الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا نعرف عن التعليم فى إسرائيل؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 5 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


يختلف هذا العصر عن العصور السابقة فى شىء مهم هو أن البقاء فيه للشعوب التى تتسلح بسلاح العلم والمعرفة. والطريق الوحيد الذى يقود إلى هذا الهدف هو التعليم. وفى الواقع نحن من أكثر الشعوب التى تهتم بالحديث عن التعليم إذ نعقد المؤتمرات والندوات لمناقشة قضايا التعليم ومعوقات تطويره. ويعتقد الكثيرون أن الحروب الضارية التى خضناها لتحرير الأراضى العربية صرفت الأنظار عن تبنى نظام تعليمى تجنى ثماره الأجيال القادمة. والغريب أن الدولة التى خضنا معها هذه الحروب منذ عام 1948م، وهى إسرائيل، ظلت فى الفترة السابقة تولى اهتماما خاصا بالتعليم الذى حصل على أكثر من 10% من موازنة الدولة التى بلغت 270 مليار شيكل (حوالى 78 مليار دولار) عام 2006م. وفى ظنى فأنه من المفيد أن نلقى بعض الضوء على تجربة التعليم الجامعى فى هذه الدولة الصغيرة التى لا تزيد عمرها عن ستين عاما والتى لا تزيد مساحتها عن 22145كم2 ولا يزيد عدد سكانها عن 7 مليون و200 ألف نسمة ولكن بداية دعنا نجيب على بعض التساؤلات التى ربما تتصارع فى ذهن القارئ حول التعليم قبل الجامعى فى الدولة العبرية: هل التعليم فى المرحلة قبل الجامعية مختلف عن التعليم الذى نعرفه فى بلادنا؟ وهل نتيجة الثانوية العامة هى المعيار الوحيد للالتحاق بالجامعة أم أن هناك معايير أخرى؟

لقد خصصت الحكومة الإسرائيلية للتعليم قبل الجامعى مبلغا وقدره 26 مليار شيكل (أى حوالى 7 مليارات ونصف المليار دولار) للإنفاق على مدارس مختلفة منها الدينية والحكومية والخاصة خلال مراحلها الثلاث، الابتدائية والإعدادية والثانوية. والجدير بالذكر أن معظم التلاميذ يلتحقون بمدارس الدولة. أما فئة اليهود الأرثوذكس فيلحقون أطفالهم بالمدارس الدينية. وهناك مدارس يرتادها التلاميذ العرب حيث يدرسون فيها اللغة العربية ومناهج أخرى تتناول التاريخ والثقافة العربية والدين الإسلامى. أما المدارس الخاصة فإنها تدار بشكل مستقل ولكنها تلتزم بالمناهج التى تقررها الوزارة حتى تحصل على التمويل الحكومى ويعتبر التعليم إجباريا حتى الثانوية العامة وتجدر الإشارة أن الطالب لا يحصل على شهادة الثانوية العامة إلا إذا حقق الحد الأدنى من الدرجات فى مواد اللغة العبرية والانجليزية والرياضيات والنحت والأدب. وفور الانتهاء من الشهادة الثانوية يتم تجنيد الطلاب فى الجيش الإسرائيلى غير أنهم يستطيعون التأجيل لحين الانتهاء من الدراسة الجامعية حيث يتولى الجيش دفع النفقات الدراسية لهؤلاء الطلاب من خلال برنامج "اتدودا" شريطة أن يوقع الطالب عقدا بمد خدمته فى الجيش لمدة عامين أو ثلاثة أعوام. وكذلك يمكن الالتحاق بالجامعة بعد انتهاء مدة الخدمة العسكرية حيث يدفع الطالب مبالغ رمزية لأن الدولة تدعم التعليم كليا. وتجدر الإشارة أن الشهادة الثانوية ليست كافية للالتحاق بالجامعة إذ يتعين على الطالب اجتياز اختبار يقيس ثلاث مهارات: 1- لتفكير الكمى أى القدرة على حل المسائل الحسابية والقدرة على التعامل مع الأرقام 2- التفكير اللغوى أى القدرة على فهم النصوص المعقدة 3- اللغة الانجليزية.

أما بالنسبة للتعليم الجامعى فيمكن القول إن إسرائيل بها ثمانى جامعات ومعاهد كبرى تضم حوالى 250 ألف طالب، ويبلغ عدد طلاب البكالوريوس 198 ألف والماجستير 42 ألف والدكتوراه 10 ألاف. أما عدد أعضاء هيئة التدريس فقد بلغ حوالى 12 ألف ومعظمهم من الحاصلين على الدكتوراه من خارج البلاد. والجدير بالذكر أن هذه الجامعات تتمتع بالاستقلالية فى إدارة شئونها وفقا لقانون عام 1958م. ورغم أن إسرائيل لا توجد بها سوى نصف عدد جامعات مصر فإنها خصصت ميزانية قدرها 2 مليار دولار أى ضعف الميزانية المخصصة للجامعات المصرية (حوالى مليار دولار). قد تصيبنا الدهشة إذا أدركنا أن الجامعات الإسرائيلية لا تقارن بنظيراتها فى الشرق الأوسط بل تقارن بالجامعات الأوربية والمبرر هو أن أربع جامعات إسرائيلية تأتى ضمن أعلى 100 جامعة أوربية: وهى الجامعة العبرية ومعهد وايزمان للعلوم والمعهد الإسرائيلى للتكنولوجيا وجامعة تل أبيب وجامعة بلكنت وجامعة الشرق الأوسط للدراسات التكنولوجية وجامعة بن جوريون بالنجف وجامعة بارلان وجامعة حيفا وجامعة بوجيتشى. وكما جاء فى تقرير الهيئة الدولية للجودة والاعتماد فى 31 يناير 2008م فإن هذه الجامعات والمراكز البحثية قد حققت مكانة علمية لإسرائيل فى المجالات المختلفة فى أعوام 1994م، 2001م، 2003م وقد اعتمد هذا التصنيف على معادلة بسيطة تتمثل فى قسمة مجموع الاقتباسات فى الدوائر العلمية على عدد الأبحاث المنشورة لعلماء بلد ما. وبتطبيق هذه المعادلة فإن الهيئة الدولية وضعت إسرائيل فى مكانة متقدمة حيث حققت فى الطب رقم 19 (عام 1994م) ورقم 18 (عام 2001م) ورقم 20 (عام 2003م) وفى الكيمياء رقم 7 (عام 1994م)، ورقم 5 (عام 2001م) ورقم 6 (عام 2003م) أما فى الرياضيات فقد حصلت على رقم 16 (عام 1994م) ورقم 16 (عام 2001م) ورقم 12 (عام 2003م). وإذا ما أمعنا النظر فى هذه الأرقام فسنجد أن المكانة العلمية للدولة العبرية بدأت تتراجع من عام إلى آخر فى المجالات المختلفة (خاصة فى الطب والكيمياء). ففى دراسة أعدتها هيئة التنمية والتعاون الاقتصادى فإن إسرائيل التى كانت ذات يوم تتبوأ مرتبة متقدمة بين الدول قد تراجعت مكانتها العلمية للحد الذى احتلت فيه ذيل قائمة أكبر 41 دولة فى العلوم والرياضيات مما أعتبر بمثابة ناقوس خطر سمع رنينه فى أرجاء البلاد. والسؤال الذى يبادر إلى الأذهان: ما هو سبب هذا التراجع؟

يشير التقرير الدولى للتعليم الجامعى حول "أزمة التعليم فى إسرائيل" إلى أن الأزمة تكمن فى قلة الموارد التى تحول دون تحسين أجور الأساتذة والعاملين فى حقل التعليم. لقد كشفت الندوة التى نظمتها جامعة حيفا فى ديسمبر2006م أن الحكومة الإسرائيلية قامت باستقطاع مليار شيكل (حوالى 300 مليون دولار) من ميزانية التعليم العالى مما كان له أثر بالغ على الحرية الأكاديمية والإبداع الفكرى فى الجامعات. ومن الواضح أن المرتبات التى تدفعها الحكومة الإسرائيلية للمدرسين وأساتذة الجامعات تجعلها فى ذيل قائمة الدول الصناعية. لقد أعلن حوالى 4500 من أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات الإسرائيلية عن حاجتهم إلى زيادة فى المرتبات حتى يتوقف النزيف الأكاديمى الذى دفع الكثيرين إلى ترك العمل والانتقال لمواقع أخرى فى جامعات أمريكية وأوربية حيث تصل النسبة إلى 33% فى مجال الكمبيوتر و29% فى الاقتصاد. ولم تجد وزارة المالية ما تقول سوى إن الحل لزيادة الموارد يكمن فى تطبيق زيادات فى الرسوم الدراسية بنسبة 100% بدلا من تخفيضها إلى 50% كما فعلت الحكومة. وشهدت السنوات الماضية نوعين من الإضرابات فى الجامعات: الأول نظمه الطلاب حين حاولت الحكومة زيادة الرسوم الدراسية. أما الإضراب الثانى فقد تبناه مساعدو أعضاء هيئة التدريس لتحسين أوضاعهم التدريسية وللحصول على أجازات تفرغ مدفوعة الأجر. وفى البداية لم تعر الحكومة اهتماما لهذه الإضرابات ولكنها عادت وأقرت زيادة فى الأجور والمرتبات قدرها24%.

ومما سبق يتبين لنا أن نقص التمويل الحكومى والرواتب المتدنية للقائمين بالتدريس يؤثر سلبا ليس على أداء الطلاب فحسب بل على الحرية الأكاديمية والإبداع الفكرى فى الجامعات ومن ثم على المكانة العلمية للدول. لقد بات واضحا أن الحديث عن تطوير وجودة التعليم لن يكون مجديا فى بلادنا إذا لم تبادر الحكومة بتوسيع نطاق الحرية والاستقلالية للجامعات وكذلك تطوير الأجور وتجويد مرتبات القائمين بالتدريس والعاملين فى حقل التعليم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سنوات من القطيعة.. اجتماع سوري تركي مرتقب في بغداد| #غرف


.. إيران تهدد بتدمير إسرائيل.. وتل أبيب تتوعد طهران بسلاح -يوم




.. وفاة طفل متأثرا بسوء التغذية ووصوله إلى مستشفى شهداء الأقصى


.. مدرسة متنقلة في غزة.. مبادرة لمقاومة الاحتلال عبر التعلم




.. شهداء وجرحى بينهم أطفال في استهداف الاحتلال مجموعة من المواط