الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يمكن للقرآن أن يكون دستوراً للعالم؟

مستخدم العقل

2008 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد اعتدنا جميعاً سماع أن القرآن هو دستور للعالم في كل زمان ومكان تماماً كما اعتدنا على سماع شعارات جماعات الإسلام السياسي بأن (الإسلام هو الحل) وأن القرآن هو دستورهم الذي يحلمون أن يحكموا به العالم. ولكني في المقابل أعتقد أن دستور أي دولة يجب أن يكون عاماً ومرناً ليصلح لكافة الظروف التي تواجهها الدولة، كما يجب أن تتميّز لغته بالدقة والوضوح والبساطة بحيث تعطي معانٍ محدّدة وواضحة لمواد ذلك الدستور.

فهل يحقّق القرآن الشروط اللازمة لأي دستور؟

للأسف الشديد فقد لاحظت وجود الكثير من الآيات في القرآن (الدستور) والتي تتحدث عن أمور خاصة وشخصية للغاية للرسول. من ضمن تلك الآيات مثلاً سورة المسد بالكامل والتي خُصصت للعن أبي لهب (عم الرسول وعدوّه) وكثيرا ماتساءلت عن فائدة وضع مثل تلك السورة في دستور العالم. فماذا سيفيد المسلمين الآن أو حتى في أي وقت أن يعرفوا أن أبا لهب ملعونٌ وأن امرأته ستدخل النار وفي جيدها حبل من مسد؟

كذلك هناك العديد من الآيات والسور الأخرى التي أراها شديدة الخصوصية للظرف الزماني والمكاني للرسول ممّا ينفي فكرة صلاحية القرآن ليكون دستوراً العالم لجميع الأزمان. من تلك الآيات التي لاأرى فائدة منها الآن الآيات التي تتحدث عن النساء اللائي يحلّ للرسول أن يتزوجهن أو تلك التي تتحدث عن المرأة التي وهبت نفسها للرسول أو تلك التي تلعن مَن يعارضون الرسول أو تلك التي تأمر المسلمين بألا يرفعوا أصواتهم أمام النبي (وكأنه يحتاج الى مساندة من الله ليكسب احترام المسلمين) والكثير من الآيات الأخرى.

بل لقد وصل الأمر أن المدافعين المحدثين عن الإسلام يدّعون أن آيات القتال التي يمتليء بها القرآن هي آيات خاصة لوقت نزولها (وفي نفس الوقت مازالوا يصرّون أن القرآن مازال دستوراً لكل زمان). من ضمن تلك الآيات شديدة العنف والتي يحاول مسلمو اليوم أن يتبرأوا منها الآية 9 من سورة التوبة التي تقول (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

وكذلك الآية 29 من سورة التوبة التي تقول (قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)

وكذلك الآية 73 من سورة التوبة والتي تتطابق تماماً مع الآية 9 من سورة التحريم حيث تقول كل منهما (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ)

أما عن السور والآيات التي نزلت في زواج الرسول وطلاقه ونكاحه ومشاكله الشخصية فهي تبعث على الدهشة والتساؤل، ففي البدء كانت هناك الآية 128 من سورة النساء التي تقول (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)، وقد اجتمع معظم علماء التفسير على أن السبب في نزول تلك الآية هو القصة الشهيرة لنية الرسول تطليق زوجته سودة بنت زمعة بعد أن أسنت (أي كبرت) فلما رأت الأخيرة نية الرسول لتطليقها رجته أن يستبقيها في مقابل أن تعطي يومها وليلتها لزوجته المفضلة (عائشة) وبالطبع لم يقبل الرسول ذلك إلا بعد نزول الآية عاليه والتي سمحت له بذلك وعليه فبناءاً على الآية كان الرسول يقسّم وقته بين نسائه بأن يقضي ليلتين مع عائشة وليلة واحدة مع نسائه الأخريات ولاشيء لسودة. والحقيقة فإن هذه الآية (بالرغم من كونها قد أتت بتشريع عام) إلا أن المقصود بها في المقام الأول كان هو حل مشكلة الرسول مع زوجته الآسنة العجوز (سودة) وفي رأيي فربما كان من الأفضل للمسلمين ألا تأتي الآية بتشريع عام حيث أنها قد فتحت الباب للزوج لقبول أية تنازلات تعطيها له الزوجة في مقابل إبقائها وعدم تطليقها.

بعد ذلك كانت الآية الشهيرة وهي الآية 37 من سورة الأحزاب التي تقول (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)، ولعلنا نلاحظ أن الآية بدأت بالتخصيص (معاتبة الرسول على إخفائه ما الله مبديهوالذي لايعلم أحد بالضبط حتى الآن هذا الذي كان يخفيه) ثم لذر بعض الملح في العيون اتجهت للتعميم بأن الغرض في ذلك هو ضرب المثل للمسلمين في عدم التحرج في الزواج من زوجة الابن بالتبني. وفي الحقيقة فإن هذه الآية تثير في رأيي العديد من الأسئلة ومنها على سبيل المثال:
1. كم عدد المسلمين الذين سارعوا بالزواج من زوجات أبنائهم بالتبني بمجرد نزول هذه الآية؟
2. لماذا لم يكتف الله بتحليل ذلك للمسلمين بدون الحاجة لأن يفعل الرسول ذلك بنفسه (الكثير من أمور التحليل والتحريم الأكثر أهمية لم يضطر الرسول إلى فعلها بنفسه)؟
3. هل كانت تلك المشكلة من المشاكل الخطيرة والملحّة في حياة الأمة بحيث يضطر الرسول إلي فعلها بنفسه لكي يقتدي به كافة المسلمين؟
4. هل تلك المشكلة أكثر خطورة أم الرق (لعلنا نلاحظ أن الرسول كان لديه العديد من الرقيق والعبيد والسبايا)؟
5. هل تلك المشكلة أكثر خطورة أم وضع أسس لاختيار طريقة الخلافة (لم يتطرق الرسول لتلك النقطة أبداً مما أدى للكثير من الخلافات والحروب بعد وفاته)؟

بعد ذلك تأتي الآية 50 من سورة الأحزاب التي تقول (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا)، ووكما نلاحظ فإن الآية مخصصة فقط لتحديد من يحلّ للرسول الزواج بها. وفي الحقيقة فقد لفت انتباهي الجزء الخاص بالمرأة المؤمنة التي وهبت نفسها للرسول (إِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَهَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

بعد ذلك يستمر الله تعالى في تنزيل الآيات الخاصة بتحليل وتحريم الزواج للرسول مثل الآية 51 من سورة الأحزاب التي تقول (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا)، وكذلك الآية 52 من نفس السورة التي تقول (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا). حتى نأتي بعد ذلك للآية 53 من سورة الأحزاب و التي تعاتب المسلمين وتحرّم عليهم النظر إلى نساء الرسول أو التفكير في الزواج منهن بعد وفاة وفاته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ). وفي نفس الوقت نجد أيضا الآيات التي توصي نساء النبي بالالتزام بالحشمة وعدم إتيان الفاحشة منها الآية 30 من سورة الأحزاب التي تقول (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ)، وكذلك الآية 32 من نفس السورة التي تقول (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا). وفي الحقيقة فإنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التساؤل حول تلك الآيات التي تأمر الرجال تارة بعدم النظر إلى نساء الرسول وتأمر نساء الرسول تارة أخرى بعدم التفكير في الإتيان بالفاحشة. فهل لتلك الآيات علاقة بكون الرسول لديه تسع زوجات في آن واحد؟ وهل رأى الله أن الرسول ربما يواجه بعض الصعوبة في السيطرة على تسعة بيوت في نفس الوقت فأنزل هذه الآيات لتكون عونا له؟

بعد ذلك نجد الآيات 11 إلى 20 من سورة النور والتي نزلت جميعها لتبرئة صفحة السيدة عائشة بعد اتهامها مع صفوان فيما يسمى بحديث الإفك. وبرغم أهمية تلك الآيات في وقتها إلا أنني لا أعرف فائدة وجودها الآن في دستور الأمة. فإذا افترضنا مثلا أن بعض الناس اتهموا زوجة رئيس إحدى الدول بخيانة زوجها فإنني لاأظن أن ذلك يستدعي وجود بند في دستور تلك الدولة لتبرئة تلك الزوجة. بالطبع قد يقول قائل إن وجود هذه الآيات هي للرد على أي شخص قد يفكر في الطعن في السيدة عائشة في أي وقت بعد مماتها وحتى الآن ولكني أقول إنه لو وُجد من يفكر في الطعن فيها فإن معنى ذلك الطعن في نبوّة الرسول (فلا يمكن لرسول أن تكون زوجته زانية) وعليه سيكون هذا الشخص طاعناً في الإسلام ككل وعليه سيكون طاعنا في القرآن أيضا مما تنتفي معه الحاجة لوجود مثل تلك الآيات في القرآن. فإن من يقرأ القرآن إما أنه مؤمن به وبالرسول وبالتالي لا يحتاج إلى أدلة لإثبات براءة عائشة (وكان يكفي أن يبرئها الرسول) أو أنه غير مؤمن به وعليه لا تكون تلك الآيات حُجة عليه. فما هو الداعي لوجود تلك الآيات؟.

في النهاية فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يمكن أن يكون القرآن دستورا للعالم أجمع في كل زمان بينما هو مليء بالآيات شديدة الخصوصية بالظرف الزماني والمكاني لنزوله؟

أما السؤال الأكثر خطورة فهو عمّا إذا كانت آيات القتال التي يمتليء بها القرآن هي أحكام عامة (فيكون الإسلام بعيد كل البعد عن التسامح أو روح العصر) أو هي أحكام خاصة لوقت نزلها (مما ينفي عن القرآن كونه دستورا).










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن