الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا ما علمتنيه الحياة – 3 -

عبدو أبو يامن

2008 / 6 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قلت: إلا الإنسان يقتل بلا ضرورة؛ فهل رأيت أو سمعت بحيوان مفترس قتل حيوانا آخر إلا بدافع الجوع وإشباع البطن، أو هل سمعت بحيوان حبس حيوانا آخر بداعي التحفظ ودفع الخطر؟!
هذا الابن الغامض الذي أعياني أمره، فهو يقتل بلا سبب معروف؛ يقتل على التهمة، ويقتل على الشك، ويقتل على الاختلاف، يقتل وهو جائع، يقتل وهو شبعان، يقتل القريب ويقتل البعيد، ويقتل صاحب الدين المخالف ويقتل حتى أهل دينه... هذا الابن الذي كثيرا ما يعاقب الأبرياء المسالمين بقتلهم أو سجنهم أو تعذيبهم كثيرا ما يفلت منه المجرمون بجبروتهم وطغيانهم؛ فما أعجب شأن هذا الابن!!
وأعجب ما يملكه من عقلية شيطانية فهي التي صورت له وزينت له أساليب ما كانت تخطر حتى على بال إبليس المسكين؛ فإن كانت الحيوانات المفترسة تقتل بأعضائها المجردة مخالبها وأنيابها، وإن كانت لا توقع عادة إلا بضحية واحدة، فهذا الكائن الرقيق مد في أنيابه ومخالبه وجعلها كيماوية ونووية، وهو يقتل بها بالجملة، فضحاياه كثيرون بالعشرات والمئات بل بالألوف، وهو يقتل كل ما يتحرك و ما يتنفس من بشر وشجر وحيوان، وهو بعد ذلك جبان لا يقوى على المجابهة المباشرة فهو يقاتلك من آلاف الأميال بل وبينك وبينه سهول وبحار ومحيطات... فقانون الشرف وأخلاق الفروسية لا مكان لها في قاموسه!!
وهو بعد ذلك قد تفنن في أساليب القتل فهي ليست كلها تصفية جسدية أو مادية ففي جعبته الكثير والكثير؛ عنده القتل المعنوي يستخدمه بحق خصومه وأعدائه وهذه أكثر ما تكون في الشؤون الثقافية والعلمية، فهناك الإهمال والتجاهل والتعتيم واللامبالاة والحرب النفسية والإعلامية...
ولديه كذلك من الأساليب المعنوية التي تؤدي في النهاية إلى القتل المادي؛ التجويع والحصار ، وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وإذلال الشعوب بالجوع وفقدان الضروريات حتى تذعن في نهاية الأمر لما يراد منها!
ولديه أنبياؤه الكذبة ودجالوه الفسقة ومنظماته المشبوهة ومؤتمراته المتآمرة... ثم لديه من وراء ذلك إمبراطورياته الإعلامية الضخمة يغسل بها العقول ويدجن ويهجن بها البشر، لا يكاد يفلت من تأثيرها كائن إلا من رحم ربك!!
هذا الابن الذي يدخر أكثر مما ينفق، ويخزن أكثر مما يأكل، ويضم إليه من الوسائل أكثر مما يستخدم، يا ترى إلى أين هو سائر؟!
هذا الابن التي كل الكائنات تأكل لتعيش إلا هو فيعيش ليأكل كأنه خالد مخلد!!
هذا الابن حيرني أمره حيرة لم احترها حيال أي من أبنائي؛ ما الدوافع التي تحركه، وما العلل التي تدفعه، وما القوى التي تسيره، وما الغايات التي يعمل وفقا لها؟!
هل هي الغريزة؟ حاشاها أن تكون هي؛ فها هي تحرك الكائنات الأقل منه رتبة منذ آلاف السنين بل ملايينها وما زالت الحياة الطبيعية تسير بانسجام وانتظام قبل أن يتدخل في شأنها الإنسان كما هي عادته في حشر أنفه في كل ما لا يعنيه!
هل هي الأديان؟ حاشاها؛ فالدين الحق لا يمكن أن يأمر أتباعه بالقتل والتدمير والفوضى الكونية وإخلال التوازن، وعبادة القوة الغاشمة التي لا تعرف إلا نفسها ولا تؤمن إلا بذاتها وفي النهاية بعد أن تدمر الكائنات الأخرى تدمر ذاتها!
ما هي إذن؟!
في الحقيقة لو أجبت بأنه : العقل لغضب مني بعض أبنائي من العقلاء واتهموني بالتناقض!! أنا التي ميزتهم ( الجنس البشري) - كما يزعمون – بهذا العقل كيف يكون سببا في كل مصائبنا ومآسينا؟!
وفي الحقيقة أنا في حيرة من أمري بم أجيب، هل أقول – مثلا – هو العقل تلوث بأوضار الغريزة، أو هل هي الغريزة تسممت بسموم العقل؟!
وفي الحقيقة هذا الكلام أقرب إلى التساؤل الحائر العاجز منه إلى الجواب الناجز الشافي!!
ولعل من الأفضل والأجمل لي ولكم أن أكل أمر الإجابة إليكم؛ ألستم تباهون بهذا النور الذي مازكم من جميع أبنائي، فلم تنكصون عنه وتلقون بالتبعات علي وحدي، أنا الأم الرءوم التي منحت لكم من حياتي حياة ابتداء، سأدع الأمر الإجابة لكم انتهاء، ما دمتم قد خالفتم عن أمري ولم تحفظوا لي صنيعي؛ أليس شاعركم ( المعري ) هو القائل:
أيها الغر إن خصصت بعقل فاسألنه فكل عقل نبي
فاسألوا عقولكم واستفتوها فلعلكم واجدون جوابا، والله يرحمنا ويرحمكم!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما مبرّرات تكوين ائتلاف لمناهضة التعذيب؟


.. ليبيا: ما سبب إجلاء 119 طالب لجوء إلى إيطاليا؟ • فرانس 24




.. بريطانيا: ما حقيقة احتمال ترحيل مهاجرين جزائريين إلى رواندا؟


.. تونس: ما سبب توقيف شريفة الرياحي رئيسة جمعية -تونس أرض اللجو




.. هل استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي لفض اعتصامات الطلاب الداعمة