الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما علمتنيه الحياة

عبدو أبو يامن

2008 / 6 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أن لها أسرارا كأبنائها؛ منها الدقيق ومنها الجليل، منها الحقير ومنها العظيم، منها العميق ومنها السطحي، منها المفرح ومنها المحزن.. ولكن مع فارق واحد هو : الجلال والجمال والشمول التي تتمتع به أسرارها، والكلية والموضوعية التي تمتاز به..
علمتني أن لها أسرارا حال الصحة وحال المرض، وحال الغنى وحال الفقر، وحال الصحو وحال السكر، وحال القوة وحال الضعف.. وأنها مهتمة بأسرارها من أعظم عظيم حتى أحقر حقير، من أضخم مجرة حتى أحقر ذرة..
علمتني أنها محايدة تجاه أبنائها لا فرق عندها بين إنسان وحيوان ولا نبات ولا جماد.. وأن بني الإنسان حين يتوهمون في أنفسهم مكانة ليست لهم، وعظمة ليست من شيمهم، وسيادة ليست من حقهم فإنها لا يعنيها كل توهماتهم وتخرصاتهم؛ فهي قد وجدت قبل أن يوجدوا وهي قد أوجدت بقية أبنائها قبل أن يخلقوا..
وليس عليها فيمن رضي أو سخط أو فرح أو أسى أو قام أو قعد؛ فأهدافها أكبر من أهدافهم الأنانية الضيقة، وغاياتها أسمى من غاياتهم الشخصية المنحطة..
علمتني أن كل كائن من كائناتها مهما ضؤل حجمه أو عظم وارتفع قدره أو نقص وسما عقله أو سف كلهم سواسية وكلهم بذات الأهمية وكلهم له دور أناطته به... فليس من زيادة وليس من فضول، وهكذا كانت سيرة الحياة مذ كانت على الأرض حياة.. حتى النملة والذبابة والبعوضة كل منها منوط به دور فكل عامل وكل مهم وكل لم يوجد عبثا؛ وبهذه السيرة وبهذا التدبير الحكيم كان التوازن والتناسق والانسجام!
حتى جاء آخر أبنائها في سلسلة الوجود ونظر إلى صورته وشكله ومظهره ومخبره وسره وجهره، ورأى أنه بعقله يفوق هذه الكائنات التي بجواره، وأنه يستطيع ترويضها واستغلالها في صالحه، وأنها وإن كانت أقوى منه قوة وأشد بطشا، وأنه وإن كان لا يستطيع أن يفوقها في قدراتها ومواهبها؛ فأين هو من قوة الأسد، وأين هو من ضخامة الفيل، وأين هو من سرعة الفهد، وأين هو من نظر الصقر، وأين هو من حركات القرود البهلوانية التي تزري بأعظم لاعب أكروبات من بني البشر!! عندما نظر إلى هذا كله وإلى أكثر منه قال في نفسه: إنه وإن كان هذا المخلوق الضئيل الحجم، الضعيف الطول والحول، العاري من كل هبة وقدرة غريزية مما يتمتع به خصومه فإن لديه العقل؛ به يسود وبه يغلب وبه يصبح خليفة في الأرض، وكان له ويا ليته لم يكن!!
إذ طغى وتجبر، وكفر وتكبر وظن أن الشمس إنما تدور مسبحة بحمده؛ أو ليس هو الذي ظن أنها ما تكسف إلا لموت عظيم من عظمائه؟! وأن القمر ما يبزغ إلا ليشهد على حبه؛ أو ليس هو الذي شهد ( بتشديد الهاء ) القمر على هواه وجعله أنيسه وسميره؟!
فإذا بهذا الذي ظن في نفسه أنه أعقل عاقل أجهل جاهل، وما أعظم غرور الإنسان وما أعظم حماقاته!!
همست لي الحياة قائلة: انظر إلى صنع الإنسان وانظر إلى صنيعي؛ انظر إلى مدنه ومنشآته وابتكاراته واختراعاته، إنها مدن صناعية ومادتها إسمنتية، إنه يتنفس صناعيا، ويأكل صناعيا، ويشرب صناعيا!!
ثم انظر إلى صنيعي؛ كل ما فيه طبيعي، الماء والهواء والغذاء!!
ولكن محامي بني الإنسان يجادل: صنيعك لا يكفي، البشرية في انفجار عددي، وغذاؤك لا يكاد يكفيهم، وهواؤك لا يكاد يحيهم، وماؤك لا يكاد يرويهم فماذا نصنع؟! لقد تصرفنا هذا كل ما في الأمر!!
فأجابته الحياة: ولكنكم لم تستغنوا عني بعد فما زلتم تفرون من مدنكم وقراكم إلى أراضي البكر إن كان لا يزال في الأرض أراضي بكر، تفرون بأنفسكم إلى الجبال والبحار والجزر تجددون حياتكم، وترممون أجسادكم، وتحيون نفوسكم.. فإذا كنت لكم بكل هذه الأهمية وهذا المكانة فلم تعتدون على حرماتي؟ تنقصون من أطرافي، وتلوثون أجوائي، وتسممون مياهي؟!
ثم هناك أمر آخر: ألستم تزعمون أن مواردي في نضوب فمن أنضبها؟ وأن عدد أبنائي في انفجار فمن فجرهم؟ وأن رقعة الحياة بدأت تضيق فمن ضيقها؟
وأمر آخر: هو في الحقيقة سؤال بسيط : بأي منطق وعقل وفي أي دين أو شرع وبأي علة وسبب يملك عشرون في المائة من سكان العالم ثمانين من المائة من ثروات العالم، بينما توزع عشرون في المائة على باقي سكان العالم؛ هذا لم أجده حتى في عالم الجمادات فضلا عن الحيوانات؟!!
ولم يحر الإنسان جوابا.. وكان السكوت أبلغ وأشرف أيضا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب إسرائيليون يهاجمون داعمين لفلسطين بالألعاب النارية في ج


.. -قرار بايدن- يغضب إسرائيل.. مفاوضات الرهائن في خطر




.. هل الميناء العائم للمساعدات الإنسانية سيسكت جوع سكان غزة؟


.. اتحاد القبائل العربية في سيناء برئاسة العرجاني يثير جدلاً في




.. مراسل الجزيرة: استشهاد ثمانية فلسطينيين نصفهم أطفال في قصف ع