الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيروت خيمتنا الأخيرة

طارق قديس

2008 / 5 / 28
المجتمع المدني


غريب أمرها بيروت ! تلك العاصمة التي وسعت أراضيها مختلف الشعوب شرقاً وغرباً ، وقد كانت محجاً لكافة الناس منذ وقت بعيد ، أن لا يجد أبناؤها في هذه الأيام فوق ترابها مكاناً يتسع لحجم خلافاتهم حتى يحُلوها كما يحل أبناء العائلة الواحدة مشاكلهم تحت سقف بيتهم الكبير.. فهل يا تراها بيروت قد ضاقت عليهم أم تراها الخلافات قد كانت مساحتها أكبر من مساحة الوطن؟

الجواب : لا أدري ! لكن الشيء الأكيد الذي أدريه هو أن اللبنانيون قد اعتادوا في لحظات الخلاف على اللجوء إلى مدينة أخرى تحتضن وجهات نظرهم على تضادها لكي يكشفوا على طاولتها أوراقهم ، ويحلوا المسائل العالقة ، وكأن المشكلة تكمن في بيروت ، والهروب منها هو الحل!

ففي عام 1989وجد اللبنانيون أنفسهم عاجزين عن حل إشكالاتهم الداخلية بأنفسهم ، وقد أضحت شوراع بيروت عبارة عن ثكنات عسكرية يتقاسمها فرقاء الحرب الأهلية بالتناوب ، فلم يجدوا ملاذاً لهم سوى الرحيل إلى مدينة الطائف بعيداً عن أصوات الرصاص ، فارتحلوا إليها ، واجتمعوا هناك ، شربوا القهوة وتناولوا أطايب الطعام حتى انتهوا بما يسمى "اتفاق الطائف" إيذاناً بانتهاء الحرب الأهلية اللبنانية . وها هم بعد برهة يعيدون الكرة من جديد ليجتمعوا في الخارج ، لكن ليس في الطائف، وإنما في رحاب الدوحة كي يحلوا مشاكلهم الداخلية ، وذلك بعد أن عجزوا عن حلها في الداخل .. بعد أن قام الرئيس إميل لحود عن كرسيه حتى يقعد فخامة الفراغ لمدة ستة أشهر ونيف ! بعد أن سقطت دستورية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في نظر غالبية المواطنين ! بعد أن نزل مسلحو حزب الله للشوارع كي يوجهوا بنادقهم إلى صدور اللبنانيين بدلاً من صدور أعدائهم المعلنين!

لقد اجتمعوا في الدوحة وكأن التاريخ يعيد نفسه مع اختلاف كثير من الوجوه والأسماء ، ليعلنوا من هناك أن بيروت قد عجزت عن لمِّ شملهم ، عن احتضانهم ، عن الأخذ بأياديهم إلى بر الأمان ، وليوجهوا لها رصاصة لم تكن تتوقعها ، وكأنهم يقولون لها بأنها قد شاخت وأصبحت بيروت أخرى غير بيروت الجميلة الفتية ، بيروت العاجزة عن إيجاد المخارج والحلول لأبنائها الجالسين بين يديها.

فهل ترى مقولة (بيروت خيمتنا الأخيرة) لم يعد لها وجود ؟ لقد قالها الشاعر محمود درويش في الماضي ، قال هذه الكلمات وهو يصف وجود الفلسطينيين في بيروت بالوجود الأخير لهم بعد أن ذهبوا يميناً ويساراً فلم يبق أمامهم في النهاية سوى سمائها خيمة لهم يستظلون بظلها بعد رحيل طويل وعصيب بين المدائن العربية.
هل تراها انتهت تلك المقولة إلى غير رجعة ، وقد تخلت بيروت عن مكانها ، عن عنفوانها ، وعن ألقها الدائم؟

وهل كانت الطرق في بيروت مسدودة في وجه الرئيس العماد ميشيل سليمان حتى يصل إلى قصر بعبدا .. لكي يصل إليها عن طريق بديل هو طريق الدوحة - بعبدا؟
إن الأمر يحتاج إلى وقفة .. يحتاج إلى مزيدٍ من التفكير قبل أن تتغير الأمور في نظرنا ونرى بيروت أخرى غير تلك التي لطالما اعتدنا أن نراها .. نحتاج إلى دقيقة صمت قبل أن نهمس بيننا وبين أنفسنا قائلين : يا للخسارة ! بيروت لم تعد خيمتنا الأخيرة، وقد اغتصب الحزن فرحتنا بانتخاب الرئيس الجديد لأبعد الحدود.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما


.. عشرات المحتجين على حرب غزة يتظاهرون أمام -ماكدونالدز- بجنوب




.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - الأونروا: يجب إنهاء الحرب التي تش


.. الأمم المتحدة تنهي أو تعلق التحقيقات بشأن ضلوع موظفي -الأونر




.. أخبار الصباح | حماس تتسلم الرد الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى..