الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاجة إلى نتشه

مزاوي محمد

2008 / 6 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا جرم أن نتشه رغم الليل الرهيب الذي يكتنف فلسفته، إلا أنه يظل يطل كالنجم الثاقب من خلال العتمة، وشفيعه الأدب النضير، والقلم المزهر، والفكرة الخلاّقة، لذلك ظلت فلسفته مند بداية القرن الماضي موضوع بحث، ومصدر استلهام في الفكر الفلسفي المعاصر.
ورغم ذلك؛ فإن هذه الفلسفة لم تحظى بعد باهتمام كبير في الفكر العربي المعاصر، وأقصد بهذا الاهتمام ليس كثرة أو قلة الأطروحات الأكاديمية بالجامعات العربية، ولكن ما أقصده هو تغلغل فكره في أدهاننا المشحوذة بأوهام نسينا أنها كذلك.
رغم أن أكثر أطروحات نتشه تتميز بالقوة والصلابة، والندرة، والعمق تارة والعقم تارة أخرى، واحتقار الأخلاق والمبادئ السامية، رغم أنه قلب الفكر والواقع رأسا على عقب، إلا أنه يظل بالنسبة لنا كدواء مقوّ وهواء طلق، وريح منعشة، حيث يقول: "إذ من يعرف كيف ينعم بأنفاس كتاباتي يشعر بأنها اتّسام السمو، ونفحات القوة" ويضيف: "إن أسلوبي رقصا ورماحا وطعنا ولغتي سخية كريمة وعصيبة عنيفة، إنه أسلوب لاعب السيف بسرعته ولمعانه".
نعم ما أحوجنا اليوم إلى نتشه، ليس للإطاحة بهذه الأوثان المتغلغلة في أذهاننا فقط، ولكن أيضا لأجل إعادة قراءة تاريخنا، حاضرنا ومستقبلنا بطريقة خاصة وإيجابية، لأجل قلب كل قيمة مقبولة وفكرة مألوفة، والسخرية أيضا من كل فضيلة رثة.
نعم ما أحوجنا اليوم إلى نتشه، ليس لحفظ عباراته الأدبية القوية واستعراضها على مسامع جاهليها، ولكن من اجل إعادة النظر في التربية العربية للأبناء هذه الأخيرة التي تستند على الضعف والوهن والخمول والتي تظهر أثارها بين الفينة والأخرى على مواقفنا الفكرية، كما على قراراتنا السياسية..إن فلسفة نتشه لقادرة إذن على الإطاحة بالضعف والخمول والترهيب والترعيب في تنشئة أبنائنا الاجتماعية، هذه التربية التي تؤثر بشكل كبير على الإنسان العربي وهو ابن العشرين سنة كما وهو ابن الخمسين في ومواقفه العادية وأحاديثه عن الذات والآخر، كما في قراراته وعلاقاته وتداوته مع غيره.
نعم قد نعيب على نتشه رفضه لمبدأ الديمقراطية وحكم الأغلبية، كما قد نعيب عليه رفضه للحب كشعور خفي يتجول في كل مكان ويطوف الدنيا بحثاً عن فرصته المنتظرة ليداعب الإحساس والمشاعر، بقوله: " إن الحب لحثالة الرجال"، كما قد نعيب عليه أيضا نظرته إلى المرأة التي يقول فيها: " لم تبلغ المرأة ما يؤهلها للوفاء كصديق، فما هي إلا هّرة وقد تكون عصفورا، وإذا هي ارتقت أصبحت بقرة.". ولكن في المقابل قد نعلي من شأن الرجل عندما نتتبع الثورة التي أحدثها خلال القرن العشرين في أوروبا، كما في أمريكا، وبشكل خاص التأثير الذي مارسه على كل من؛ مارتن هيدجرM. Heidegger، وكارل ياسبرز K. Jaspers، وأوجان فانك E. Fink وميشال فوكو Michel Foucault وجيل دولوز Gilles Deleuze ، وجاك دريدا Jacques Derrida، ومدرسة فرانكفورت، وخاصة في المرحلة التي جاءت بعد الحرب العالمية الثانية في كل من فلسفة ماركيوز Herbert Marcuse وادورنو Adorno وهوركهايمر Max Horkheimer وغيرهم كثير ممن تشبعوا بأفكار نتشه وتأثروا به.
نعم ما أحوجنا إلى نتشه اليوم قبل أي وقت مضى، ليس فقط لأنه كان له الدور الكبير في إنعاش الفكر الغربي خلال قرن بأكمله من الزمن ولا لأن أفكاره قادرة على تحرير الفكر، وحرية التعبير، والكلام التي يتم إلجام أصحابها اليوم كما حدث لجريدة " الوطن الآن"، ولكن أيضا لأن مبدأه يحتوي على كثير من الحقائق الضرورية للحياة، ولأبناء الأمة العربية، حيث يتسنى لهم تشيد الذات بشحذ الأنفس بالقوة، وغرس المبادئ التي تصب في كل ما من شانه إعادة الإرادة والرغبة وقوة النفس وحماستها، قصد تحبيب الحياة والنشاط والحيوية، عوض رمي أنفسنا في البحر تحت ذريعة البحث عن الجّنة المفقودة في الوطن، او قتل الناس وإرهابهم بغير حق تحت ذريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نعــم ما أحوجنا إلى نتشه اليوم أكثر من أي وقت مضى من أجل تربية الأطفال على القوة وخلقهم بهذه الصفات خلقا جديدا، وسحق الانحطاط في النفوس والهمم والأمم.
لأجل كل ما أسلفنا ذكره، فنحن بحاجة إلى نتشه من اجل البناء والهدم، نعم إننا بحاجة إليه، لأننا نحتاج إلى فأس وقلم - بلغة ماوتسي تونغ- فأس لحفر ونبش هذا الذي ورثناه من أسلافنا وقلما لبناء ثقافة وفكر جديدان يكونان متفقان مع أحوال العالم الحاضر ومحققان لمقتضيات هـذا العصـر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر