الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السماويون الجدد 1

حاتم عبد الواحد

2008 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في عالم يتجه به عدد السكان نحو عتبة العشرة الاف مليون من البشر ، ما زال نحو 350 مليون من المسلمين البالغ عددهم الان خمس سكان المعمورة ، يعيش تحت خط الفقر وعلى عتبة المجاعة ، ولا تخطيء العين جيوش المحرومين والجياع الدين تتكدس بهم حواضر بلدان اسلامية يعد اهلها من اغنياء الدنيا ويتصدر حكامها وامراؤها قائمة الاكثر غنىً فاحشا ، فملايين البشر من نواكشوط الى اسلام آباد يعيشون بلا ماء صالح للشرب ، وبلا رعاية صحية ولا برامج تعليم ، ولا ضمان اجتماعي يشكل درعا واقيا لدورة حياتهم التي استنزفتها الشعارات البراقة للاسلمة .
بل ان هذه الحالة قد رافقت حتى التجمعات الاسلامية الناشئة في بقع جغرافية بعيدة عن المركز الاسلامي الطارد لكل ما يضعه على طاولة الاختبار ، من اراء وايدلوجيات وعقائد ، ولا نستغرب حين نسمع بان المسلمين الاوربيين من احفاد الانكشاريين العثمانيين يعيشون بطريقة ادنى من مواطنيهم الاخرين ، وسوف يقول قائل انه الاضطهاد الكنيسي لكل ما هو مسلم ، ولكن هذه الاجابة لا تقول من الحقيقة الا عشر معشارها ، لان الاضطهاد الاسلامي اشد واقسى على معتنقي الفكر الصحراوي الشحيح من ابناء قارات الوفرة ، فمشكلة الفقر ليست عارضا من عوارض نشوء المجتمعات الرأسمالية الحديثة ، انما هي ثمرة نشاطات متنوعة رافقت نشوء المدينة والاستيطان البشري الاول ، فالانسان الذي بدأ صيادا يحتال على فرائسه ويستدرجها ليقتات على لحومها لم يعانِ من قضية الفقر ، بل ان القبائل البدائية حتى اليوم لا تواجه مشكلة اسمها المجاعة رغم انقطاعها عن تكنلوجيا التبريد والتخزين ، فمن يحظى بصيد وفير من صيادي المجتمعات البدائية يوزع ما يفيض عن حاجة المجموعة التي ينتمي اليها على اعضاء المجاميع الاخرى التي لم تظفر بشي تقتات عليه ، ولو سألت اي بدائي اين تخزن اللحم الزائد او الحبوب الزائدة عن حاجتك ؟؟ فانه سوف يشير الى معدة صديقه ، وفي ظرف يشبه هذه الظروف البدائية نشأ عصر التدجين ،وظهرت اولى التجمعات البشرية قرب الانهار ، فالحياة التي تعتمد على الامطار لا تستطيع الصمود طويلا بسبب تقلبات المناخ ودورات الاحترار والتبريد ، فكانت اوروك اولى المدن التي ظهرت بعد موجة الجفاف التي ضربت جنوب غرب اسيا عام 3500 ق . م ،فظهرت نتيجة القحط موجات بشرية ممن لا ارض لهم ، كانوا عاطلين ، فروا من قراهم عندما شحت الامطار ، وشكل هؤلاء مستودعا بشريا للعمال يمكن حشده لتمويل المنظومة الزراعية المؤسسة للقرية ، فبنى هؤلاء المعابد واسوار المدن ، وغير ذلك من الاعمال العمومية مقابل حصص من الطعام ، وكانت كل تلك الاعمال تنجز باسم الالهة الذين يتحكمون في مصير البشرية وقوى الكون الشريرة .
وعندما برزت الحضارة السومرية بحدود 3100 ق . م ، كان حكام مدنها لا يستطيعون الاسترخاء في ارض تاتي فيها الامطار والفيضانات في التوقيت الخاطيء ،بحيث ممكن ان تتحول حواضرهم في لحظة الى صحراء او تفقد مواردها المائية في مدى ايام معدودة ، فتشاحنت المدن السومرية احدها مع الاخرى حول الارض وحقوق المياه والتجارة والقوة الجائرة ، وتفاخر الالواح الفخارية والنقوش المسمارية بانتصارات دبلوماسية وحروب وصفقات شنيعة ، و التي تبدو اليوم مكتوبة بلغة مألوفة الان بشكل مـذهل ،فعاش كل حاكم سومري في خضم مضطرب من التحالفات المتغيرة ،وخلافات الحدود والدبلوماسية والحرب ،وتأرجح مركز القوة السياسية من مدينة الى اخرى تغـذيه أنوات متضخمة لزعماء لديهم احيانا جنون عظمة ، وكانوا يعرفون انفسهم بانهم " السماويون " والممثلون الارضيون لآله المدينة ، والمشرفون على الدوائر الملكية .
لا شك ان البشر عندما تلسعهم جائحة الجوع ، فانهم سيرتدون اولا الى اعماق حدودهم الجغرافية ،للحصول على ما يقتاتون عليه ان كانوا مزارعين ،اما إذا فشل هذا الخيار في اجزاء واسعة داخل تلك الحدود فان الغارات على حقول الجيران والاستيطان فيها سيكون البديل الجاهز لمقاتلين لا يتوانون عن مواجهة بعضهم البعض من اجل اشياء تعزز وجودهم .
لقد مرت السنوات ثقيلة في جنوب العراق وصحراء العرب قبل ولادة محمد عام 571 ميلادية ،ويروي لنا التاريخ ان انفجارا بركانيا هائلا حدث في العام 535 ميلادية ، وهو الاكثر كثافة واستمرارا من كل ما سجل تاريخ اوربا وجنوب غرب اسيا ، حيث تقع مكة ، ما ان جعل الناس تستهلك غلال السنة السابقة ، وتلا ذلك انتشار المجاعة والطاعون ، ولقد كتب المؤرخ بروكوبيوس من قرطاجة " ارسلت الشمس ضوءا غير ساطع هذه السنة كلها ، وكأنه ضوء القمر ، وبدت تشابه حالة الشمس في كسوفها ، ذلك ان اشعة الشمس التي ترسلها لم تكن واضحة ، وليست بالاشعة التي تعودت ان ترسلها ،لقد تساقط الثلج في بلاد ما بين النهرين ، وخابت المحاصيل في جنوب العراق " .
ولا اظن ان الذاكرة البعيدة او القريبة تستطيع التغافل عن سنوات الجوع التي اهلكت سكان الجزيرة العربية قبل 35 سنة فقط على ولادة الصادق الامين ، الذي بشر اتباعه بانهار من الخمر والعسل واللبن ، وموائد فيها ما تشتهي الانفس ، وحياة ابدية في جنان خضر ،فما الذي نتوقعه من بدوي لا يرى له وطنا اكبر من موطيء قدمية امام مغريات ووعود مثل هذه ؟
لقد كانت السيطرة الدينية على مكة باعتبارها مركز تجمع الالهة ، هي التي تحدد نمط العلاقات السياسية والتجارية بين فرقاء الصحراء ، فالاحلاف والمعاهدات والحروب ، تعقد وتبطل حسب علاقة مكة بالقبائل التي تحمل اليها قرابينها السنوية وعطاياها ترضية للارباب ،وابكار مواشيها وغلالها ، وكانت الفكرة ان تتوحد الارباب برب واحد كي لا تتبعثر تلك العطايا في مجتمع ينوء بالندرة والقحط وبحاجة الى رب قادر على جلب الامطار ودفع الشرور ،كي لا تتكرر مأساة القحط والطاعون ، ولكن هذا الرب مازال منـذ قيامه وسط الصحراء من 1400 سنة يبخل على ضعفاء المتضرعين له ، ويمنح اقوياءهم ولصوصهم وقتلتهم جنات الدنيا قبل جنات الاخرة الموعودة ،ولو نظرنا بتمعن الى مبدأ الزكاة الاسلامي ، فاننا سنعرف مساحة العوز والفاقة التي كانت تحتل نفوس اتباع الدين الجديد ، ولقد اراد الاسلام بفرضه الزكاة الصعود بمجتمع القبائل البدوية الى مرحلة القبائل البدائية التي تتكافل في سرائها وضرائها دون حاجة الى تخويف من جحيم او اغراء بجنة .
ان وظيفة رجل الدين المعاصر ترتد عميقا الى دور الشامان والسحرة الذين كانوا يطردون الشر ويستجلبون الخير بحفنة من طعام او هدية للمعبد ، والخير والشر مفهومان نسبيان ، فسفر التكوين مثلا يخبرنا بان اول حالة قتل قد وقعت بعد ان دب الحسد والغيرة بين اخوين لا ينافسهما احد ، ورغم تحريم النظام الديني الذي
اعقب ادم لكل قتل للانسان ، الا الذين لا يحترمون ارادة الرب الراعي ، فان التناقض يقف هائلا وصارخا عندما نعلم ان المقتول من الاخوين هو الذي كان اكثر احتراما للرب والاكثر خضوعا له فلماذا كان هو الضحية وليس اخوه المتجبر العاتي ؟
تشير وقائع التاريخ بأن الغزاة دائما كانوا من الناس الاكثر جوعا والاعمق تشتتا ، وتعمل الجغرافيا عمل الرئات ، فكلما تقلصت مواردها دفعت بالبشر الى خارجها حاملين سيوفهم ورماحهم ، وكلما اتسعت الموارد شفطتهم الى داخلها مرة اخرى ،وفي كلا الحالتين يكون تقديس الرب هو الحافز الذي يحرك الجموع الغاضبة او المحتفلة ، فقد نزل السلتيون من اراضيهم القفر في شمال الالب ليكونوا الغيلان التي افزعت الامبراطورية الرومانية ،وخرج الهكسوس من صحراء مصر مدمرين كل ما حولهم ، والميسيون والحوثيون من قبلهم ادركوا ان الجوع يهدم النظام الاجتماعي ، فتقاتلت الممالك والشعوب من اجل ارضاء الرب برغيف منهوب من فم الضحايا ، كما ان بحوث علم الاجتماع الديني توكد بان البشر يكونون اكثر استعدادا للانخراط بالدعوات الدينية في اوقات الشدة وتفاقم الازمات ، ورغم تاكيد كل المدونات الاسلامية التي عاصرت الدعوة المحمدية او المتاخرة منها على ان الاسلام جاء داعيا الى التسامح والعدل والاحسان ، الا ان كتب التفاسير والسيرة تدلل بما لا يقبل الدحض او الانكار على ان الاسلام اتبع منـذ نشأته الاولى سياسة الغدر والتصفية الجسدية والاستحواذ على اموال وممتلكات مناوئيه ممن عارضوه بمنهج الحجة العقلية والجدل الفكري الذي كان يتخـذ من الشعر قناة للتعبير والتواصل ،ولعل واقعة قتل كعب بن اشرف ، وابي رافع سلام بامر محمد تدلل بكثير من التاكيد على معاداة من يقف حجر عثرة في طريق اهداف الاسلام الشمولية ، لقد كان هؤلاء الشخصين من يهود الجزيرة الذين ينازعون محمد بنقاش مسالم ، وبلا اسلحة ، ولكن رغم تمسك الايدلوجيين الاسلاميين بالآية " لكم دينكم ولي دين " على سبيل المهادنة المؤقتة والاحتيال لكسب الوقت ابان سنوات ضعف الاسلام في سنواته المكية ،فاننا نجد ان الخطاب قد تغير بعد تاسيس " دولة الوحي " في يثرب واصبح " ان الدين عند الله الاسلام " .
ورغم مرور 1400 سنة على تاسيس اول خلية حزبية اسلامية ، الا ان حزب المسلمين لم يستطع ان يحافظ حتى على شكل الدولة وقوانينها القبلية التي اسست لها وتأسست عليها ، فالدين الذي تأسس على ضرب مصالح مناوئيه وخداعهم من اجل اضعاف سلطاتهم كي يظهر كبديل عادل ، ما زال يجتر نفس افكاره دون مراعاة لدورة الزمن القاسية ،التي تغيرت بها المفاهيم والاساليب والقناعات التي يؤمن بها البشر في حياتهم على هدا الكوكب ، ويخطيء من يظن بان الاسلام كان حاجة روحية لمليء فراغ عقائدي كان سائدا في جزيرة العرب ،فالكعبة كانت عامرة بالهة القبائل التي تحج اليها ،وكان في احدى زواياها ايقونة مريم مع وليدها ممثلة قبائل غطفان وتميم ونجران المسيحية والتي كانت من اعمال اليمن واليوم هي من اعمال ابن سعود ،وكان بنو النضير والقينقاع وقريظة يهودا عربا لهم معابدهم وصوامعهم التي يتعبدون بها ، ولقد كادت هجرة محمد الى يثرب بعد ان تخلى عن اصحابه ان تفشل لو بسبب عداء هؤلاء اليهود لدعوته ، ولولا الاوس والخزرج لقرأنا عن نسل جعفر بن ابي طالب ضمن تاريخ الحبشة وليس ضمن تاريخنا المزور المليء بالدم والقيح والانين .
خرج الاسلام من معطف الفاقة والفقر والشح ليصبح بعد 50 سنة من تأسيسه اكبر امبراطورية رأسمالية في العالم القديم ، ثار على اغنياء مكة كي يصبح اغنى منهم ، وقاتل القياصرة واباطرة الفرس كي يخلق قياصرته واباطرته الذين لم نجد منهم فكاكا حتى اليوم ، هدم الهة الكعبة ليسود الهه الذيلا يشبع من الغنائم ، ماتت ممالك وحواضر وشعوب ابدعت في بناء السدود والزراعة والعمارة وشق الطرق في سبأ وحمير وحضرموت ، واصبح محمد الذي كان يطرق خيام رؤساء القبائل الوافدين الى عكاظ داعيا الى دينه حاكما فعليا ليثرب ، واصبح اتباعه من الارقاء والموالي شركاء حقيقيين لمخدوميهم ، واحسب ان مناصرة الاوس والخزرج لمحمد لم تكن مبنية على الايمان بالدين الجديد ، بقدر ما هي تعبير عن ايمان تجاري بمنافسة مكة ، فيثرب تلك المدينة الصحراوية ذات التربة البركانية كانت تريد منافسة مكة على مركزها الديني لما يدره من وجاهة ومال وسطوة ، وبالتالي فان وجهاء يثرب كانوا يفكرون ساعة مناصرتهم لمحمد ان يشاركوا في الاسواق التجارية التي احتكرتها مكة واباطرتها طويلا ،ولعل حروب الردة خير دليل على هشاشة الايمان بالاسلام وصلادة الايمان بالمكاسب التجارية التي ارادت القبائل كسبها من مناصرتها للدين الجديد ، كما ان الاسلام حطم نظام قريش التجاري بتحريمه للربا وتجارة الرق وصفقات الاضطرار ، وحطم معها دورة التعليم التي كانت مزدهرة في القبائل القحطانية " العرب العاربة " ، وجعل اليد العليا للعرب المستعربة من البدو والموالي ،فاندثرت اللغة الحميرية التي تدون بخط قديم يطلق عليه علماء الاثار " خط المسند " ، ويشيع في كتب التاريخ بان اسرى قريش ممن وقعوا في قبضة المسلمين ابان واقعة بدر قد افتدوا انفسهم بتعليم كل واحد منهم لعشرة من المسلمين الاميين ، ولنا ان نتصور مدى تفشي الامية في صفوف اتباع محمد ممن اصبجوا بعد تلك الواقعة امراء الامة والناس ، وحادثة الافتداء بالتعليم تؤكد ان هؤلاء المؤمنين الاميين قد استقبلوا الدعوة شفاها ، ولم يكونوا يفهمون ما يقال لهم ،لانهم غير قادرين على القراءة و الكتابة ، ولهـذا كانت نصوص القرآن تحفظ في الصدور ولم تدون حتى خلافة عثمان بن عفان ، فالتلقين هو اول ادوات الدعوة لدين يراد له ان يكون صالحا لكل زمان ومكان ، و هذه الطريقة غير صالحة للوثوق بها نظرا لما يعتريها من مشاكل في الرواية والميول القبلية والنوازع الشخصية ، خصوصا وان المتعاملين بها هم من البدو الجياع وليس من الملائكة المحصنين .
يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب