الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيطان ضحية البشر

باتر محمد علي وردم

2004 / 1 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بما أن صورة الشيطان في الإسلام وجميع الأديان السماوية تشير إلى أنه كائن مطرود من رحمة الله وأنه قرر بعد ذلك انتقاما أن يغوي البشر لارتكاب الخطايا والآثام، فإنه بطريقة أو بأخرى يحدد تاريخ البشرية وحضاراتها البائدة والقائمة واللاحقة ويصبح دوره بالتالي هو الدور المركزي إذا سلمنا بهذه الفلسفة الدينية حول الدور الوظيفي للشيطان.
وهذا الشيطان هو بكل تأكيد أكثر المخلوقات التي يعشقها الإنسان في اللاوعي لأنه يستطيع من خلاله أن "يبرر" كل آثامه وقلة حيائه وأدبه وشروره فالإنسان وبتبرير ساقط من السماء يستطيع أن يمارس عامدا متعمدا أية خطيئة يريدها ثم يقول  ببساطة " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وبالعامية "الله يلعن الشيطان" وربما يتطلب الأمر بعد ذلك مجموعة من العبادات البسيطة استنادا إلى نصوص دينية تعطيه المخرج والعفو العام بشكل يشبه عروض ترويج السلع الاستهلاكية!
إن دور الشيطان المسكين يصبح ثانويا إذا قورن بالشر المفجع الكامن في النفس الإنسانية والمنبعث من الغرائز التي لا يمكن للإنسان أن يتجاوزها أو ينفك من أسرها. أن قلة المناعة الأخلاقية الذاتية وتفكك منظومة القيم لدى الإنسان اساسها الإطمئنان بأن هناك حليفا صادقا بمكن الاعتماد عليه وهو الشيطان لحمل أوزار كل الخطايا البشرية. كما أن الله الغفور الرحيم سيقبل توبة أي شخص عندما يقرر القطيعة مع رفقة الشيطان ويصبح من التائبين العابدين القانتين وهذا ما يحدث عادة في أرذل العمر ومع تزايد اقتراب نبضات الموت، حيث يمكن الحصول على الغنيمة كاملة: متع الحياة في الشباب ومتع الآخرة عند الشيخوخة وبمنتهى الفهلوة والذكاء.
جمع البشر كل الصفات الرذيلة فيهم وركبوها فوق بعضها البعض فنتج عن ذلك الشيطان فأصبح صراع الإنسان مع الشر سهلا لأنه تحول من صراع مع الذات والضمير إلى صراع مع الآخر... وما أسهل للإنسان أن يلوم الآخرين وحتى لو كانوا مخلوقات خرافية لأنه يبعد الإثم عن نفسه.
للشيطان صور عديدة في الثقافات الدينية السائدة وكذلك الأفكار السياسية الناجمة عنها، فالشيطان رفيق الشعراء والملحدين والزنادقة ( اي نحن جميعا كتاب الحوار المتمدن!) أو بمعنى آخر كل الفلاسفة والمثقفين غير الدينيين. وهو "ملهم" العلماء من جاليليو انتهاء بفرويد وداروين. وفي الثقافات المكبوتة مثل الثقافة العربية فإن الشيطان هو المرأة بأنوثتها القادرة على غواية الرجل الطيب المسكين الصالح وهي التي تسببت بالهبوط الإضطراري لأبي البشر من الجنة إلى الأرض حتى يعيث فيها فسادا ويسفك الدم كما كان مقررا له من الازل إلى الأبد، وربما لو لم يكن الشيطان والمرأة موجودان وبقي ابا البشر في الجنة لاختلفت قصة الكون كلها!
أما في السياسة فإن الشيطان بالنسبة للعرب هو الاستعمار والصهيونية وللإسلاميين فالشيطان هو العلمانية والشيوعية وغني عن القول بأن شيطان جماعة ما قد يكون معبود جماعة أخرى فتنشأ أعتى الحروب دموية.
العالم سيكون مكانا أفضل بكثير لو وجه الإنسان اللوم لنفسه بدلا من إسقاطه على الشيطان ولو تمكن الإنسان من تنمية قيمه وأخلاقه والنقد الذاتي لسلوكه وتصرفاته. أن الشيطان ليس إلا ضحية لآثام البشر التاريخية ولو كان الشيطان كائنا حيا فإنني أتصور أنه سيذرف الدموع على جرائم ارتكبها اشخاص مثل صدام وميلوسوفتش وشارون وبن لادن انتهكوا كل قيم الكرامة الإنسانية بشكل لا يمكن للشيطان نفسه أن يتصوره، فهذا الكائن الذي بدأ حياته العملية بوسوسة لتناول تفاحة محرمة، ومن ثم أظهر افضل إبداعاته عندما يكون "ثالثا" للرجل والمرأة في خلوتهما لم يحفر المقابر الجماعية ولم يذبح آلاف الناس بسبب العرق ولم يفجر الطائرات المدنية بل هو كائن مسكين ويستحق الشفقة مقارنة مع شياطين البشر الذين تفوقوا عليه في كل شئ!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah