الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعادة انتاج العنف

عبد الجبار خضير عباس

2008 / 5 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعد تنمية الثقافة اللاعنفية واحدة من أبرز الممارسات الديمقراطية في المؤسسات التربوية لاشاعة مبادئ حقوق الإنسان والتعايش السلمي واحترام الاخر، لذلك تأتي اهمية تغريزها في المدرسة والتواصل في بث روح التسامح واحترام رأي الآخر من اولى اولويات المؤسسات التربوية لتخليصها مما علق بها من موروثات عقيمة تستخف بالآخر وتدعو الى سحقه والتلذذ بذبحه، و سنظل نلوك ثقافة عنفية نتوارثها من دون فرصة للانفكاك منها، وتكمن خطورة ذلك عندما تمارس المدرسة او بالأحرى مناهجها التربوية، تغريس قيم وعادات وتقاليد واعراف واعتقادات متخلفة وبالية وطبعها في اذهان الطلاب .هذا ما نراه واضحا في كتاب تاريخ الادب للصف الخامس الاعدادي عبر نص يتناول جانبا من حياة "اسامة بن منقذ"(ولد بمدينة شيزرالواقعة في الشمال الغربي لحماة سنة 488 هجرية....نشأ في رعاية والده الذي غرس في نفسه الشجاعة والميل الى الشدة والصرامة). ويورد المؤلف هذه المفردات من دون تعليق متماهيا مع النسق الذكوري بوصفه ثقافة لازمة تركت اثارها وتغلغلت في السلوكيات الاجتماعية والثقافية، اما من شعره، فقد اختار المؤلف ابشع الابيات واكثرها قرفا وكأنه لايوجد لهذا الشاعر الا هذه الابيات او خلت الساحة من الشعراء الا هذا الشاعر ونحن في بلاد الشعر ولنا من الشعراء العظام والكبار وبمحمولات فكرية وانسانية رائعة.
لنتأمل هذا البيت الشعري.
دماء العدا اشهى من الراح عندنا
ووقع المواضي فيهم الناي والوتر
وسل عنهم الوادي باقليس انه
الى اليوم من دمائهم غدر
ثم يبدأ المؤلف بتقديم قراءته للنص الشعري (يتحدث عن اسباب هذا الظفر العظيم والنصر المبين، فانها ترجع الى النفور الى العدو، والجهاد في سبيل الله والعزوف عن الملاهي والملاذ والى اشتياق لقاء الاعداء في سوح الوغى والالتذاذ بصليل السيوف القاطعة الرقاب عوضا عن انغام آلات الطرب والغناء فالاعداء يندحرون، وتتناثر جثث قتلاهم في كل صقع وتملأ دماؤهم كل منخفض.....لاشك ان نعته لقاء المجاهدين للاعداء بلقاء الاحبة، ينطوي على لفتة فنية بديعة لاشتمالها على تصوير عميق لما تضطرم في نفوس المجاهدين من حرارة اللقاء الذي لايماثله سوى لقاء الاحبة بعد طول الجفاء والغياب...والتفت الشاعر الى الوادي الذي جرت فيه المعركة طالبا مساءلته عن مصير العدو وعما آلت اليه دماؤه وجثث قتلاه.
حين نقرأ رؤية المؤلف نجد حالة التماهي مع الشاعر واضحة وجلية فهو منتش بها ومتفاعل معها على الرغم من الفاصل الزمني الذي يتجاوز الالف عام اي لم يحدث لديه اي متغير في رؤاه الفكرية والاخلاقية فهو يتفاعل مع النص بقناعة وانسجام ومنقاد للمهيمن النسقي، وانهمك المؤلف بقراءة الظاهر الجمالي للنص غير معني بالمعطيات الفكرية المدمرة التي يبثها.
السؤال الكبير هو، هل يعقل ان توجد هكذا ثقافة تتغنى بالقتل والذبح ووصف مناظر جريان الدم في الغدران وتشبيه الدم بالخمرة ورغبة مجنونة في تدمير الآخر واقصائه والغائه ونحن نعيش في زمن ذقنا فيه ويلات وبشاعة هذه الثقافة المتخلفة الاقصائية اذ نحن بحاجة لثقافة اكثر انسانية تدعو للتعايش السلمي واحترام الاخر والمختلف. ابهذه الثقافة نغذي طلابنا الذين بدورهم سيتماهون ويذعنون لهذه الثقافة من دون وعي منهم بخطورة هذه البضاعة التي تتعارض مع قوانين العصر وحركة الانسان؟ فهذه الثقافة ستحدد خياراتهم وتشكل سلوكهم، ويبقون يتفاعلون وينسجمون مع كل ما يدغدغ فيهم عظمة فحولتهم على وفق منطق عفى عليه الزمن.
اذن لاغرابة من شيوع ظاهرة العنف على طول مساحة الوطن وعرضها وانتاج ذباح سني وشيعي بذات المواصفات والشهية التي غذي بها،على وفق هذا النسق المعبر عن الفحولة واللاغي للآخر والاعتداد بالذات وتخويف المختلف وارهابه ،عادا اياه عدوا يجب سحقه ومحقه والغاؤه وبابشع الطرق والتلذذ بدمائه ، وهذه الثقافة اجتاحت لغتنا وهيمنت على ذاكرتنا وسلوكنا وقيمنا الاخلاقية. واخير السنا بحاجة ملحة لغسل عقولنا من هذا التلوث الفكري والاخلاقي والقيمي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيسة وزراء إيطاليا في ليبيا لبحث التعاون المشترك بين البلدي


.. العراق.. زفاف بلوغر بالقصر العباسي التراثي يثير استفزاز البع




.. المخاوف تتزايد في رفح من عملية برية إسرائيلية مع نزوح جديد ل


.. الجيش الإسرائيلي يعلن أنه شن غارات على أهداف لحزب الله في 6




.. إنشاء خمسة أرصفة بحرية في العراق لاستقبال السفن التجارية الخ