الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعيدا عن الشيوعية، قريبا من الحياة...!

محسن صابط الجيلاوي

2008 / 6 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


-1-
( حسين سلطان المناضل والإنسان )
تعرفت على المرحوم حسين سلطان أثناء دراستي في أكاديمية العلوم الاجتماعية في بلغاريا أواخر السبعينات، كنت أنا طالبا وهو ضيفا عليها...والرجل وصل إلى الصف الأول في قيادة الحزب الشيوعي العراقي عبر مشوار طويل من السجون والمطاردة ومخاطر العمل السري ، ولم أسمع منه يوما طيلة حوالي سنة من تواجدنا المشترك واللقاءات التي تكاد تكون شبه يومية في جو الأكاديمية الضيق أي ادعاء أو غرور أو حديث عن ماضيه المعروف والمليء بالوقائع والإحداث والبطولات وخصوصا محاولة الهروب الشهيرة من سجن الحلة ...ما يميزه عن الكثير من قيادات الحزب تلك الشفافية والأخلاقية والسلوك القريب من طيبة وعفوية ونبل وأخلاق رجل يبدو قريبا من الريف إلى( حذلقات) أبناء المدن .. اليوم شخصيا أختلف مع حسين سلطان سياسيا وقائدا وأوهام فكرية لكني أتحدث عنه وأتذكره كإنسان ومكافح من أجل رؤيا افترضها وتعلق بها للحياة وللمستقبل طبعت كامل حياته وجهده وهمومه....!

التقيت حسين سلطان ثانية في كوردستان عند قدومه لحضور اجتماع للجنة المركزية عام 1984 لقد وجدته على نفس الطيبة والضحكة المتميزة لكنه أصبح كهلا تنهش جسده أمراض عديدة لم يجد إلا العقاقير والأدوية لمكافحتها..كان كعادته بشوشا وطافحا بالأمل والحيوية ...!

في مشوار عمره الأخير أختلف مع الحزب، ولا أعرف كيف أستطاع حزب بكل هذا العمق والامتداد أن يجعل من رجل هادئ وطاعن في السن في وضع المعادي والخطر الذي يجب محاربته بكل السبل والوسائل...؟

أردت اللقاء بحسين سلطان في دمشق ، وعرفت بل ذهبت إلى هناك حيث كان معزولا ومهمشا في مكان يقع بعد مخيم اليرموك الفلسطيني ( كان معه أبو فهد الدفان ) يا للمفارقة ، لم أجد سوى مسكن متهالك ومظلم ورطب وهو عبارة عن جنازة لتشييع أبو علي سريعا والتخلص منه ، خصوصا ونحن نعرف انه كان مصاب بمرض الربو الحاد ... لم نلتق حينها للأسف !

نفس السيناريو تكرر مع عبد الوهاب طاهر ( أبو سعد ) لقد عشت معاناته الأخيرة وعزلته ووحدته ووحشة خريف حياته في بلغاريا...!

كلاهما شد عليهما الحزب الأيدلوجي كالمكائن ، وعندما تشيخ أو تخرج من الاستخدام أو تعمل بطريقة مغايرة للمعتاد والمُقرر تجري المحاولة الأبشع إخراجهم من الحياة بكل السبل الدنيئة....!

بعد الموت تتحقق عندهم الأقيام والمنزلة تبعا لقرب دماغك وجسدك من طاقم القيادة وفكرها القائم...!

لقد عاد حسين سلطان وعبد الوهاب طاهر إلى الوطن في أوضاع معروفة ، وشخصيا في وضع مريح أستطيع أن أُخطئ ما أقدموا عليه ، ولكن ما الذي يستطيع أن يقدمه هؤلاء بعد سقوط الحلم بعالم عادل وكريم بعد أن داست الأداة التي كان مفترضا أن تحقق ذلك على أحلامهم وكرامتهم دون أي رحمة ورأفة وهم في أواخر العمر.. ؟ إنها لوطنية أن تفكر أي تراب سينهال عليك وأنت تودع هذه الحياة العفنة..شخصيا كلما تقدم بي العمر أفكر عميقا بذلك فالمنفي يبحث عن الجذور والأرض والوطن والذاكرة ، فليس غريبا برجال جاءوا إلى الفكر من نسيج البساطة والعفوية والنبل وتعاملوا مع فكرة العدالة والحرية برومانتيكية أن يكون الوطن الذي اجترحوا كل المآثر من اجله هو الوحيد الحاضر في مخيلتهم لحظة الوداع ، هو الذي يحتضنهم ويرحم بهم دون سواه..هذا ما سعوا إليه رغم كل المخاطر والتأويلات وهذا ما تحقق لهم ..!

لم يسرقوا أو يستغلوا الحزب لكي يضمنوا للأيام القاسيات ،للدهر الرديء ،كما فعل البعض الرخيص ، كانوا مع الناس والحياة بعيدا عن المغانم والبحث عن الوسائد الواقية، قد تكون أحدى أخطائهم عدم معرفة طبيعة الفكر والبشر الذي يحيطهم بشكل مبكر ، بنفس الوقت يشكل ذلك أفضلية وموقفا شجاعا يوصم كامل حياتهم وتاريخهم، لهذا نتذكرهم بواجب الاحترام والتبجيل..!

لم نسمع شيئا أو فعالية تنتصر لتاريخ وحياة وسيرة وتضحيات حسين سلطان أو عبد الوهاب طاهر أو ثابت حبيب العاني ، الأسباب معروفة ، فرجال الشعارات لا توجد في ذواتهم أي معاني للصداقة والزمالة والرفقة والحب والتسامح والرحمة ، الموقف الأخير هو الذي يحدد شكل مهرجان النفاق حول جسدك الهامد ..!

أسهل الطرق وأكثرها دهاء في الآليات الشيوعية في محاربة الرأي الآخر هو الحروب الاجتماعية عبر فرض العزلة والقهر والتلاعب بمصير الناس وقوتهم وصحتهم وعواطفهم وشرفهم وحقوقهم وشيخوختهم، ببساطة دهاء يفوق التصور لمحاربة الإنسان...!

اليوم يحاول البعض من معطوبي السيرة نهش وتشويه تاريخ حسين سلطان، هل تخيفهم شعبية ونبل هؤلاء إلى هذا الحد....؟

ورود عراقية حمراء على قبور حسين سلطان ، وعبد الوهاب طاهر ، وثابت حبيب العاني ...وكل عراقي هام بحب العراق دون أن يكسب أو يتكسب شيئا..قد أختلف مع هؤلاء الرجال ولكن ما يميزهم انهم كانوا شرفاء وبسطاء وذوي نفوس كريمة ، تعذبوا وعانوا وهاموا حبا بالوطن وبالبحث عن عالم أفضل...!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المتظاهرين من جامعة كاليفورني




.. The First Intifada - To Your Left: Palestine | الانتفاضة الأ