الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا:تناقض العلمانية والديموقراطية

محمد سيد رصاص

2008 / 6 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في نص ،يعود إلى شهر آب1927، يعزو جوزيف ستالين تقديم المساعدة السوفياتية لمصطفى كمال (أتاتورك)إلى"نضال أنقرة ضد الإمبريالية"،بالرغم من اضطهادات أتاتورك للشيوعيين الأتراك،حيث سوَغ ستالين هذه المساعدة (والتعاون)بأن صدام أنقرة مع الغرب كان"يبعثر قوى الإمبريالية ويضعفها وينزع تيجانها،مما يتيح مجالات النمو لمركز الثورة العالمية،أي نمو الإتحاد السوفياتي"نقلاً عن مكسيم رودنسون:"الماركسية والعالم الإسلامي"،دار الحقيقة،بيروت1982،ص332.
لم يكن التلاقي بين النظامين السوفياتي والأتاتوركي مقتصراً على تلاقيات السياسة الخارجية- ولوأنهما افترقا بعد ذلك منذ أوائل الثلاثينيات- بل امتد ذلك إلى طبيعة النظامين الشموليين،اللذان حاولا عبر آلة السلطة إعادة صياغة- وهندسة-الإقتصاد والمجتمع والفرد والثقافة والعادات،وقد كانت مظاهر عبادة أتاتورك،ودور حزب الشعب الجمهوري،تذكر كثيراً بماكان يجري في الفترة ذاتها بموسكو،كماكانت الراديكالية العلمانية داخلة في صدامات مع الدين والمؤسسة الدينية ومعتقدات المتدينين وشعائرهم ومظاهر حياتهم بأشكال وحدود فاقتا ماكان يجري عند نظام ستالين.
تداعى هذا في النصف الثاني من الأربعينيات،لما لم تستطع تركيا الإنخراط في المعسكر الغربي،بظرف بدء الحرب الباردة ضد موسكو،عبر الآستمرار في نظام الحزب الواحد وعبر الإستمرار بالنزعة الإقتصادية المركزية،ماأجبر خليفة أتاتورك،أي عصمت إينونو،على القبول بالإنتخابات والتعددية الحزبية،ليهزم حزب أتاتورك هزيمة مدوية في انتخابات1950أمام الحزب الديموقراطي بزعامة عدنان مندريس،الذي انتهج التحالف مع الغرب،واقتصاد السوق،وأعاد ادخال مادة التربية الدينية للمناهج الدراسية ،وأعاد فتح مدارس الشريعة،وسمح برفع الآذان باللغة العربية،مستنداً إلى قوى اجتماعية ناخبة تركزت أساساً خارج المدن الثلاث الكبرى،عند المدن الصغرى وفي ريف الأناضول.
لم يستطع الأتاتوركيون مواجهة ذلك عبر دورتين انتخابيتين لاحقتين،ليلجأوا- بدلاً من الإنتخابات- إلى الإنقلاب العسكري في شهر أيار من عام1960،ويقوموا بإعدام مندريس وكبار قادة حزبه بالعام التالي،الذي فرضوا فيه دستوراً،وضع هيئة حاكمة عليا مؤلفة أساساً من كبار قادة الجيش هي(مجلس الأمن القومي)،ثم هيئة قضائية رديفة سميت ب(المحكمة الدستورية العليا)،لتصبحا هما الحاكمان الخفيين للمشهد السياسي التركي،الذي سُمح له بالعودة إلى التعددية الحزبية منذ عام1965،حيث كانت هاتين الهيئتين طوال الأربعة عقود الماضية المحددتان للسقوف والمحظورات والممنوعات عبر انقلابات 1971 و1980(ضد اليساريين بالإنقلابين مع حظر الأحزاب التقليدية لفترة مؤقتة على إثرهما)وانقلاب28شباط1997الأبيض ضد رئيس الوزراء نجم الدين أرباكان،وماأعقب الإنقلاب الأخير من عودة عن اجراءات مندريس حيال مدارس الشريعة ،وحظرٍ لحزب أرباكان،أي(الرفاه)،حيث انشقَ عن خليفته،أي( حزب الفضيلة)،رجب طيب أردوغان مؤسساً(حزب العدالة والتنمية)في آب2001.
كان فوز حزب أردوغان،في انتخابات3تشرين الثاني2002،مختلفاً،حيث ترافق ذلك مع اضمحلال قوة الأحزاب اليمينية المحافظة،مثل (حزب الطريق القويم)-مؤسسه سليمان ديميريل- و(حزب الوطن الأم)- مؤسسه توركوت أوزال- ،ليبقى في وجهه بالبرلمان حزب واحد هو حزب أتاتورك القديم،أي(حزب الشعب الجمهوري)،حيث استند أردوغان إلى قوة انتخابية كبرى تركزت في مدن وريف الأناضول وعند مدن ساحل البحر الأسود،وعند الأكراد30%من الأصواتوفي الأحياء الفقيرة من أنقرة وفي القسم الآسيوي من استانبول.
استمرت فترة السماح،التي أعطاها(مجلس الأمن القومي)و(المحكمة الدستورية العليا) لأردوغان،إلى يوم27نيسان2007،لماصدرت مذكرة هيئة رئاسة الأركان حول المخاطر القائمة على النظام العلماني،وماأعقبها من قرار(المحكمة الدستورية العليا)بضرورة توفر نصاب الثلثين بالبرلمان في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لمنع ترشح عبدالله غول- مع أن ذلك لم يطبق في انتخاب أوزال عام1989 وفي انتخاب ديميريل في1993- ،ماأدى إلى حل البرلمان والدعوة لإنتخابات عامة في شهر تموز،عاد من خلالها حزب أردوغان أقوى(46%من أصوات المقترعين)فيماأصبح في البرلمان أربعة أحزاب بدلاً من اثنين،حيث تجاوز حاجز10%من الأصوات أيضاً حزب أتاتورك و(الحركة القومية)و(حزب مجتمع الديموقراطية)الموالي لحزب عبدالله أوجلان.
قاد هذا إلى تجاوز عقدة الثلثين في انتخابات رئيس الجمهورية،ليصل لقصر أتاتورك رئيس اسلامي زوجته محجبة،مُنعت في زمانها من الدخول للجامعة بسبب رفضها نزع الحجاب عند بابها لتذهب بدلاً من ذلك للدراسة في الولايات المتحدة،ثم ليتجرأ(حزب العدالة والتنمية)،من خلال تلك النتائج الإنتخابية،على اقتحام محرمات الأتاتوركية ليستطيع بالتعاون مع القوميين والأكراد تأمين ثلاثة أرباع أصوات البرلمان في أوائل العام الحالي لتمرير قانون يسمح للمحجباتثلثا فتيات ونساء تركيا محجباتبأن يدخلن بحجابهن إلى حرم ومقاعد الجامعة.
أدى هذا إلى دخول مجابهة الإسلاميين والعلمانيين مرحلتها القصوى:رُفعت دعوى بإلغاء القرار البرلماني أمام(المحكمة الدستورية العليا)،ثم أُتبعت بدعوى أخرى لحظر الحزب الحاكم،ليأتي قرار هذه المحكمة الصادر مؤخراً بنقض قرار البرلمان مؤشراً إلى قرب صدور قرار ثاني بحظر حزب رجب طيب أردوغان.
من الواضح،عبر مسار خمسة وثمانين عاماً من الأتاتوركية،أنها أيديولوجية علمانية تضع معايير وسقوف وحدود أمام السياسة والمجتمع والفرد،تحاول قولبة الجوانب الثلاثة الأخيرة من خلال ذلك:لما تجاوز اليساريون- الذين كانت كل أحزابهم ممنوعة حتى بداية القرن الحالي- الحدود،المحددة أتاتوركياً،للسياسة،قام العسكر بانقلابي1971و1980،فيمالما قام اليمينيون المتدينون المحافظون على طراز مندريس(الذي خرج من عباءة حزبه بعد عام1960كل من سليمان ديميريل وتوركوت أوزال ونجم الدين أرباكان)،والإسلاميون،بتجاوز الحدود، المرسومة أتاتوركياً، للسياسة والمجتمع والفرد قام الجيش- المدعوم من العلمانيين المدنيين- بانقلابي1960و1997،ويبدو أنهم ينوون الآن إعادة السيناريو،ولوبشكل"ما"،مع أردوغان.
كل ذلك يقود إلى طرح اشكالية لم تناقش بعد،بعمق وجدية،في الفكر السياسي العربي،الحديث والمعاصر: ألاتؤدي تجربة الأتاتوركية،الآتية من التجربة العلمانية الفرنسية،إلى نقض"الترابط"الذي يقيمه الكثير من اليساريين العرب ونظرائهم الليبراليين- الآتون بمعظمهم الآن من تجارب ماركسية أوستالينية سابقة- بين العلمانية والديموقراطية مشترطين التلازم بينهما ومعتبرين تحقق الأولى شرطاً للوصول إلى الثانية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة