الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي

ابراهيم ازروال

2008 / 5 / 30
التربية والتعليم والبحث العلمي


مما لا شك فيه أن المنظومة التربوية المغربية ، تفتقد إلى الجودة ،والى الانجازية التعليمية . ورغم الجهود المبذولة للرفع من إنتاجية القطاع التعليمي ، إلا أن المردودية الملاحظة تبقى دون المطلوب بشهادة تقارير وطنية ودولية .
والحقيقة أن من تجليات الافتقاد إلى الجودة ، الذهول عن تحديث اللغة العربية والتمسك بمعايير لغوية متقادمة ، بدعوى مطابقتها لما تواضع عليه السلف اللغوي والحفاظ على الأصالة اللغوية . فتجديد اللغة العربية وتحديثها ، وإخضاعها للمعايير الحداثية ، هو المسكوت عنه الأكبر ، في كل المقاربات البيداغوجية للغة العربية . والحال أن المقاييس اللغوية المتفق عليها في عصر التدوين ، ليس مطلقة ، إلا في أعين الإكليروس اللغوي ، المتغلغل في ثنايا المنظومة التربوية المغربية . ومن المعلوم أن الأصولية اللغوية ، تتشبث ، بالمنظومة اللغوية ، المقعدة في عصر التدوين ، وتتمسك ، حرفيا ، بالفكر اللغوي العربي – الإسلامي ، وترفض ، جملة وتفصيلا ، أي مطالبة بوضع التقعيدات اللغوية و التأصيلات المنهجية المرتبطة باللغة العربية في بسياقها الفكري واللغوي وفي إطارها الحضاري المخصوص .
فإصلاح المنظومة التربوية ، لا يتم في جزء منه ، باستيراد الأطر والمنهجيات والآليات البيداغوجية من الغرب ، ولا باللهج بالجودة أو بإدارة الجودة الشاملة أو تحسين الجودة النوعية في مختلف أسلاك التعليم ، بل بمراجعة الفكر اللغوي العربي – الإسلامي وفصله عن المنظومة الفقهية والأصولية . فمن غرائب زماننا ، أننا نطالب بالعلمنة السياسية ، فيما نتمسك بالإكليروس اللغوي وبالأصولية اللغوية وبالتسلف اللساني انطلاقا من مسلمات عقدية متواترة أو من تعالم نرجسي على الأغيار اللغويين .
فالإشكال اللغوي ، ليس تقنيا كما يعتقد خبراء البيداغوجيا والديداكتيك ، بل انه يتعدى ذلك ، ليتماس مباشرة مع القضية الفكرية –الابستيمية .
وطريق الجودة اللغوية يبدأ ، تحقيقا ، بإعادة تقعيد اللغة العربية ، بناء على مقررات الفكر العصري ، الحداثي روحا ، وعدم الاكتفاء بالإصلاح اللغوي التقني . إننا نعاني من وجود هوة بين الفكر واللغة ؛ فالمثال الفكري حداثي في أفضل الأحوال، والمثال اللغوي مستقى من الاقيانوس الصحراوي ومن سيبيويه . فكيف يمكن التوفيق بين لغة قروسطية وفكر حداثي عصري ، لا يؤمن إلا بالاجرائية والوظيفية والنجاعة والفاعلية لا بالإخلاص التعبدي لفكر لغوي قديم؟ كيف يصر البعض على ايجاد الدلالة القاموسية للجودة في لسان العرب وفي المنقولات التراثية ، علما أن للجودة مقتضات فكرية وتقانية لصيقة بمجتمع الحداثة الفائقة ؟
من المؤكد أن جزءا من النخب المغربية ، يبذل الغالي والنفيس للدفاع عن الطهرانية اللغوية ، وعن تمامية الفكر اللغوي القديم ، وذلك لاعتبارات فكرية سلفية ، أو لاعتبارات نفعية أو برغماتية أو إيديولوجية . فقد افتقر التعريب المطبق منذ عقود ، لفلسفة لغوية حديثة وحداثية ، و إلى معالجة نظرية قوية ، لإشكاليات الابستمولوجيا اللغوية العربية القديمة .
فالواقع أن العربية المقعدة في عصر التدوين ، هي بنت أوانها ، وبنت النظام الفكري الوسطوي ، وأية مراجعة لا تطال هذا المستوى ، تبقى تقنية أو فكرانية ، غير مجدية في تحقيق النجاعة اللغوية لمنظومة تربوية ، محاطة بالتحديات من كل جهة .
فالملاحظ ، في المنظومة التعليمية المغربية ، هو التلويح بسلطة اللغة وبكليانية النحو وبسفسطائية الإعراب ؛ والأغرب مما ذكر ، هو القصور البيداغوجي الواضح في ميادين اللغة ، مما يخلق حواجز نفسية بين التلاميذ ولغة ، يعتبرها عارفو أسرارها القديمة سرا مضنونا به على غير أهله ، أو ذخيرة غير قابلة للنقل إلا لمن انكب على المدونات اللغوية القديمة انكبابا تعبديا خالصا . ويؤدي منطق ( قل ولا تقل ) العسكري ، ببعض التلاميذ إلى التشكيك المطلق في قدرتهم على تحصيل قواعد اللغة المدرسة .كما يؤدي ببعض المتضلعين في الإعراب ، إلى حصر المعرفة البشرية في المبتدأ والخبر والمنون والممنوع من الصرف!
إن المعرفة بالإعراب ، كما تروج لها المدرسة المغربية ، دليل على فكر تجزيئي ، تذريري فاقد للقدرة التركيبية ولصيرورة الفكر التاريخي ولتاريخية اللغة العربية .علاوة على ذلك ، فالتمسك بالضمنيات الفكرية المبثوثة في القواعد اللغوية ، ينفي الفكر الحديث المراد بثه ، مسايرة للمشهد الكوني المطبوع بالحداثة والعولمة وحقوق الإنسان على أقل تقدير . فالحقيقة ، أن الجمع بين التراتبيات والتصنيفات الفكرية ، المبثوثة منذ قرون في اللغة العربية ، والفكر الحديث ، ينطوي على مفارقة حادة، لا يمكن التخلص من قبضتها باصطناع التعريب والاشتقاق والنحت وسوى ذلك من الحلول التقنية أو من الإجراءات التحديثية أو التكييفية ، الاضطرارية في الغالب .
إن عدم الانتباه إلى النظام الفكري للغة العربية والعجز عن استشكاله ، دليل على الافتقار شبه الكلي ،إلى الآليات المنهجية والأطر النظرية للحداثة . فالانخراط في العالم المعاصر ، يقتضي ، أول ما يقتضي إعادة بناء اللغة وتقعيدها وتحديثها ، تلافيا للفصام بين الرؤية والعبارة ، بين لغة الصحراء والشعر العمودي المجزأ والبداوة وفكر يقرأ الحداثة الفائقة وتعقد الأنساق وتراكب المنظومات وتداخل الرؤى وتمزق الهويات واختراق الآفاق .
لايمكن للمنظومة التعليمية المغربية ، أن تستوفي شرائط الجودة ، وأن تكون أشخاصا يتمكنون من تحصيل الكفاءات اللغوية بيسر بعيدا عن تقعر وتفاصح وسلطة الإكليروس اللغوي ، إلا بنقد وتجاوز المنظومة اللغوية القديمة ، ووضع أسس نظرية لتقعيد حديث . ولا يمكن لهذا البغية أن تتحقق ، في غياب معجم عصري ، يقدم الدلالة الحديثة للألفاظ ولا ينحصر في المعاني الواردة في ( لسان العرب ) لابن منظور و(القاموس المحيط ) للفيروزآبادي أو (العين ) للفراهيدي أو (الجاسوس على القاموس ) لأحمد فارس الشدياق . فالقواميس الموجودة ، تعاني من تضخم في بعض الدلالات وضمور في دلالات أخرى ،كما أن بعض القواميس الحديثة تغيب المدلول الحديث لكثير من الكلمات والمصلحات ، بدعوى عدم ورودها في المجال التداولي اللغوي الأصلي .ولا تنحصر الفاعلية التحديثية في المعجمية كما قد يعتقد البعض ، بل تتعداها إلى المستويات الفونولوجية والتركيبية والدلالية والتداولية . فمهما كانت أهمية الألفاظ ، فإن للسياق التركيبي والدلالي والتداولي ، أهمية استعمالية وتوجيهية أكبر .
فعن أية جودة ، نتحدث والجميع يخضع للأصولية اللغوية ، ويعتبر أن المنطق اللغوي لسيبويه ، بلا عديل ، حتى في زمان العولمة الثقافية والاقتصادية والمالية والثقافة الرقمية ؟
متى ننتهي من منطق ( اعلم أن .... ) و( قل ولا تقل ) ...؟
سؤال لن يجيب عنه ، حتما ، من يرفض نسبية اللغة ، و تطور الألسن ، وتغيير البنى اللغوية ، لتطابق المعاني الحديثة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنباء متضاربة عن العثور على حطام مروحية الرئيس الايراني


.. العراق يعرض على إيران المساعدة في البحث عن طائرة رئيسي| #عاج




.. التلفزيون الإيراني: لا يمكن تأكيد إصابة أو مقتل ركاب مروحية


.. البيت الأبيض: تم إطلاع الرئيس بايدن على تقارير بشأن حادثة مر




.. نشرة إيجاز - حادث جوي لمروحية الرئيس الإيراني