الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي و الديمقراطية

سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر

(Sohel Bahjat)

2008 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو كان الإمام علي أتيحت له الفرصة و المجال الكافي و لو لم يكن تعرض لهجمة المنافقين و المتطرفين العروبيين الذين أزاحوه عن التصدي لقيادة الشعب، لكان وضع الإسلام و المسلمين مختلفا كليا عما نشهده الآن من تحول المنطقة الإسلامية إلى بؤرة لتجمع الأوبئة الفكرية و النفسية و ساحة رحبة للمتطرفين الذين يُتقنون لغة الموت و القتل و الإبادة و اضطهاد المخالفين فكريا و عقائديا.
قد لا يوافقني كثيرون الرأي لكنني مؤمن و معتقد كليا بأن مبادئ الإسلام حسب المنهج الذي أقامه الإمام علي هو "إسلام ديمقراطي علماني" يتجاوز الدين و الشريعة كأجسام جامدة لا روح فيها و ينظر إلى الدين بمقدار دوره في إسعاد الإنسان و تحقيق مصلحته، من هنا كان علي بن أبي طالب يرفض سير الفتوحات و التفرقة بين رعاياه ـ المواطنون كما كان يتم تسميتهم آنذاك ـ فكان يعطي للمسلم و المسيحي و العربي و غير العربي المبلغ نفسه و حينما سألته امرأة عربية أن لا يساويها في العطاء مع امرأة من الموالي "أي غير العرب" مدّ عليٌّ يده و رفع حفنة من التراب و قال لها أنها إذا استطاعت أن تثبت أنها خلقت من تربة أخرى حينها فلتعد و تأخذ مبلغا أكبر، و طبعا خرجت العربية غاضبة.
قال علي بن أبي طالب مخاطبا ربه: ما عبدتك طمعا في جنتك و لا خوفا من نارك و لكن لأنك أهل لذلك..". ليس من العجيب أن نجد هذا الرجل الكبير و العظيم في أفكاره و حياته البسيطة يؤسس لذات المبدأ الأخلاقي المتطور الذي رسخه فلاسفة الغرب العظماء من أمثال باروخ سبينوزا و عمانوئيل كانط و فولتير، و لا أريد هنا أن أكرر الفكرة الساذجة التي تؤرخ لكل شيء بمنظار الأسبقية و الأولوية، فنكون نحن المسلمون السابقون إلى كذا و كذا، ببساطة كان علي رجلا ولد في غير زمانه و سبق عصره، فأن نحب الله لذاته و نعمل الخير لذات الخير كونه جميلا بذاته و نتجنب الشر لأنه قبيح قبحا عقليا و نفسيا، هذا المنهج لو لم يُجابه بتلك العنجهية و ذلك المسار الأموي الذي رأى في كل فكرة علوية عدوا لها، بالتأكيد كانت هذه الفكرة لتنبت ديمقراطية و تعددية و لهذا السبب نجد أن الشيعة و المعتزلة ـ و هم المعجبون بالمنهج العلوي ـ يقرون فلسفيا بأسبقية العقل على الشرع و أن الحسن و القبح ذاتيان في الأشياء.
مرة أخرى نجد عليا يقول في كلمات سبق بها عصره: لا وطن مع فقر و لا غربة مع غنى.." هذا المبدأ العلوي الكبير الذي تجاوز نظرية المواطنة حتى في قمة مفهومها القومي الذي كان يعطي الأولوية للتراب و الأرض أو حتى للإنسان المتميز بصفات عنصرية معينة، تجاوزها إلى قمة عصر العولمة حينما بدأ الإنسان بذاته يتحول إلى قيمة مقدسة، من هنا كان وصفه الذي جعل الوطن يتلازم مع الغنى ـ و الغنى هنا يتجاوز المال و الثروة ليعمّ حتى الحياة الاجتماعية التي لا تحرمه أي من رغبات الإنسان المشروعة بدءا من الاستقرار الجنسي النفسي و السكن و ما إلى ذلك ـ كما أن الوطن ينتفي وجوده بمجرد أن يتحول الإنسان إلى مخلوق عديم القيمة و تكون شعارات أخرى دينية و قومية و آيديولوجية هي مقياسا لكل شيء دون الإنسان.
و مرة أخرى حينما يُعلمنا علي أن القرآن "حمّــال أوجه" و أن الإنسان يرتكب جريمة حينما يقوم بتفسير القرآن ليتطابق مع أنانيته و مصلحته لا مع حرية الإنسان و حقه في البحث و التفكير الحر، و إذا ما كان البعض فهم كلماته خطأ فنفى نسبتها إليه، فإنني أعتبر كلماته هذه اختصارا لكل الخلافات المذهبية الإسلامية و التي تشربت بالدم و الحروب، فلو نظرنا إلى القرآن على أنه كتاب يتعامل مع عقول و فهوم متعددة الأنواع و المستويات الثقافية و الاستيعابية فمن الطبيعي إذا أن تتعدد معانيه.
حقا أن المسلمين ـ سنة و شيعة ـ مقصرون تماما لأنهم لم يستطيعوا استخلاص فلسفة شاملة كاملة تقوم على مبدأ أن الإنسان هو محور الكون و القدسية و أن في هذا الفلك تدور كواكب الحرية و الواقعية و قبول تعدد الرأي، و أعذرني أيها الرجل العظيم يا علي بن أبي طالب فلطالما تمنيت أن أخرج للناس كتابا يوصلهم إلى الحرية و كرامة الإنسان بفضل كلماتك الفلسفية التي تمثل الأساس الديمقراطي لدين شوهه الملتحون و المعممون.
Website: http://www.sohel-writer.i8.com
Email: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حملات لترميم المواقع الدينية والأثرية التي دمرها داعش في الم


.. هنا شارع المعز لدين الله الفاطمى .. أكبر متحف آثار إسلامية




.. «ماريسا» على جبل عرفات.. قصة مسيحية سابقة من أمريكا إلى مكة


.. الحرارة تحصد أرواح حجاج بمكة وسياح باليونان.. والصيف المنصرم




.. تنظيم الإخوان المسلمين يحارب أعضاءه السابقين بوسائل وأساليب