الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير العراق، استعباد المرأة !

عمار شريف

2004 / 1 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


 أصدر مجلس الحكم يوم 13 من كانون الثاني قراراً تحت رقم 137 يقضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي واحلال قانون جديد محله طبقاً للشريعة الاسلامية. ليس غريباً أن يصدر مثل القرار الرجعي ومن العيار الثقيل عن مجلس يشكل الاسلاميون غالبيته الى جانب القوميين والحزب الشيوعي العراقي (الإسلاقومي). هكذا ودون ضجة ودون اعتراض داخل مجلس الحكم  صدر هذا القرار. وليس غريباً أيضاً أن يواجه مثل هذا القرار كل هذا الاحتجاج الواسع من قبل النساء والقوى الانسانية والمتمدنة والتقدمية في المجتمع العراقي. فليس المجتمع العراقي باللقمة السائغة التي يبلعها الحكيم وأضرابه.
شركاء أمريكا في حربها الدموية وحصارها الاجرامي، اللذين وقفت البشرية المتمدنة ضدهما، جاءوا على ظهر الدبابة الامريكية لتهديهم حكومة بوش مجلساً مهذباً إزاء اسياده مستأسداً على العراقيين. هؤلاء الشركاء هم الذين أصدروا ذلك القرار الذي يكشف عن هوية الجماعات التي يضمها مجلس الحكم ومدى معاداتها للحقوق الاساسية للمرأة والحقوق المدنية والفردية. أعتبر القرار لاغياً لأن الحاكم الأمريكي ألغاه واستخدم الفيتو ضده. حيث تتطلب قرارات مجلس الحكم موافقة الحاكم الأمريكي لكي تدخل حيز التنفيذ.
رفضت نساء العراق هذا القرار فوراً وخرجت 80 منظمة نسوية في تظاهرات للتعبير عن سخطها واحتجاجها عليه والمطالبة بإلغائه. يقول المثل، أول الغيث قطر. وهكذا كان، فقد بدأ مجلس الحكم أولى أيامه باعلان بشرى الاستمرار بالعمل بعقوبة الاعدام وعلى لسان اياد علاوي عندما كان رئيساً للمجلس. اعتقد المجلس انه متخم بالحكمة وفسر مطلب تغيير قوانين حكومة البعث بتغييرها الى تطبيق الشريعة الاسلامية، وهذه رغبة المجلس طبعاً. ولكنه تناسى ان مطلب تغيير قوانين حكومة البعث الرجعية إنما هو في ذاته يدعو الى احلال قوانين تقدمية ومتمدنة تراعي وتضمن أوسع الحقوق المدنية والفردية والحريات السياسية. وهذا لايعني سوى إتكائها على مبادئ ومعايير تقدمية وانسانية تضمن المساواة التامة بين المرأة والرجل كما ضمانها للمساواة بين المواطنين على أساس حق المواطنة ودون النظر الى التعلق القومي والديني والطائفي والجنسي للمواطنين.
يبدأ مجلس الحكم من حيث انتهى نظام صدام الدكتاتوري  ليكمل مسيرته وسجله. إذ يُراد لهذا القرار السيئ الصيت أن يكون مقدمة لهجمة شاملة على كل ما لم يستطع النظام البعثي سلبه حتى الآن. منذ عشر سنوات ونظام البعث  الفاشي كان مشغولاً بأسلمة المجتمع العراقي وسلب النساء حقوقهن واحداً بعد الآخر ومصادرة مظاهر التمدن في المجتمع في حين ان مجلس الحكم بدرجة من العجالة والشهية لابتلاع وهضم حقوق المرأة بحيث أراد بقرار واحد الإجهاز على المرأة ككائن انساني ومسخ وجودها. أراد العراق أفغانستان أخرى من طراز طالبان وبقرار واحد.
بيد أن  المشكلة لاتقف عند قرار واحد لم يحظ بالتأييد والقبول وحسب، المشكلة في نفس المحتوى والهوية السياسيين للقوى والتيارات التي تشكل مجلس الحكم الانتقالي من جانب والظروف التي جاءت بها الى هذا المجلس من جانب آخر. وهي في الواقع تمثل مجمل تيارات وأجنحة البرجوازية العراقية التي تتموضع في موقع اليمين الرجعي  والسافر. هذه اليمينية ليست موقفاً تاكتيكياً أو سياسة آنية تجاه هذه المسألة أو تلك. بل هي تعبير عن الأساس الطبقي الاجتماعي والسياسي لهذه الجماعات. كذلك هي لاتتخلى طواعية عن برامجها المعادية للإنسان لأنها وببساطة تفقد موضوعية وجودها إن تخلت عنها. فهي جميعاً أسست مشروعها السياسي على الهويات الدينية الطائفية والقومية الكاذبة والمناقضة للهوية الانسانية المشتركة وتميد الأرض تحت أقدامها وتشعر بالدوار عند الحديث عن المساواة بين المواطنين والمساواة بين المرأة والرجل ونبذ التمييز على أساس القومية والدين والطائفة. وهي ورغم النفوذ الظاهري لدى بعضها إلّا انها تشعر بحقيقة الانفصال الواقعي بين رسالتها الظلامية وبين تطلعات الجموع الغفيرة لعمال وكادحي وتحرريي العراق. الأمر الذي  جعلها ترتمي ومنذ البداية في أحضان المشروع الأمريكي. ذلك الانفصال الذي يتأكد يوماً بعد آخر وبتسارع يفوق التوقعات. فالأسابيع الأخيرة شهدت ردود فعل دموية من جانب قوات الشرطة العراقية تجاه الاحتجاجات التي قامت بها جموع العاطلين عن العمل وغيرهم في مدن الجنوب.
هذه الجماعات هي قوى السيناريو الأسود الذي تدفع المجتمع العراقي نحو وحوله وبدأت ترتب خلفيات ومستلزمات انطلاقه. مع أقل تسلط لها ينتفي الحديث عن معايير وملامح مألوفة لمجتمع وبلد معاصر وستضع العراق أمام مخاطر حروب الأقوام والأديان. لم يكن العراق ميداناً لمثل هذه الحروب إلّا إذا توفرت القوى التي تشعلها عمداً وتفرضها على الجماهير المحرومة عنوة.
لحسن الحظ ليس هذا هو كل المشهد. هناك قوى سيناريو أكثر أمناً ومساواةً وعدلاً. قوى التمدن واليسار والشيوعية في المجتمع العراقي. هذا القطب الذي يشمل العمال والكادحين، العاطلين عن العمل، النساء والشباب المتطلع نحو مستقبل مرفه وحرّ إضافة الى كل الذين يحتاجون الى الأمن والحرية والرفاه. فالأمن وحتى السعي للحصول على فرصة عمل وهو أبسط وأقل مايمكن أن يحلم به إنسان،  ناهيك عن ارتقاء الحريات والحقوق وكرامة الإنسان ليس ممكناً مع واقع الاحتلال أو تسلط قوى السيناريو الأسود. تقوية هذا القطب الانساني في المجتمع العراقي والدفاع عن أوسع الحقوق المدنية والفردية للنساء ومجمل الفئات الأخرى والسعي لتوسيع الحريات السياسية والمشاركة الفعالة في المضمار السياسي والاجتماعي لإنهاء الاحتلال وإحباط المخطط الأمريكي ومساعي العصابات المأجورة هي السبل الضرورية والحياتية لإنقاذ المجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سوري يعرض لـ-العربية- صورا يقول إنها لمعتقلين وجثث محروقة عُ


.. أية حماية اجتماعية وكرامة للنساء المغربيات؟!




.. نساء الرقة تستنكرن استهداف ثلاث ناشطات من منبج


.. الناشطة الحقوقية نجاة عرعاري




.. حقوقيات تونسيات الحرية هي الأصل والاعتقال استثناء لكن العكس