الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلماني خارج دائرة الإنغلاق

عاصم بدرالدين

2008 / 6 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعض الأراء التي تدعوا إلى تشكيل تكتل علماني، مشابه للتكتلات الطائفية، وتالياً منح هذا الفريق الجديد حصته من النظام السياسي اللبناني. فتقسم مقاعد المجلس النيابي مثلاً على ثلاث فئات، وقتذاك، مسلمين ومسيحيين وعلمانيين! هذه الدعوات، التي لا يمكن وصفها إلا بالسخيفة والجاهلية، تزيد وضع القوى العلمانية اللبنانية تأزماً وتفاقماً سلبياً. فحتى الساعة لم يقدر اللبنانيين العلمانيين على تحديد موقفهم من النظام السياسي-القانوني الطوائفي القائم، الذي يرخي بظلاله على المجتمع برمته، إجتماعياً وإقتصادياً وثقافياً. ليس المطلوب من العلماني في الحالة هذه أن يتأقلم مع الوضع الحالي، كما تسعى وتعمل هذه الدعوات، فتستحيل العلمانية، حينها إلى طائفة جديدة تحمل الرقم الأخير في سلسلة التراتب المذهبي. إنما المطلوب من العلماني، المتضرر أولاً وأخيراً من فساد هذا النظام وعبثيته، أن يجهد ويدأب على تغيير الحالة الراهنة، إلى الأفضل. لأن التعايش مع الموتى، وبين القبور المعتمة المقززة، والمُلل ليست غير ذلك، سيودي بعلمانيتنا إلى التلاشي والذوبان فتصير بقايا علمانية تافهة لا معنى لها!

لعل السمة الأبرز للتكتلات الطائفية والملية وهذا ما يدفعنا إلى رفض هذه الأطروحات، هي إنغلاقها على الذات، وتشكيلها لآليات مجتمعية خاصة بها، بمعزل عن الأخر الموجود في "الدولة" نفسها مع رفضه طبعاً. والمثير حقاً أن يعمد بعض العلمانيين إلى تقليد هذا الأسلوب "الإنعزالي" ونسخه، فيدعوا إلى تشكيل طائفة علمانية، لها مجتمعها الخاص وقيمها وثقافتها وأفكارها الذاتية، ساعيةً من وراء ذلك إلى الحفاظ على نفسها، من الآخر الطائفي.. إذذاك يخرج العلماني عن دوره الأساس في كل مجتمع متخلف كالذي نعيش فيه. فالمتنور، اللقب المفترض للعلماني، ومعه المجتمع المدني، دورهما في حالات الإنهيار كهذه يكون في العمل الحثيث على تحسين وضع المجتمع ونشر القيم الإنسانية والعقلانية والعلمية والنقدية وشحذها وتقويتها، من أجل النهوض بالمجتمع وأفراده، وتحقيق التنمية على كافة الأصعدة.

ويكون الهدف الرئيسي من ذلك إستقطاب الجمهور الطائفي، من كنف الرعاية الطوائفية القمعية، إلى فضاء المواطنة والحرية والديمقراطية والحداثة. هذا الأمر على النقيض تماماً بما يفكر به أولئك العلمانيين دعاة التكتل "الطائفي-العلماني"، بحيث ينحصر همهم في الحفاظ على وجودهم، ببناء عصبية توحدهم وتجمعهم، وتشكل الدرع الواقي للإختراق الطوائفي لحصونهم ومبادئهم، خوفاً من النزف العلماني المستمر، وخسارة ما تبقى من مريديهم. هذا الأمر أشبه، وحتى لو كان نوعاً من الإهانة -فمعذرة-، بالأعمال التي تقوم بها جمعيات الدفاع عن حقوق الحيوان، حيث تسعى إلى تأمين مناطق خاصة، لحماية الحيوانات المهددة بالإنقراض!

نعم هو مهدد في كيانه ووجده، لأنه الأضعف والأقل قدرة على التجييش والتجميع ورفع منسوب التعصب في الدم البشري، مع ذلك، يا رفاق، ليس الإحباط قدراً. فالعلماني، لا يمكن أن ينغلق على نفسه، لأنه لا يعيش إلا في الحرية، ولأن هذه الأخيرة هي المبدأ الأصل في تكوينه، وهو خارجها مثله مثل بقية الأخرين من أبناء الإنتماءات الغرائزية معتقلاً في سجون الخرافة والغيب، ومقيداً بسلاسل التقاليد. الحرية، وهي نقيض الإنعزال والإنغلاق والتسييج والتسويير والتقوقع، هي أصل العقل، والعلم، والنقد، والفكر والتفكير والفلسفة. أما الإنغلاق والتكتل، فهو شريك الديكتاتورية والسلاح المخابراتي وعسسه في القمع والإضطهاد والإستتباع، تالياً الدمار والإنهيار والزوال الإنساني.

قد تكون الدولة العلمانية، الآن فقط، مجرد حلم ورغبة أكثر منه واقع ممكن، لكن مع ذلك، علينا أن نبتدع السبل والوسائل المساعدة للوصول إليها، لا الطرق التي تعود بنا إلى الوراء، وتعمل على إنغلاقنا والتسكير على أفكارنا والحؤول دون إنتشارها في المجتمع وسماع صداها بين الناس. لا يجب أن نستسلم. إن الوصول إلى المجتمع والتغلغل فيه هو المسلك الصحيح، الدخول إليه من جانبين، الأول البشري ويمكن أن يكون عن طريق التربية والتثقيف، والثاني من خلال البوابة الإجتماعية: التنمية الإجتماعية الشاملة والإنماء المتوازن بحيث تنسل الدولة من خلال هذه المشاريع إلى المجتمع الأهلي وتضمه إليها، وتصير سيداً عليه، لا عبداً متسغلاً متحاصاً منه حتى الهلاك.

الحلم، هو الطريق الأولى للحقيقة. لا شيء يبدأ وينطلق دون هذا الحلم، والذي هو الطموح والرغبة، مع ذلك فإن الحلم وحده مجرداً لا يكفي.. وهذا أمر معلوم.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القوى السياسية الشيعية تماطل في تحديد جلسة اختيار رئيس للبرل


.. 106-Al-Baqarah




.. 107-Al-Baqarah


.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان




.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_