الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسقاطات

عبدالجليل الكناني

2008 / 6 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


على الرغم مما يبدوا عليه من أسى فان إمارات القناعة والرضا تتناهى من خلل كلماته الحزينة الواثقة حين راح يقص علي شعوره الممض إزاء سلوك الآخرين .
- .... الكل يريدني أن أكون مثله مع أنني لم أرد يوما من أحد أن يكون مثلي .
- وهذا هو سبب كل ما تعانيه ؟؟
- نعم . لقد اكتشفت هذه الظاهرة النفسية ، التي هي ، في الأغلب ، السبب في خلافات معظم الناس ، ألا وهي - أن الكل يريد من الآخر أن يكون مثله .
بذلك ختم حديثه معي وراح يحدق في الفراغ بين يديه . ولعل ثمة من يسأل ما الذي يعانيه هذا الرجل الذي يتهم الكل ؟؟ وبم يريدون أن يكون مثلهم ؟؟
لقد ابتدأ حديثه معي بكونه يخسر كل يوم ، بدأ من علاقاته بأصدقائه وانتهاءا بعلاقاته بأقربائه وأهله . فقبل أسابيع فوجئ بصديقه ، اللدود ، وقد رفض التحدث إليه أو رد التحية ، سلام الإسلام المقدس ، الذي هو ثواب وفرض على المسلمين ، طالما أن صديقه يدافع عن مقدسات الإسلام وعن كل ألوان الطقوس ، حتى الغريبة منها ،والتي يرى أنها نوايا ، قد يغضب الأولياء الصالحين الاستهانة بها . كذلك كان فحوى حديثه لي ، وأضاف ، متحدثا عن صديقه :- وبذات الحماس يذكر صدام حسين الذي يرى فيه الرجل الوحيد الذي عرف كيف يتعامل مع العراقيين!! وقد يلمح بحديثه وتحديه لي أنا ، وحين أحاول إيضاح التناقضات التي يقع فيها ، لايني عن اتهامي بما لا يرضي من انتخبهم الشعب ، من افتراضات أنني سكير أو أنني غير مؤمن وأنني من أهل النار.
- وهل أنت سكير وغير مؤمن ؟
- لست سكيرا بالمعنى ، كما أنني مؤمن بل شديد الإيمان ، فانا أعطي الفقراء بسخاء ، وأساعد الناس ، وابكي لآلامهم ، بل أن قلبي يكاد ينفطر وأنا أرى حال العراقيين الذين يفترشون ، بعريهم ، أرض البترول ويشربون مرَّ دجلة والفرات .
- لا تكن مثل السياسيين أنا لا أحب استغلال هموم الناس في الدعايات الانتخابية .
- وهل أنا بصدد دعاية انتخابية ؟
كذلك قال لي بدهشة . فقلت له :- تحاول استمالتي للتعاطف معك ولم تقل لي صراحة إن كنت مؤمنا ؟
- قلت لك أنا شديد الإيمان . فقد ساهمت ببناء الجامع رغم أني أعرف جيدا بأني سأشتم فيه . كما نني أحافظ على الأمانة ، ولم أنقض عهدا أو أخون ذمة . ولعلي لا أودي فرض الصلاة ، بدافع اعتقادي خاص وليس الحادي .
- أرى أنك تكذب في هذا فكيف سأصدِّق كل ما تقول ؟؟
- صدِّق أو لا تصدِّق ، فقد أبدو كاذبا أو مماهيا لمن لا يرى صحة معتقدي ، المهم عندي ، أنني لم أشعر ، حتى هذه الساعة ، أنك تريدني أن أكون مثلك . كما أنني ثابت النهج والسلوك والأخلاق منذ مطلع شبابي .
- وهل ذلك ما دفع صديقك لمقاطعتك ؟؟
- في البدء دهشت مع أنني لم أفاجأ من سلوكه فقد تملكني شعور من خلل معايشتي له أنه حقود ومتناقض . ولكن المفاجأة جاءت حين أورد أحد النمامين ما يروجه صديقي اللدود من حملة ضدي حين ي8=تتحلق حوله عدد من الموظفين ليشكو لهم خيانتي الصداقة وإضاعتي لجهده وكده ، لقد صمم المنظومة واعد جدول الكميات ، كما قال لهم ، وقمت أنا بتأخير إعلان المناقصة ومن ثم دفعت بها إلى إحدى الجهات الرسمية لتنفيذها ، وبذلك ضاع جهده !! لماذا ؟! يقول :- إن ما نحصل عليه من مرتب هو عن ختم بطاقة ( كارت ) الدخول إلى الدائرة . ثم ، ما الذي سنستفيد به من المناقصات إنها مبالغ بسيطة في مقابل تعبنا وجدنا .
- أرى انه محق . كذلك قلت له فقال :- قد يكون محقا لم أعد أعرف . ولكن ، كما يقولون ، القطار فاتني ، لا استطيع أن أكون مثله ، وان كنت الخاسر ، ولكن ما دفعه لمقاطعتي ليست هذه الحادثة إنما ما تلتها ، والتي لم يصرح بها ، فقد أتى بأحد المقاولين ليعرض علي مبلغا من المال إزاء خدمة غريبة عجيبة وحين رفضت شعر صديقي اللدود أنني أهنته ولا أريد القول أضعت جهده وكده . وقد يكون محقا ، ولكنني محق أيضا فانا لم اعتد الأمر واعتدت ما يسميه الأسلاف : كرامة ، لفظة غبية ليس لها ثقل مادي ، إنما حالة مثالية تشبه طقسا بوذيا قد تكون فاعله عند اداء اليوغا وهي تشبه الكحول في مفعولها ليست سوى نشوة ، وقد تكون للكحول بعض الفوائد ، إلا أن الكرامة ضارة وغير مفيدة . ولكنني مؤمن بهذا ولا أريد أن أكون مثله إلا أنه يصر على أن أكون...
- هذه حادثة مفردة فكيف تدفع بك إلى كل هذا الإحساس بالاغتراب ؟
- ليست هي الوحيدة فثمة آخرون راحوا يروجون لانتصارهم علي حين تم استدعائي من قبل المدير لإبلاغي عن شكواهم علي لتأخيري بعض الطلبات المحلية بملايين الدنانير، وساندهم صديقي اللدود بانتفاضة عارمة وتقزز من أفعالي مع أن الدلائل المادية أثبتت تقصيرهم وسوء نواياهم ، إلا إن الحس المعنوي الذي ساد الجلسة لم يكن إلى جانبي ويبدو أن ثمة وراء الكواليس ، ما عزز شعورهم بالانتصار ، ذلك الذي راحوا يتحدثون عنه في كل حين وأمام الجمهور المساند لهم وهو الغالب .
- مازلت في إطار افتراضات الرشوة والفساد المالي ولا يصح تعميم ذلك ليكون ظاهرة نفسية .
- ليس ذلك ما دفعني للأسى ولتعميم هذه الظاهرة النفسية إنما ما حصل مع والدي .
قال ذلك وأطرق برأسه فبدا لي انه لا يريد الخوض في التفاصيل حتى حين سألته عما حصل ألا أنني أخيرا تمكنت من جره للحديث حين استفززته بالسؤال :- والدك مثلهم أيضا ؟؟
- لا الأمر مختلف هذه المرة . والدي رجل مبذر معروف بلا أباليته وعدم اكتراثه للمستقبل فهو ابن ساعته ، مع أني قد ورثت شيئا من هذا ولكن باعتدال لا يوازي إفراطه فلم اقصر بحقه وحق أخوتي والآخرين فقد كنت كريما معهم عند الحاجة وأحيانا أبالغ في كرمي الذي كثيرا ما يزعج زوجتي . إلا أنني قبل أيام فوجئت بقول أبي أمام حشد من الأقرباء ، مشيرا إلي :- انه مثل ذلك الرجل المقتر الذي تضخم ماله وحين سؤل- كيف أمكنك جمعت المال ؟ قال – أني حين امتلك خمسمائة دينار أضع فوقها دينارا واخزنها . حينها شعرت بالألم الممض لقول والدي وتحدثت معه بما لم اعتده من انه ظالم لا يشعر بما افعله لهم فانبرى أحد أخوتي بانفعال لم آلفه ليقول:- حقا انك مبذر . قلت :- ولكن أبي يرى أنني بخيل . قال لا أنت مبذر تنفق كل ما لديك ولا تدخر مالا للضيق وانك أعطيت كذا وأنفقت كذا .. وو ..
لم هذا التناقض؟ وأي منها على حق؟ والدي يريدني أن أكون مثله مفرطا في التبذير ، ذلك جلي ، لذا اتهمني بالبخل ، ولعكس المعادلة فإن أخي ، بذلك ، إنما يشعر بالبخل إزاء إنفاقي ، لذا يتهمني بالتبذير. وباسترجاع ذكرياتي لما فعلته مع أخي وما فعله لي رأيت إنما هو يريد تبرير كرمي معه بالتبذير في حين أن سلوكه معي حرص وتدبير ليبرر لنفسه ولي ، دواعي سلوكينا المتناقضين وأن لا يكون المقصر بل أنني المخطئ . ولما فكرت بابي وأخي وما يمتلكان من نفس طيبة ودماثة خلق وحس إنساني ورقة ، ولم أبالغ في وصفي هذا لهما ، أدركت أن ما يدفعهما لذلك هو حالة نفسية لاشعورية وليس سوء طوية . فهل ما فعله الآخرون معي ينبع من ذات الشعور . إني أغفر للجميع عّما عليهم لي ، وليس عّما عليهم للآخرين ( الناس والبلد ) ، فعسى أن يغفروا ، هم ، عّما علي لهم . وما يبقى سببا في تعاستي_ هو أن الكل يريدني أن أكون مثله مع أنني لم أرد يوما من أحد أن يكون مثلي ...
حين أنهى حديثه لم استطع ، بدأً، اتخاذ قراري حول صدق ما أوردني من حديث ورؤى ، إلا أنني أسلمت أفكاري للشك في كل ما قاله لي ، وان بدا صادق الشعور بما يقول ولكنني أخضعته أيضا لما يراه سببا لخلافه مع الآخرين وعكست زاوية الرؤيا لأسال نفسي :- هل يريد هو من الآخرين أن يكونوا مثله ؟؟ وهل يحق لأي منا ذلك ؟؟. وهنا لم اعد أعرف إن كان القانون هو الذي يجب أن يحكم سلوك الآخرين أم أنه شعورهم الداخلي ونواياهم التي يمكنها خرق أكثر القوانين كمالا وحكمة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوكرانيا: حسابات روسيا في خاركيف؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. بوتين يُبعد شويغو من وزارة الدفاع.. تأكيد للفتور بين الحليفي




.. كيف باتت رفح عقدة في العلاقات الإسرائيلية - الأمريكية؟


.. النازحون من رفح يشكون من انعدام المواصلات أو الارتفاع الكبير




.. معلومات استخباراتية أميركية وإسرائيلية ترجح أن يحيى السنوار