله وإيقاظ البشر المُغيبين من غفوتهم.
يرى ((دوركيم))"أن البشر ليسوا إلا أدوات تنفيذ لإرادة كيان أو وحدة أكبر منهم، تقسرهم في اللاوعي على ممارسة أفعال وسلوكيات محددة".
إن خروج الصفوات السياسية في المجتمع سالمين من كافة الصراعات الاجتماعية مهما بلغ حجم الضحايا والكوارث على مدى التاريخ يعود بالدرجة الأولى للاحتكام إلى عقولهم والتلاعب بعواطف العامة من الناس الذين يزجون بآتون الحروب والكوارث غير مدركين لماهية الصراع ودوافعه الحقيقية.
إن الهيمنة على عواطف البشر المُغيبين لايقتصر على الصراع الاجتماعي وإنما يجري حتى في حالة الاستقرار الاجتماعي حيث تعمد الصفوات السياسية على تبرير مظاهر الفقر والجوع والاستغلال وسوء الخدمات....بحجج واهية (غيبية أو تصويرها على أنها خارج على الإرادة السياسية) وحقنها في وجدان المجتمع لتستكين عواطفه أو ما يطلق عليه بمسكنات الدوافع لتحجيم العوامل الكامنة وتخميد وتيرة الصراع الاجتماعي. وبذات الوقت تعمل المجتمعات المُغيبة على ترديد الحجج الواهية ذاتها على مسامع المتذمرين أو المتأرجحين بين دافع العاطفة والعقل.
يقول ((زايتلن))"تضل غالبية البشر عمياء وغير عقلانية لأنها محكومة لعواطفها وغرائزها ودوافعها اللاشعورية، فتدني مستويات وعيهم تجعلهم مستغلين دائماً".
إن الصفوات في المجتمعات المتخلفة ليسوا الأكثر إدراكاً ومعرفة في المجتمع، وإنما شعوبهم الأكثر أمية وتخلف ومحتكمة لعواطفها دون عقولها، كما أن للصفوات ارتباطاتها الخفية خارج الحدود لذلك لاتشتغل بوحي ذاتها للتحكم في مجتمعاتها وإنما بوحي ذات غيرها متسلحة بإدراك ومعرفة ودراسات (نفسية-اجتماعية) لجهات معنية في التحكم بالمجتمعات الأخرى ليس بشكل مباشر وإنما عبر صفوات المجتمعات ذاتها.
على الضد من ذلك فإن الصفوات الثقافية غير المسيسة والمحتكمة لعقولها ومستويات وعيها عالية تعمل على توعية مجتمعاتها، لكنها عرضة لاضطهاد وتهميش مبرمج تمارسه الصفوات السياسية وأورماتها خارج الحدود لإبقاء المجتمعات المُغيبة تحت سيطرتها أطول فترة ممكنة.
الموقع الشخصي للكاتب: http://www.watersexpert.se








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ