الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحداثة .. واشكالية الخصوصية

ضمد كاظم وسمي

2008 / 6 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعطي المنظومة الفكرية للحداثة أولوية للعقل على القلب .. تمجد المنطق والعناء الفكري والجهد العقلي .. وتقصي الانفعالات والميثولوجيا والخرافات من توجيه الفكر ، كما ترتبط الحداثة بالحرية .. حرية الفرد ومسؤوليته .. أي فاعلية الفرد .. وتحريره من قوة الماضي ومسلماته وتقاليده .. ان يكون شخصاً مسؤولاً عن ((الشأن العام )) .. وان لايخضع لحكم الاموات .. لان فكر الحداثة فكر النسبية والنأي عن الاطلاقية في الاحكام .. كما يرجع الاحداث الى مسبباتها الواقعية لا إلى عوامل خفية .
التحديث بانواعه كالتحديث التكنولوجي والتحديث السياسي والتحديث المؤسسي .. وربمـا التحديــث المجتمعي ، كل ذلك لايصل الى اعماق الحداثة ما لم يحصل .. (( تحول فكري في ثقافة المجتمع ، وفي النظرة الى الانسان ، وفي العلاقة مع الطبيعة وغيره من المجالات )) .
تعد ضبابية محددات ومكونات فكرة الحداثة .. وغموض مضامينها من أهم سمات الفكر العالمثالثي .. الذي يطرح اليوم بشدة قضية الحداثة والتحديـث دون المام واضح بعناصر مشروع العصرنة في مكونيه الرئيسيين : (( الحداثة والديمقراطية ، فالحداثة اختيار فكري ستراتيجي عام ، والديمقراطية هي تجسيده السياسي )) .. فأنماط الحداثة ومقولاتها تطلبت جهداً فكرياً وعقلياً لسبر سيرورة الفكر العالمي بانعطافاته ومخاضاته .. والولوج في رواق العقل والاهتداء بانواره .. والنزول في جبه للكشف عن مطمراته ومقابره .. الامر الذي لانجد مايناظره في تاريخنا الفكري الا صبابة ما برحت تجثم على انفاسها حد التغييب ، مقولات فكرنا التقليدي المتكلس .
ان الانغلاق الحداثي / الحضاري لفكرنا تجاه الحضارة الغربية .. اخل بالتوازن الحداثي الكوني ، الامر الذي افضى الى الصدمة الاستعمارية الاولى .. والتي أيقظت الوعي والحس الوطنيين في الشرق .. غير ان المشروع الحداثي الوافد من الغرب لم يكن (( اختياراً نابعا من ضرورات تأريخنا وتجربتنا كأمة)) .. حيث ان النخب السياسية والاجتماعية التي نصبها الاستعمار ووريثتها في الحكم الانظمة الشمولية الاستبدادية .. ظلت توائم بين الحداثة كمفهوم عملي تقني والثقافة التقليدية بشكل مشوش والتباسي . وهكذا فشل المشروع الحداثي في الوطن العربي .. لانه لم ينجز الشرط الحضاري للانتقال الى الحداثة .. الا وهو (( التجديد الديني )) .. أي اعادة قراءة الفكر الديني وتراثه وتجديد تفسيره وتأويله (( قراءة منفتحة بعين العصر وبالادوات المعرفية الجديدة التي تقدمها العلوم .. وفق متطلبات العصر ، يطور انطلاقاً من الدين ثقافة حافزة على التجديد والتحديث والتطوير كما حصل في اوربا نفسها )) .. واذا كانت الصدمة الاستعمارية الجديدة والتي تقودها اميركا قد انتهت بالبلاد العربية الى حركات تكفيرية الغاثية شعارها (( بعثت بالذبح )) .. تحاول في سياق معاداتها للحداثة المماهاة بينها وبين الالحاد (( إنكار المقدس )) .. لتحيل الحداثة الى قمامة تتعفن بالشذوذ والمخدرات والهرطقة والاستغلال والاستعمار .. وهو حكم استباقي مؤدلج يوارب نوافذ الحوار ويعمل على الغاء الاخر من نقطة الشروع .
ثمة التباسات تلاك في افواه اهل الثقافة سيما الادبية منها .. عندما يعدون الحداثة كمرادف للتجديد .. من خلال نظرة انتقائية لمفردات التاريخ الثقافي والادبي .. جاعلين مثلاً الجاحظ رائد الحداثة في التاريخ العربي .. او ان فلاناً سبقه في ريادة التجديد أو ان علاناً لحقه في مضمار العصرنة والتقدم الفكري .. والحال ان هذه الترقيعات الفاقعة ..لاتعيد الحياة لثوب بليل كان قد تهرأ منذ عصور خلت .. انما تشير الى تطمينات كاذبة لنفوس تتوق الى امل نافق ، لان الحداثة كمصطلح نوعي تشير الى (( جملة التحولات الاقتصادية والسياسية والفكرية التي حدثت وتبلورت في الغرب منذ بزوغ عصر النهضة .. مروراً بالاصلاح الديني .. بالثورة الفرنسية )).. حيث صيرت كل تلك التحولات وغيرها ووضعتها في ميزان العقلنة ، وجعل الحياة الانسانية اداة في يد العقل بشكل صارم التنظيم .. واذا لم تشكل الحداثة قطيعة مع الماضي تماماً ، فانها في احسن الاحوال ليست بأقل من اعادة النظر في التراث على اسس علمية دقيقة ووفق متطلبات الحاضر .. واستشرافات المستقبل .. ولم تدع أي شيء يعلو على العقل بما في ذلك المقدس والمعتقد والاسراري0
ا ذا كانت الحداثة قدر هذا العصر .. فان على الخصوصية الثقافية ان تتطور في اتجاه الكونية (( الكوكبية )) بما يعنيه من كون حداثي .. والا اصبحت عائقاً وتماهت مع الماضي .. ونامت في قبوره دون ان تستشرف المستقبل ابداً .. فاذا علمنا ان الحداثة تتهدد الجميع بالابتلاع والتذويب .. (( لان ثقافة الحداثة ليست شيئاً لطيفاً يداعبنا .. نعم هي تداعبنا ، وتغرينا عبر التلفزيون وغيره ولكنها تداهمنا ايضاً )).
فان المطلوب من ثقافتنا (( الخصوصية )) ان تتحدث وتتعصرن بحكم تطورها الذاتي واحتكاكها مع الفكر الحداثي الغربي وانجازاته العظيمة .. والاولوية للنخب التحديثية كالنخب السياسية والثقافية والتكنوقراط التي يمكن ان تنجز التحديث ، لانها هي التي تسير في اتجاه التاريخ وتستنير بقوانينه … بخلاف النخب التقليدية المحكومة بتجارب الماضي .. وردود الفعل تجاه التاريخ العالمي والتحديثي ، لذلك فهي (( تكاد تشكلة فرملة للتطور )) لانها تعيد انتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والانغلاق .. وتاريخ الاجترار والتكرار .
درج العرب على اللهاث خلف الحداثة التقنية الاستهلاكية .. بيد انهم يرفضون المنظومة الفكرية والثقافية للحداثة الغربية .. ومنهم من يرى ان هذا الرهان القائم على الانتقائية والتمييز بين روح الحداثة ومظاهرها .. سيمكن للعرب امتلاك ناصية الحداثة من خلال اقبالهم على التكنولوجيا الحداثية .. مع احتفاظهم بموروثهم الفكري التقليدي .. وهو منطق واحدي آيديولوجي .. لايصلح في فهم آليات الحداثة .. وقد اثبتت احداث القرنين الماضيين ذلك ، فضلاً عن عجزهم في استنبات حداثة جوانية .. كون وعيهم الجمعي مبشوماً بمسكنات (( خير أمة اخرجت للناس)) .. في الوقت الذي يقعد هذا الوعي على واقع متردٍ وبائس والاكثر تخلفا في العالم .. ناهيك عما تنطلق منه الحداثة الغربية من روح وثابة .. تهاجم الجميع وترغمهم على التعاطي معها شاءوا ذلك ام أبوا .. (( فاشكال الحداثة المنتشرة عبر العالم هي اصداء ومرايا للحداثة المرجعية )) الغربية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختتام مناورات الأسد الإفريقي بسيناريو افتراضي استخدمت فيه م


.. بعد ضربات أمريكية على اليمن.. يمني يعبر عن دعمه لفلسطين




.. فرق الإنقاذ تنتشل جثمانين لمقاومين استشهدوا في جباليا


.. واشنطن: بلينكن دعا نظراءه في السعودية وتركيا والأردن للضغط ع




.. فرق الإسعاف تنتشل جثامين مقاتلين فوق سطح منزل بمخيم جباليا