الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليس بئس العلمانية التركية، على بؤسها، إنما بئس الإسلام العربي

عاصم بدرالدين

2008 / 6 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بلا أي شك الحجاب ليس سلاحاً فتاكاً مدمراً للنظام العلماني في تركيا. ولا فرض السفور على النساء هو فعل يشي بديمقراطية أو بحرية أو بإحترام لحقوق الإنسان، كذا فإن فرض الحجاب (كما هو حاصل في العديد من البلدان الإسلامية: السعودية إيران كمثال) ليس ديمقراطياً ولا إنسانياً. فهو يندرج (أي الحجاب) حصراً في إطار الحريات العامة، من الحرية الدينية إلى حرية الإختيار والتعبير، إلى الحرية الإجتماعية. وهذا أمر لا جدال فيه، والجميع تقريباً متفق عليه. كما أن النظرة للعلمانية التركية، من قبل العلمانيين العرب موحدة نسبياً، لأن هذه الصورة التي تجسمها تركيا اليوم للمجتمع العلماني، نقطة سلبية في ألاف النقاط التي يعبث بها الإسلام الرديكالي العربي لتهشيم والقضاء على العلمانية العربية، لما له من تأثيرٍ في النفوس والعقول العربية.

المشكلة، ليست في العلمانية التركية المتسلطة المتطرفة، إنما في الإسلام العربي المماثل لها (أي المتسلط المتطرف). الإسلام في تركيا لا يشبهه في العالم العربي، لا بل على النقيض معه. هنا عندنا تيارات وأحزاب وأفكار شمولية سلفية، من الوهابية السنية إلى الخمينية الشيعية. وهما وجهان لعملة واحدة. الإسلام هناك ثقل ودعم بالديمقراطية والحرية، أما هنا فلا يزال حتى الساعة قمعياً تخريبياً حتى لو إرتدى ولبس مئة قناع وستار.

لكن كيف صار الإسلام التركي في هذا الشكل؟ وكيف إندمج في الحداثة، والحرية والديمقراطية وهو يسجل فيها إنتصارات ويشارك في الحكم؟ هذا السؤال مطروح على الإعتدال الإسلامي العربي، كما هو مطروح على العلمانية المعتدلة العربية لأنهما جزئياً في خندق واحد -إن صح التعبير- وفي معركة واحدة، سعياً لهدف مشترك، ألا وهو: ترقية وتنمية المجتمع العربي وتحديثه. ولا ريب أيضاً أن تجربة أتاتورك العلمانية، على عسكريتها وقمعها، ومن خلال الإنقلابات المتكررة التي تلت فترة حكم المؤسس الأول للجمهورية التركية، هي التي صهرت الإسلام التركي ونقلته من التطرف إلى الإعتدال المتمثل اليوم بـ "حزب العدالة والتنمية".

هل المطلوب، إذن، إنقلاب عسكري؟
لا طبعاً. ما شاهدناه من العسكريتارية العربية لا يشجع وحتى لا يفي بالغرض، كما أن الإنقلابات التركية لم توصل ولا مرة عسكرياً إلى السلطة عكسنا تماماً، بل إن هذا الجيش كان يعود دائماً إلى ثكانته. المطلوب إنقلاب من نوع آخر. إنقلاب فكري داخل الحركة الإسلامية العربية نفسها لإبعاد السلفيات وتحجيمها، لا بد لنا أن نستعيد أفكار جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي ورشيد رضا. هذا التحديث الإسلامي، المتأثر نسبياً بالغرب كثقافة حداثوية ديمقراطية تطورية. هذه النظرة العقلانية للدين. التي ساهمت، حين كانت وقتها، في النهضة العربية مع الأفكار العلمانية.

على الفرق الإصلاحية في الإسلام، أن لا تُحرج من السلفية الإسلامية ولا أن تخاف وترتعب من التكفير (الموضة الإسلامية آنياً) والإتهام بالإنحراف، وأن لا تخضع لأفكارها، بل عليها أن تعارضها بشدة. هنا نستذكر ما أشار إليه المفكر الفلسطيني هشام شرابي في كتابه "المثقفين العرب والغرب" الصادر عن دار النهار، حين قسم العالم العربي في فترة ما أصطلح على تسميته بـ عصر النهضة (1875-1914). أشار المفكر الراحل إلى إنقسام المجتمع العربي، آنذاك، إلى ثلاث تيارات: الأول رديكالي إسلامي، والثاني: إصلاحي إسلامي، والثالث: علماني مسيحي مع قلة قليلة من المسلمين العلمانيين، ويعلل الكاتب هذا لما كانت جذور العلمانية تثير في نفوس المسلمين العرب. هذه المشكلة الأخيرة قد حلت وما عادت تشكل عائقاً، فنحن قادرون على إنتقاء ما يناسبنا من الغرب من حرية وديمقراطية وعدالة ومساواة.

لكن المشكلة التي لا زالت مستمرة من تلك الفترة حتى الساعة، هي غلبة الفكر الرديكالي في الإسلام على الفكر الإصلاحي، وكان وقتذاك يمر التيار الإصلاحي في أحسن حالاته مع تبلور أفكار الأفغاني ولاحقاً أفكار تلميذه الأزهري محمد عبده ومن تلاه. ومع ذلك سيطر التصعب على الإعتدال وأحرج الأخير. فكلما سعى إلى التقدم أكثر نحو الأفكار التي نقلت من الغرب وعصر التنوير الأوروبي، كانت تشتد وطأة المنافسة والإختلاف، فما كان منه (الإعتدال الإصلاحي) إلا التراجع لصالح السلفية الفكرية. أما الآن (مرحلة ما بعد 1914 التي يؤرخ لها الكاتب) فلا شيء تبدل أو تغير في شرعي إلا أن عدد الإصلاحيين قد تضاءل ووهن وبرزت تيارات جماعات وأفكار أكثر سلفية ورديكالية وتكفيراً!

نحن مع الإسلام التركي المعتدل (ضد العلمانية التركية)، على الإختلاف معه في العديد من الأمور، لكنه "نموذج" كما يقول الأستاذ جهاد الزين في جريدة النهار. "نموذج" للإسلام الذي نريده في عالمنا العربي. ونحن مع الإسلام الإصلاحي العربي في وجه التطرف والسلفيات لا لما يشكله/تشكله من خطر كبير على المجتمع العربي (مثله مثل الديكتاتوريات العربية الغير دينية من مصر إلى سوريا وليبيا... إلخ) فحسب وإنما أيضاً على الإسلام نفسه. فنحن عاجزون عن إلغاء ونفي وجود الإسلام، وهذا ليس هدفنا أصلاً، بل نحن نريد العيش (أو التعايش) معه لتجذره في الإجتماع العربي، لكن في أقل النسب من التشدد والتعصب والقمع والظلامية والتطرف والتخلف.. فإن كان الغرب المسيحي حقاً هو ضد كل "ما هو إسلامي" لمجرد "أنه إسلامي" فإن هذا التخلف الفكري والتصرفات الهمجية لبعد فرق هذا الإسلام، هي التي تقدم الحجج والبراهين والتوكيدات للغرب على صوابية موقفه، الكاره والمعادي للإسلام...

أخيراً:
ليس بئس العلمانية التركية، على (رغم) بؤسها، إنما بئس الإسلام العربي على رجعيته!









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال