الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
طيور النهر
عزيز عبد الحسين راضي
2008 / 6 / 14الادب والفن
" فتح النافذة ليطرد رائحة النوم " دخلت نسمات الصباح منعشة استنشقها بعمق ، أطل على ضفة النهر ،تفطن أن الطيور لم تعد كما كانت تطير بين الطرقات مسرعة باصواتها الصادحة التي كان يردد شجوها الجسر ، لم يبقى منها إلا القليل ، حين كان يتابعها بنظراته كانت تطير بحذر ، ولما تحط على أعشاشها كانت تتلفت مذعورة .
تلك الاثناء بانت في سماء المكان طائرات مروحية (الأباتشي ) كان هديرها يزداد كلما اقتربت ،حلقت الطيور بسرعة أقصى حين أستفزها الهدير لتحتمي بالجسر التي تعودت أن تحلق بين دعاماته بأمان أزمنةٍ طويلة .
وهو يجول بناظريه من خلال النافذة ، لفت إنتباهه ، ان احد المارة في الشارع المقابل يبحث عن شئ ما ، أدرك ذلك من خلال حركته وتمعنه بالعناوين المكتوبة على واجهات البنايات والمحلات ، تراجع خطوة الى الخلف بعيدا عن النافذة ، ظن ٍ منه انه قد يراه وهو في الطابق الرابع من البناية ، دون ان يتركه بعيدا عن ناظريه ظل يراقبه حتى شاهده يسأل شرطي المرور القابع في " كابينته " وسط الشارع ، كانت إشارات الشرطي تدل على مكان آخر ، ذهب ذلك السائل حسب الوصف رافع يديه بالشكر للشرطي . حينها تنفس الصعداء ، ولعن القلق و الوسواس .
شوقه العارم ، هو الذي دفع به الى الولوج في هذا اليم المتلاطم من الموت ، الذي يسمى وطن ، فبعد عقدين من الزمان في المنافي والمدن البعيدة ، وشحت الشمس و دفئ العلاقات الحميمة ، حين حدث التغيير آتى بكل ما إحتشدت به روحه من حنين ،جاء مثقلا باحلامه التي ما برحته منذ غادر مدينته ، ليرى الموت ،في كل مكان و بأشكال مختلفة ، أثناء جولاته المستمرة الى مراتع الطفولة والصبا ،كان خلالها مذهولا في الشوارع ،مزدحم بالذكريات ،ينتابه احساس بان روائح الاماكن التي يقصدها قد اختفت ،أخذ يشمها من خلال تذكرها ، كانت بوصلة روحه هي الدليل الى تلك الاماكن المكتظة باحلامه القابعة في دهاليز نفسه القصية ، قادته قدماه الى ساحة الطيران ،حيث لا زال العمال يجلسون فيها وقوفا ،رغم الموت الذي استهدفهم مرات ، وبقيت أثاره على اسفل جدارية فائق حسن ،تذكر حين أتى بصحبة هاشم عودة السيد وكيف استوقفه عند مرورهم بتلك الجدارية وسأله :
_شفت هاي الجدارية
_اي طبعا ،ويوميه
_تعرف شتمثل ؟
_شتمثل ،النخل وحمامات بيض والناس .
تخيل ضحكته المصحوبة بسعال خفيف بعد الجواب ،ثم تذكر كيف بادر هو الى سؤاله عن الثقوب الظاهرة علىصدور الحمامات البيض :
_ابو هشام شنو هاي الزروف السود على صدور الحمامات .
لا ينسىتلك اللحظة ،كيف التفت أليه هاشم بألم كمن بوغت بطعنة ،واجابه باقتظاب :
_هاي جيلات الحراميه .
تفطن انه اطال الوقوف امام الجدارية ، وأن موعده مع صاحبه قد اقترب وعليه الاسراع الى المكان المتفق عليه ،بعد اللقاء ذهبوا الى المكان الذي كانوا يرتادونه ايام المحنة الاولى ، للابتعاد عن اعين الوشاة و أذانهم .
جلسوا على الطاولة ذاتها ، حين تقدمهم النادل مرحبا بوصولهم الىالمكان في اقصى القاعة الذي شغلوه في الليلة الماضية ،و كالمعتاد طلبوا ماء الشعير و عصير التمر ،ودعوه ان يجلس معهم مثل المرة السابقة لقلة الرواد وكثرة عمال الخدمة ،كان النادل الشاب كثير السؤال عن الغربة وتلك البلدان وناسها و ........ و .... وأشياء اخرى . لقائهم الذي شارف على الانتهاء بعد اخذ ورد و تبادل اطراف الحديث عما مضى وما الذي يحدث و كيف السبيل الى..........
غادر المكان ، عند امتداد الليل وهو يحبو نحو الغسق ، ليغمر اخر نقطة للضوء ، ولج باب العمارة السكنية حيث يسكن وعند ما فتح باب الدار، وجد رسالة عند عتبة الباب عبارة عن ظرف في داخل الظرف ورقة و رصاصة ،مكتوب على الورقة : ان لم تغادر خلال (48 ) ساعة ................. . أستنفر تلك اللحظات ، اتصل باحد معارفه المقربين ،شرح له الموقف وسأله ما الذي يجب فعله ، _ رد عليه صاحبه بأن لا يبرح مكانه حتى يأتي ويقله بسيارته الى مكان آمن ، ودع اهله مسرعا ، متحجج بان زوجته اتصلت به تطلب حظوره باسرع ما يمكن لامر طارئ ، بدء يحزم امتعته للإياب ،حتى وصول صاحبه ، غادر تحت دهشة أهله وإستغرابهم ، حتى آل به المآل في هذه الشقة ، التي هي عبارة عن مكتب يطل على النهر ، ينجز فيه صاحبه مهامه التجارية ، ولتصبح مأواه بعد التهديد ، ليعيش فيها هواجسه وظنونه المختلطة بين الواقع والخيال . تداعيات تلك الليلة الليلاء لا زالت عالقة في مخيلته ، كيف آتى الملثمون بسياراتهم الفارهة وحاصروا ثلة من الشباب لا يعرفون اي ذنب اقترفوه كي تصوب أ زاءهم ونحو رؤوسهم فوهات المسدسات الكاتم للصوت ، كانت نظراتهم تستنجد الآخرين بصراخ صامت دون جدوى ،حتى أمطروهم بوابل من الرصاص ، تحت انظار الجميع وفزعهم " لهذا ظلت نظراتهم مسمرة ً نحوه الى الابد"
ما الذي يحدث بعد كل هذه الاهوال ؟ تساءل مع نفسه ، وهو ينتظر ما سيؤول اليه مصيره ، وأشيائه مبعثرة في ذهنه الشارد ، بسبب الحد الفاصل ،بين الاستمرار في البقاء ،أو.......................... . حتى رن جهاز الهاتف المحمول ، الرنين المتفق عليه ،قفز نحوه كالملدوغ ، :
_ ألو ........
_ ألو ، نعم
_ كل شئ تمام ،و أطمئن ،بعد اقل من ساعة سوف آتي لأوصلك بسيارتي الى موقف الحافلات ،حيث حجزت لك مقعد في مقدمة الحافلة كما تحب ،وجهز نفسك .
_ شكرا ،يا ......................... .
نظر الى الأفق بدا له أن الطقس قد تغير ،حيث أخذت هبات من الغبار تداهم الغرفة ،أسرع الى النافذة وأغلقها .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس