الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم في القدس المحتلة.. واقع وتطلعات

ديمة جمعة السّمّان

2008 / 6 / 13
التربية والتعليم والبحث العلمي


القدس .. كانت ولا زالت محط أطماع الغزاة عبر التاريخ.. فهي مهد الديانات السماوية الثلاث.
ومن هنا .. انطلقت المخططات الإسرائيلية المدروسة والمبرمجة مستهدفة القطاعات المختلفة بهدف السيطرة الكاملة على مناحي الحياة كافة في المدينة المقدسة.. مستغلة الأوضاع الإقتصادية الصعبة الذي يعيشها الوطن.
ومما زاد الأمور تعقيدا، غياب المرجعية في بعض القطاعات، وتعددها في أخرى.. بالإضافة إلى عدم وضوح الرؤيا، أو حتى وجودها أصلا، بخصوص مصير العاصمة الفلسطينية .. مما انعكس سلبا على قطاعاتها المختلفة .. وتسبب بالشلل لبعض القطاعات ، وبالتلاشي التدريجي للقطاعات الأخرى.
وباعتبار قطاع التربية التعليم من أهم القطاعات وأكبرها.. فقد كان على سلم أولويات الإستهداف الإسرائيلي، يهدف إلى ضرب عروبة القدس وأسرلتها.
وقد بدأ قطاع التعليم يتجه نحو كارثة حقيقية بعد استكمال بناء جدار الفصل والتوسع الإسرائيلي.. والذي فصل الرأس عن الجسم الفلسطيني.ومنع الفلسطينيين من حملة هوية الضفة الغربية من دخول القدس والتعليم في مدارسها.. مما أدى إلى نقص حاد في الخبرات والتخصصات لدى المعلمين.
وعلى صعيد أخر أدى تدني نسبة الرواتب في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم العالي في القدس، وتعمل تحت مظلة الأوقاف الإسلامية، إلى الإحجام عن التقدم للعمل فيها.. والتوجه إلى مدارس المعارف وبلدية الإحتلال الإسرائيلي، أو نحو المدارس الخاصة التي تتلقى دعما ماليا من بلدية الإحتلال ، حيث أن الرواتب في المدارس التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية لا تلبّي الحد الأدنى للعيش الكريم بالنسبة للمعلمين ، بسبب حجم الضرائب وإلإيجارات المرتفعة والتأمينات الإجبارية والأسعار العالية، والتي دفعت بحامل هوية القدس إلى البحث عن بديل يتناسب وغلاء المعيشة في القدس.
إنّ الهموم المقدسيّة كبيرة .. والإنتهاكات التي تُمارس بحق المواطن المقدسيّ من قبل سلطات الإحتلال لا تعدّ ولا تحصى، تمسّ بحقوقه.. خاصة وأنّه وفق القانون الإسرائيلي يعتبر (مقيم) وليس مواطن. ومن هذا المنطلق حاولت حرمانه من حقه في تلقي نوعية التعليم الذي يرغبه لأبنائه، من خلال فرض المنهاج الإسرائيلي بعد حرب حزيران 1967، (فور صدور قرار ضم القدس بعد احتلالها). إلا أن الوقفة الفلسطينية الباسلة، والرد الفلسطيني الوطني الواعي والحاسم والجريء، كان رافضا متحديا، حيث تم إنشاء مدارس الأوقاف الإسلامية مطبقا المنهاج الأردني ( في ذاك الوقت). ونتيجة لذلك تم التراجع عن قرار وزارة المعارف الإسرائيلية.. وتم تدريس المنهاج الأردني في مدارسها داخل شرقي القدس .
مع العلم أن فرض المنهاج الأردني في المدارس في حينه .. ومن ثم إعداد منهاج فلسطيني يتناغم والخصوصية الفلسطينية عام 2000م.، لم يمنع المحاولات الإسرائيلية المستمرة فرض المنهاج الإسرائيلي، والتي تتراوح حدتها وفقا لكل مرحلة ، مستغلّة الظروف والأزمات السياسية والمالية، لتمرير ما تبتغيه من خلال كتبها المدرسية.مع ضرورة الإشارة إلى أن سلطات الإحتلال قامت بإزالة شعار السلطة الفلسطينية عن إصدارات الوزارة ( قبل إدخالها إلى مدارسها وتوزيعها على الطلبة)، كما قامت بحذف العديد من المفاهيم والقيم الفلسطينية الوطنية، ومنعت تدريس كتب التربية الوطنية واستبدلتها بالمدنيات التي تأتي بمحتوٍ يشوّه الحقائق الجغرافية ويزيّف الحقائق التاريخيّة، ويطمس ويشوّه عقيدتنا الإسلامية وإرثنا الحضاري والثقافي ، وذلك كتحدّ سافر لهويّتنا الفلسطينية، مخالفا ( للمادة الرابعة ) من اتفاقية حقوق الطفل ، التي تنص على اتخاذ التّدابير التشريعية الإدارية لاعمال الحقوق الإجتماعية والإقتصادية والثّقافية ، كما تتنافى مع المادة الثلاثين من الإتّفاقيّة نفسها ، التي تكفل للطفل وأسرته التمتع بثقافتهم.
إن الإجراءات التي تمارسها إسرائيل في القدس تستهدف النّيل من الطفل والأسرة العربية في المدينة، تتعمّد إيذاء الأطفال على وجه الخصوص، كونهم يشكّلون الإمتداد الطبيعي للوجود العربي في المدينة المقدّسة.
وعلى الرغم من جميع الصعوبات التي تواجه التعليم الفلسطيني، لم تخلُ البيئة المدرسية من المعيقات التي تعكس واقعا يزيد من أزمة التعليم في القدس، حيث أن المباني المدرسية القائمة هي عبارة عن بنايات قديمة ، غير مؤهلة لاستيعاب الطلاب بأعداد كبيرة، كما أن صفوفها مكتظّة، وتفتقر لوجود ساحات وملاعب، إضافة إلى أنه لا تتوافر فيها الشروط الصحية ،وتفتقر إلى المرافق التعليمية المناسبة كالمكتبات والمختبرات.
مع العلم أن سلطات الإحتلال ترفض منح تصاريح بناء مدارس.. وبالتالي تتفاقم الأزمة يوما بعد يوم.. يدعمها وجود الضائقة المالية التي تهدد تطوّر واستمرارية مدارسنا.. حيث أن مبلغ الإيجارات السنوية المستحقة لمدارس القدس فقط ، يزيد عن 800 ألف دولار أمريكي.
كما أنّ عدم توفر الإشراف الطبي والنقص في خدمات الإرشاد الطلابي يزيد من حجم الأزمة.. ويتسبّب في تفشّي بعض الظواهر السلبية ومظاهر العنف والإنحراف بين الشباب،- والتي يعمل الإحتلال على تغذيته بشتى الوسائل- مما يتطلب إيلاء هذه القضايا اهتماما خاصا من خلال تنظيم برامج التوعية والإرشاد وخلق البرامج الهادفة التي تستفيد من جهود الطلبة في عملية التطوير والتنمية المجتمعية، والتي ستساهم حتما بالتقليل من تلك الظواهر السلبية ..وتزيد من ارتباطهم وانتمائهم للمدرسة.. وهذا يشكل حصانة لهم –قد تكون غير مباشرة - ضد التسرب.حيث أن نسبة التسرب بين الجنسين عالية في المرحلة الثانوية تصل إلى حوالي 3.3% في ( المدارس الحكومية والخاصة).أما في (مدارس المعارف الإسرائيلية) فتصل إلى حوالي 10%.
ونشير هنا إلى أن للتسرب عدة أسباب إضافة إلى ما ذكر.. من أهمها الظروف الإقتصادية والإجتماعية والفشل في الدراسة ..الخ.
كما أنه من الصعب غض الطرف عن طبيعة العلاقة ما بين المدرسة وأهالي الطلبة، والتي من الملاحظ أنها غير تربوية وغير سليمة، فليس هناك تنسيق وتكامل في الأدوار، إضافة إلى وجود تدنّي إهتمام واضح لدى (بعض) أولياء الأمور في متابعة شؤون أبنائهم التعليمية التربوية.ويعود ذلك إما بسبب الأوضاع الإقتصادية الصّعبة وازدياد متطلبات الحياة ، أو لأن بعض أولياء الأمور لا يضعون التعليم على سلم أولويات اهتماماتهم، كونه نوعا من الإستثمار – بعيد الأمد- في فلذات أكبادهم ، لا يقطفون ثماره قريبا.
وأخيرا وليس آخراً.. رغم كل المعيقات التي تقف في طريق سير العملية التربوية التعليمية في القدس الشريف للوصول إلى بر الأمان .. استطاعت وزارة التربية والتعليم العالي- بحمده تعالى- الحد من تغلغل سلطات الإحتلال الإسرائيلي إلى داخل المؤسسات التعليمية في المدينة المقدسة حتى اليوم ..وللإستمرارية .. علينا الحفاظ على مدارسنا الحكومية / تحت مظلة الأوقاف الإسلامية،- والتي على الرغم من أن طلبتها لا يشكلون سوى 17% فقط من طلبة شرقي القدس – إلا أنها تعتبر صمام الأمان الذي يحفظ هويتنا الوطنية .. ويضمن تدريس مناهجنا الفلسطينية في المدارس على اختلاف أجهزة الإشراف عليها.. وذلك يتطلب إقرار من أعلى المستويات بوضع وإعتماد موازنة خاصة لقطاع التعليم في القدس.. والعمل على وضع خطة قابلة للتنفيذ على المدى القريب لتحسين رواتب المعلمين من حملة هوية القدس.. ومنح العاملين الإمتيازات الضرورية ، كل حسب وظيفته.
ما دون ذلك سنخسر حتما ما تبقى من هذا القطاع .. فلا معلمين ولا طلبة ولا أبنية ولا تلبية لاحتياجات المديرية والمدارس والمصاريف الجارية.
كل هذا يتطلب منا شعبا وقيادة ..وقفة مع الذات لتقييم الوضع الحرج للمدينة المقدسة .. وبالتالي وضع استراتيجية شاملة للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات وطنية فاعلة .. تدفع باتجاه الوجود العربي الفلسطيني .. فلا زالت القرارات تؤخذ بصورة ارتجالية بعيدة كل البعد عن التخطيط المدروس والذي يسهم في إبعادنا عن الهدف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشيف عمر.. طريقة أشهى ا?كلات يوم الجمعة من كبسة ومندي وبريا


.. المغرب.. تطبيق -المعقول- للزواج يثير جدلا واسعا




.. حزب الله ينفي تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي بالقضاء على نصف


.. بودكاست بداية الحكاية: قصة التوقيت الصيفي وحب الحشرات




.. وزارة الدفاع الأميركية تعلن بدء تشييد رصيف بحري قبالة قطاع غ