الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شارع الرشيد / ذكريات بغدادية

عدنان الظاهر

2008 / 6 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


جمال حيدر وشارع الرشيد

لا من شك ٍّ أنَّ ما ذكره الأستاذ جمال حيدر ( في موقع المجلة الأسبوعية ) عن تأريخ ومعالم شارع الرشيد في بغداد لأمر طريف ممتع ومفيد لكل من يُعنى بتأريخ مدينة بغداد وما مرَّ بها من أحوال وظروف متباينة منوعة لكن ... مع كل ذلك وردت أخطاء في هذه المقالة الطريفة لا أعرف أسبابها ... أخطاء في بعض التواريخ وأخطاء غير قليلة فيما يخص أماكن المحلات أو دور السينما وما إلى ذلك . أبدأ بمحاولة إغتيال عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد : ذكر الأستاذ جمال حيدر أنها وقعت عام 1961 في حين أنها وقعت شهر أيلول أو ( تشرين الأول ) من عام 1959. ثم إختلطت أمور محلات هذا الشارع على الأستاذ جمال فعين موقع شارع المتنبي قبل سوق الصفافير من جهة الباب الشرقي . يتفرع هذا الشارع من شارع الرشيد بعد جسر الشهداء في إتجاه باب المعظم والميدان لا
قبله . كذلك الأمر بالنسبة لمحل إسطوانات جقمقجي . حدد الأستاذ جمال مكانه في بدايات شارع الرشيد من الباب الشرقي نزولاً نحو الميدان . الصواب أنَّ هذا المحل الشهير يقع كشارع المتنبي بعد جسر الشهداء وسط عدد من المقاهي المعروفة ليس بعيداً عن جامع الحيدرخانة من الجهة المقابلة لهذا الجامع . ثم ما كان الرصافي في تمثاله متوجهاً صوب الكرخ من بغداد وإنما كان برأسه وكامل جسده الضخم متجهاً نحو جهات باب المعظم . فات الأستاذ جمال ذكر العديد من المحلات الشهيرة المحصورة بين جسر الشهداء وباب المعظم منها سوق الأمانة المتخصص ببيع أفخر أنواع الفاكهة وأغلاها خاصة المستورد من لبنان منها . كما إنتشر في هذه المنطقة القصيرة نسبياً عدد كبير من المقاهي والفنادق الشعبية البسيطة
( مائة فلس لليلة الواحدة ) . ثم فاته ذكر المدرسة الإيرانية التي كان أحد المدرسين فيها الرياضي ربّاع الحديد الإيراني السيد جعفر سلماسي . يسبقها محل أو محلان مرتفعان بشكل ملحوظ لصبغ الأحذية . كما كان هناك أحد أشهر مطاعم بغداد ( مطعم الشمس ) . شَهُر هذا المطعم أوائل خمسينيات القرن الماضي بتنوع ما يقدم لزبائنه من أكلات لا وجودَ لها في بقية المطاعم البغدادية فلقد أدخل اللبن والرقي وكبة البرغل وكبة حلب وغيرها من الطبخات المستطرفة والدجاج المفلّس فوق الرز . لذا كان المطعم المفضَّل للمثقفين ومتوسطي الموظفين ولا سيما ضباط الجيش العراقي وبالأخص الشباب منهم ... وكنت من بين أحد مرتاديه الدائمين برفقة أخي الضابط الشاب يومذاك . قبل وبعد هذا المطعم كانت هناك سلسلة من محلات بيع القيمر مع الدبس أو العسل أو خليطهما كفطور سريع في الصباحات الباكرة مع كوب شاي ـ حليب وصمونة حارة . أغلب مرتادي هذه المحلات صباحاً من صغار الموظفين والجنود وضباط الصف وطلبة الكليات التي كانت منتشرة حوالي ساحة باب المعظم أو قريباً منها مثل كلية الهندسة وكلية الملكة عالية ثم كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان . بجوار المدرسة الإيرانية كانت مقهى حسن عجمي ملتقى المثقفين والأدباء والشعراء وطلبة الكليات وقرّاء ( العشت ) ... الذين يقرأون الصحف اليومية ولا يبتاعونها ولا يدفعون حقوق أصحابها من صغار الباعة المتجولين أتذكر أحدهم كنا ندعوه ( عنيّد ) . بجوار هذا المقهى يقع محل ( مرطبات الحاج زبالة ) المختص بتقديم شربت الزبيب ذي اللون الخاص . مقابل مقهى حسن عجمي زقاق ضيق في مدخله نداف يرفع على محله لافتة كبيرة تقول (( منجِّد القصور الملكية الخاص )) أي ندّاف القصور الملكية الخاص . في هذه الجهة المقابلة للمقهى الشهير كان هناك حلاقان أحدهما حكمت محمود الحلي الشاب الوسيم الطيب الذي جعل من صالون حلاقته ملتقى أهل الحلة من ضباط وموظفين وطلبة كليات ومراجعين للدوائر الحكومية وكان خير عون للجميع لا يبخل بمساعدة أو خدمة . ليس بعيداً عن صالون حكمت كان هناك المصور البارع الأرمني هاكوب هاكوبيان الذي هاجر أواخر خمسينيات القرن الماضي إلى أمريكا . وكان هذا مصوري المفضل إذ ْ إلتقط لي أفضل صوري التي لم أزل أحتفظ بها . في نفس هذه الجهة من شارع الرشيد وليس بعيداً عن ستوديو هاكوب للتصوير إفتتح شاب غريب مجهول محلاً صغيراً للتصوير بإسم ( المصور مصري ) . كانت في حوزة هذا المصور آلة تصوير حديثة متطورة حتى أنه بفضلها نافس وبزَّ جميع مصوري بغداد المعروفين بما إلتقط بها من تصاوير تثير العجب العجاب . رأيت مرةً من بين معروضات صوره تصويراً غايةً في الجودة والإتقان لإحدى معيدات كلية الطب عام 1954 فدخلت على الفور محله وسألته أنْ يلتقط لي صورة ... قال إن َّ ست نسخ ستكلفك كثيراً ... تكلفك ديناراً بدل نصف الدينار المألوف في بقية المحلات ! ضحكت عليه وقلت له : هيا ... إذا صورتني كما صورت َ هذه السيدة الجميلة فسوف أعطيك دينارين بدل الدينار الواحد . تبادلت وإياه أطراف الحديث فسألته من أنت ؟ قال إنه باكستاني مولود في مصر !! لم يطل مكوث هذا المصور كثيراً في بغداد للأسف الشديد . يتفرع مقابل أستوديو المصور مصري من الجهة الأخرى لشارع الرشيد شارع يؤدي إلى مجمع القشلة وفيه مديرية شرطة بغداد والمحاكم بإتجاه جسر الشهداء والبريد والإعدادية المركزية ونادي الضباط بإتجاه باب المعظم . إذا تركنا ستوديو الباكستاني ومشينا قليلاً بإتجاه باب المعظم يلاقينا مطعم كبير نظيف منتظم الكراسي يقدم في الصباح أكلات لا يقدمها سواه من مطاعم بغداد ... أذكر منها أكلة الداطلي والكاهي الحار المحشو بالقيمر... تليه محلات وبيوت الدعارة الشهيرة على نطاق العراق المسماة ( كلجية ) أو ( المنزول ) أو ( الكرخانة ) أو
( كوك نزر ) أو ( عكد النجفي ) وربما غيرها من الأسماء والنعوت . كانت هذه الدور تمتد حتى الساحة المأمونية والمدرسة المأمونية . يقال إنَّ المرحوم معروف الرصافي أمضى في أحد دور الدعارة هذه فترة من أواخر عمره قبل رحيله إلى الفلوجة . مقابل هذه المحلات نهض مطعم آخر حديث نافس مطعم الشمس من حيث جودة وتنوع قائمة ما يجهز من أكلات . إسم هذا المطعم هو مطعم العاصمة وفوقه فندق العاصمة . بعد هذا المطعم وعلى ذات جهته كان هناك ملهى ليلي شهير ( تياترو ) كانت لميعة توفيق وربما زهور حسين تغنيان فيه وكان أغلب مرتاديه من شيوخ عشائر جنوب العراق . كانت بالطبع هناك وزارة الدفاع وفي واجهتها الأمامية سلسلة من محلات بيع الفطور الجاهز والمصور حليم ومقهى كبير يتمدد صيفاً إلى السطح بتخوته وحصرانه من القصب المجفف التي تترك آثاراً عميقة في ملابس زبائن المقهى إذا أطالوا الجلوس هناك . مقابل وزارة الدفاع كذلك كانت هناك مقهى كبيرة كان أكثر مرتاديها من الأخوة التركمان وكنتُ أعرف بعضهم لكني ما كنت أعرف لماذا يفضلون الجلوس في هذه المقهى . كما كنتُ أرى في أغلب الأيام من بين زبائن المقهى مطرب المقام العراقي يوسف عمر مرة ً بالعباءة والجراوية ومرة ً بملابس الأفندية مع سدارة فوق رأسه يداعب بيده حبات مسبحة كهرب جميلة اللون . كنت أحييه مداعباً : شلونك أبو يعكوب ؟ يرفع رأسه ثم يقول بصوته الأجش العميق : هلو . وكان يسكن داراً قريبة ً من هذه المقهى في زقاق يتفرع من جنبها يحمل لوحة خشبية بإسم (( يوسف عمر )) . كانت باب بيته في الصيف مُشرعة ً يلاعب الهواء ستارة بيضاء معلقة فوق مدخل البيت لتستر ما وراءها . مقابل هذه المقهى تقريباً يتفرع الشارع المفضي إلى مجمع كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة وتقع في مدخله مستشفى المجانين المسماة (( الشماعية )) .
لعلي أخطأتُ في التوصيف أو تعيين بعض الأمكنة أو نسيت البعض الأخر منها فذلك أمر طبيعي جداً وقد غادرت العراق شهر تموز عام 1978 ولم أعدْ إليه حتى اللحظة الراهنة ! أترك أقسام شارع الرشيد الأخرى لغيري من عشاق بغداد وحَمَلة همومها من الأخوة البغادّة أو البغداديين والمتبغددين والأغنية تقول [[ يتبغدد عللي يحبّو ]].











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس