الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية مستعصية في واقع متناقض .. جدلية المعنى والقوة .. الحالة العراقية ..( الحلقة الأخيرة )

هيبت بافي حلبجة

2008 / 5 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الحلقتين السابقتين تم التركيز بصورة مباشرة على أهم وأكثرالنقاط جوهرية والتي تؤثر في سيرورة الحراك السياسي المباشر وغير المباشر على الساحة العراقية كنموذج أساسي خصائصي وعلى الساحة اللبنانية ومنطقة الشرق الأوسط كنماذج رديفة ، وقلنا آنذاك إن ثمة أشكالية كبرى تخنق الجميع وتفصد الدعائم ويساهم فيها المثقف لأنه جزء من طبائعيتها ، لأنه ليس إفرازاً موضوعياً إيجابياً ، حسب مقولة غرامشي الشهيرة ، بل هو يلهث ويهرول وراء لانضجه التاريخي . فكانت الخارطة الثقافو- جيو- سياسية خارجة عن إطار أي معادلة رياضية فيزيائية مشتركة ، ولذا غابت عن مدار معترك المقاصات الأجتماعية المعادلات التي أجملناها في الآتي ، الموضوعي يعقل الذاتي ، الموضوعي يلجم الميتودولوجي ، الموضوعي يكبح الواقعي . وغياب هذه المرتكزات هو الشكل المشخص ، من جهة ، لأنتفاء القوة الأبستمولوجية الأدراكية الشاقولية الحدية التي تصبو إلى البحث عن هو في ذاته ، ومن جهة أخرى ، لتسلط القوة الأبستمولوجية الأفقية التي تعاني من الترهل ومن الأغتراب ومن الذاتية المفرطة . لذلك بدا لنا تبعثر مشروع الأمة التاريخي واضحاً ثم قاصراً لقصور العلاقة ما بين الكينونة ومشروع الأمة وثم مشوهاً لتشوه العلاقة ما بين الوعي والوعي المدمقرط . ومن هذه الرؤيا تحديداً كم يبدو قول هيجل ، على الرغم من مصداقيته في حدود معينة ، باهتاً هزيلاً ( إن جوهر الخفي للعالم ليس لديه القوة لمجابهة المعرفة الجسورة ، ولذا فإن عليه أن يتكشف لها ، وأن يبسط أمام عينيها غنى الطبيعة وعمقها ، وأن يتيح للمعرفة التمتع بها ) المؤلفات ، المجلد الأول ، ص 16 . لأن المعرفة الجسورة ليست وحدة جامعة مانعة ناجزة ، ولكي تكون كذلك ، ينبغي أن ندركها في ديالكتيكيتها وليس في ميكانيكيتها ، أي أن المعرفة الجسورة ليست غبية إنما لأجل أن تتمتع بذاتها وتتفادى الأستلاب ، ينبغي أن تتطابق مع الوعي المتوازي وتلتزم بالدور التاريخي وتستحوي على منطوق ( العمل السياسي والنشاط الأبداعي ) . وهذا هو كنه المسألة في الحالة العراقية والحالة اللبنانية وحالة الشرق الأوسط ، ولب رؤية مستعصية في واقع متناقض ، مفلطح مجذوب ما بين جدلية المعنى والقوة . وهذه الرؤيا تتجاوز قليلاً ما ذهب إليه لينين في قوله ( إن النظرة الميتافيزيقية ميتة ، شاحبة ، جافة ، أما النظرة الديالكتيكية فتطفح بالحياة ، وهي النظرية الوحيدة التي تقدم المفتاح لفهم الحركة الذاتية لكل الموجودات ، لفهم القفزات ، لفهم انقطاع التدرج والتحول إلى الضد ، لفهم ألغاء القديم وظهور الجديد ) المؤلفات الكاملة ، المجلد 29 ، ص 217 . لأن الديالكتيك لايعالج فقط التناقضات الطبيعية في الواقع ، إنما ينبغي عليه أن يعالج تناقضاته هو من خلال ( الواقع المتناقض ) ، فثمة فرق أكيد ما بين ( تناقضات الواقع ) و( الواقع المتناقض ) ، كما يوجد فرق ما بين كون الديالكتيك حاكماً وحكماً على الواقع وكونه جزءاً منه . وفي هذه الحالة الأخيرة يتحول المثقف إلى عنصر فعال في العلاقة ما بين الكينونة ومشروع الأمة ، وتبلغ القوة الأبستمولوجية مجالها العامودي الحدي الأعظمي ، وتكون الجدلية ما بين المعنى والقوة على صورة إشراق تصاعدي لأن القوة ستأخذ فحواها من فحوى المعنى ، والعكس صحيح في الحالة الأخرى ، حيث تقاسي الكينونة من حالة الأستلاب ، وتتهابط القوة الأبستمولوجية إلى حدها الأفقي الضحل ، وتتهافت الجدلية ما بين المعنى والقوة لأن المعنى سيأخذ فحواه من فحوى القوة . وهنا لكي نجسد هذه المفاهيم لامناص من طرح ملامح ومكاشفات تلك الأشكالية ... .. أولاً . الخطاب العام : ثمة خطاب أمسى مشتركاً بين شرائح إجتماعية مختلفة ( الشيخ يوسف القرضاوي ، الدكتور عبد الله النفيسي ، معن بشور، هيثم مناع . .. الخ ) و ينافح عما يسمونه مفهوم المقاومة ، ويقومون المسألة على أساس قرار الأمم المتحدة وضمن المعادلة التالية ( المقاومة ضد الأحتلال ، الشرعية ضد اللاشرعية ) . بيد أنهم يتغافلون عن العلاقة ما بين خطابهم ذاك ونتائجه البغيضة التي تسعر أوار جذوة العنف والأرهاب والجريمة ، وتنصب في القارورة السياسية لإيران وسورية وحزب الله وميليشيات مقتدى الصدر وجيش المهدي والجماعات السلفية التكفيرية والجماعات الأنتحارية والمجموعات الأرهابية والأفراد العبثيين الفوضويين ( أمثال فيصل قاسم ، ناصر قنديل ، عبد الباري عطوان ، مصطفى بكري ، علي عقلة عرسان ، محمد حبش ... الخ ) . لأنهم لايدركون ما خلا المعادلة الجامدة ، المعادلة اللامتحركة ، المعادلة الحسابية الساذجة ( المقاومة ضد الأحتلال ) ويشيحون بوجوههم عن جرائم تلك الجهات المذكورة سابقاً . فالمجال العراقي لايحتوي فقط تناقضات الواقع (المقاومة ضد الأحتلال ) بل يحتوي أيضاً واقعاً متناقضاً ( الأرهاب كعنصر ثالث ) . والواقع المتنافض يطغى على تناقضات الواقع ، كما تطغى الهندسة اللاأقلبدية على الهندسة الأقليدية ، وكما تطعى النظرية النسبية الأينشتاينية على قانون الجاذبية النيوتنية . ومن هنا تحديداً نعي هول وشدة المأزق الذي يجثم على صدر العراق ( ولبنان ) والذي تتكابده المنطقة قاطبة ، لاسيما إذا أدركنا إن الخطاب المضاد مبعثر وغير جسور وعاجز عن الصمود أمام التابو وصلادة النص وما برح ~ للأسف ~ لم يتصالح مع ذاته ولم يلغ بعد أستلابه ولم يع كما ينبغي حجم دوره التاريخي ، لأنه بكل بساطة يعتاز إلى تأصيل جديد ، تأصيل يلملم جراح الجماهير ويكشف لها مدى ونوعية علاقته مع الغرب ويعالج أهم مسألتين في التاريخ ، محاربة النظم الأستبدادية التوتاليتارية ( أي ردع الظلم وزجرالأستعباد ) وتأمين لقمة العيش ( أي خلاص الفرد من النفسية المقهورة المكبوتة المحجوبة ) ...... ثانياً . جدلية المعنى والقوة . في مرحلة محددة من التاريخ لاتبرز فقط حدية الواقع المتناقض لتتجسد في مجمل مجالات المجتمع والسوسيولوجيا إنما تبلغ النقطة الحرجة ، الحد العظمي ، كما هو الحال في الأجتماعية اللبنانية والأجتماعية العراقبة ، حينئذ ينكشف النقاب عن الكل ويتعرى المجتمع إلى حدود الجزئيات وتزداد أمكانيات التبعثر والأنزلاق وتتعاظم صور أمثال هذه المقولات ، المعنى ، القوة ، وجدلية المعنى والقوة . تلك الجدلية التي ، في هذه المرحلة بالذات ، تفرز ، من جانب ، خطابها الإيجابي ( المتواضع الذي أشرنا إليه ) الذي يتعاظم محتواه في المعنى وقوة المعنى ، لتكون جدلية المعنى والقوة في النهاية إيجابية كمحصلة سوسيولوجية ( الحكومة الحالية برئاسة فؤاد السينورة و الأكثرية النيابية ~ السادة سعد الحريري ، أمين الجميل ، وليد جنبلاط ، سمير جعجع ~ في لبنان . وفي العراق القوى الديمقراطية والمحبة للسلام ) . وتكشف النقاب ، من جانب آخر ، عن خطاب سابق موجود لايكترث إلا بذاته ويحطم ويدمر ما عداه ويهتم بمضمون القوة ومعنى القوة ، لتكون جدلية المعنى والقوة بطبيعتها سالبة نافية ( مليشيات حزب الله وغيرها في لبنان ، مليشيات مقتدى الصدر وجيش المهدي وغيرها في العراق ) . وتفضح ، من جانب ثالث ، أمر ذلك الخطاب العام المشار إليه سابقاً ، وأمر تلك القوة الأبستمولوجية الأفقية ومثقفها الأفقي ، وأمر الفئات الغوغائية الدهماوية . ويميط اللثام ، من جانب رابع ، عن المدلولات الأجتماعية كالفساد الإداري المنتشر في العراق وكردستان ، كالوصوليين والأنتهازيين والمنافقين والكذابين ( جراثيم المجتمع ) ..... ثالثاً . السياسي يصادر المدني . إذا كانت العسكرتاريا ، في البلدان المتخلفة ~ بلدان في طور النمو الأقتصادي والممارسة الديمقراطية ~ تقهر المدني والسياسي ، فإن السياسي ، في كثير من المجتمعات يصادر المدني ويسارع في تطبيق الجانب الهامشي من النظرية الميكيافيلية التي قال عنها ماركس ، إن ميكيافيلي والمفكرين السياسيين ( رأوا في القوة أساس الحق ، وبذلك تحررت الدراسة النظرية للسياسة من الأخلاق ) ماركس وانجلز ، المؤلفات ، المجلد الثالث ، ص 314 . لأنه ، أي السياسي ، لايكترث بتقدم الدولة / الحال الراهنة ولايعتبره المعيار الحقيقي الأوحد ، كما فعل ميكيافيلي ، إنما يعير الأهتمام لقوته هو ، لحاله هو ، فهو يصادر المدني . ونتيجة غياب المثقف الحدي الراديكالي وسطوة المثقف الأفقي السطحي ، فإن السياسي لايصادر فقط الثقافي إنما يحل محله ، لأن الثقافي هو الآخر لايأبه بأزدهار وتطور / الحال الراهنة / ، وإنما يستميت في الدفاع عن زخرفة صورته الخاصة ، فيغدو بذلك تابعاً حسابياً بسيطاً للسياسي . لذا قلنا عنه هو جزء من الأشكالية بملامحه السلبية ، بعكس المثقف الحدي الجذري الذي هو جزء من الأشكالية بملامحه الإيجابية . من هنا نعي ، من جهة ، أغتيال العمل السياسي الحقيقي والنشاط الأجتماعي الثقافي الفعلي معاً ، ومن جهة أخرى ، منطوق نسبية الحقيقة الذي يعني هنا ~ وحصراً هنا ~ أنه لاتوجد مقولات في خارج / الحال الراهنة / ، فكلها مرهونة بالداخل الواحد وتتقدم كلوحة غير قابلة للتجزئة . أي أن هذا المنطوق ( منطوق نسبية الحقيقة ) يكتسب أبعاده ضمن المجتمع الواحد مثل ممارسة الديمقراطية ، مثل الأزدهار ، شريطة عدم إسقاط مستوى السمة السائدة ، وشريطة أدراك كيفية أن الموضوعي يعقل الذاتي ، الموضوعي يكبح الواقعي ، الموضوعي يلجم الميتودولوجي ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحداث قيصري-.. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟ | المسائية-


.. السودانيون بحاجة ماسة للمساعدات بأنواعها المختلفة




.. كأس أمم أوروبا: تركيا وهولندا إلى ربع النهائي بعد فوزهما على


.. نيويورك تايمز: جنرالات في إسرائيل يريدون وقف إطلاق النار في




.. البحرين - إيران: تقارب أم كسر مؤقت للقطيعة؟ • فرانس 24 / FRA