الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما علمتنيه الحياة -2-

عبدو أبو يامن

2008 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أفضت لي الحياة ذات يوم قائلة: عجبت لأمر أبنائي وأمرهم كلهم عجب، وأعجبهم على الإطلاق هذا الإنسان؛ كيف يتقاتلون ويتصارعون، ويعفرون وجه الأرض بالدماء ويملئون أديمها بالأشلاء، وكأنهم سباع ضارية أو وحوش عادية،كأنهم لم يغادروا أدغالهم وغابتهم وكهوفهم بعد؟! وهم الذين – زعموا – قد غادروا الحالة البدائية والبربرية والوحشية وأصبحوا علامة على المدنية والحضارة والإنسانية!!
عجبت لهذا الزعم وأنا أرى كل يوم إلى كل هذا القتل والعنف والصراع، وكأن الإنسان ما زال يقدم قرابين بشرية من بني جنسه إلى آلهته الأسطورية القديمة... أو كأن الأرض التي يمشي عليها وحش فاغر فاه ينادي كل يوم بمزيد من الدماء يروي بها عطشه الجنوني الذي لا يرتوي!!
فقلت في نفسي – والحديث ما زال للحياة - : أهذا هو الإنسان الذين زعموا أنه مشتق من الأنس، ضد الوحشة حيث أنه خرج من حالة الاستيحاش التي كانت تشكل كينونته وماهيته وغادرها واستأنس بأخيه الإنسان، وانعتق بذلك من ظلمة الوحدة والوحشة إلى ضياء الأنس والألفة، إذ أصبح أليفا مألوفا بعد أن كان وحشا مخوفا؟!!
هذا التطور الإنساني الذي يمثل علامة فارقة بينه وبين البقية الباقية من أبنائي ما كان له أن يتم إلا بعد آلاف السنين وبعد عصور ودهور من الظلام والهمجية والبربرية حين كان القتل دينا، وخطف الزوجات شرعا، وعدم الثقة دستورا، والخوف الكلي- من أي شيء وكل شيء، في الأرض وفي السماء، ما كان منه حقيقيا وما كان منه وهميا- حين كان ذلك هو النمط الذي تفسر به حياة البدائيين، أو قل هو الخوف الذي يمثل كينونتهم ويعبر أحسن تعبير عنهم بحيث تقول وأنت محق في ذلك: الشخص البدائي هو إنسان خائف.. من الوحوش الحقيقية في الغابة المجاورة ومن الوحوش الوهمية التي تمليها عليه عقليته الساذجة بل حتى يخاف من زوجته أقرب الناس له، هذا عدا عن الآخرين!!
بل وصل الأمر بهؤلاء المتوحشين البدائيين إلى حد عبادة هذه الكائنات التي ملأتهم رهبة وخوفا؛ إذ عبدوا الشمس والقمر والبرق والرعد والأنهار، بل عبدوا حتى التماسيح والخنافس!! وهل في ذلك عجب؟ فالإنسان دائما بين أمرين حيال ما يجهله ويخافه : إما أن يعاديه وإما أن يعبده، فعادى من الأشياء ما عادى، وعبد منها ماعبد.. وهل في ذلك غرابة وإحدى صفات الإله - أي إله - أنه يخاف ( بضم الياء ) أليس هو المنتقم الجبار؟!
والغريب العجيب معا أن ظاهرة الخوف ما زالت تمثل جوهر الإنسان حتى بعد مرور مئات الألوف من السنين على ظهورها، فما زالت البشرية تخاف من أشياء حقيقية وأخرى وهمية، تخاف من المرض والأسلحة الكيماوية والذرية وتخاف أيضا من الأطباق الطائرة والكائنات الفضائية، بل تخاف حتى من الغرباء والآخرين؛ ووقفت حيال الأمر ذات الوقفة القديمة: إذ عادت منه ما عادت، وعبدت منه ما عبدت؛ عادت الآخر المختلف دينيا وعرقيا ولونيا، وعبدت آلهتها الجديدة المادة والتطور – إلى أين!! – والدولار والجنس أيضا؛ فكأن الحضارة والمدنية ما هي إلا قشرة خارجية سطحية والروح هي هي ما زالت جاهلية، وأنه لا فرق بين مدني وبربري، ولا بين مدنية ووحشية!! وهذا من سخريات القدر، وعجائب الإنسان وما أكثر أعاجيبه!!
وإذا دققت في الأمر رأيت أن بقية أبنائي من الكائنات الأخرى حيوانا ونباتا وجمادا يحكم حياتهم قانون ( صراع البقاء ) أو تنازع البقاء، فالصراع هو الذي يحكم هذه الحياة، وهو الذي أعطى التوازن والانسجام لهذا الكون؛ فآكلات أعشاب تتغذى بالنبات وآكلات لحوم تتغذى بآكلات أعشاب ثم موت يسري على الجميع من نبات وعاشب ولاحم فتتحلل كل هذه الأشياء إلى مواد وأملاح يتغذى عليها النبات ثم تأتي آكلات الأعشاب... إلى آخره في سلسلة ديالكتيك الوجود العجيبة فكل له دوره في هذه الدراما الكونية المحكمة، وكل يتصرف وفق ضرورات العيش من غير زيادة أو نقصان أو تعد أو طغيان.. إلا الإنسان هو الوحيد من أبنائي الذي يقتل بلا ضرورة!!
( وللحديث بقية )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جهود مصرية لتحقيق الهدنة ووقف التصعيد في رفح الفلسطينية | #م


.. فصائل فلسطينية تؤكد رفضها لفرض أي وصاية على معبر رفح




.. دمار واسع في أغلب مدن غزة بعد 7 أشهر من الحرب


.. مخصصة لغوث أهالي غزة.. إبحار سفينة تركية قطرية من ميناء مرسي




.. الجيش الإسرائيلي يستهدف الطوابق العلوية للمباني السكنية بمدي