الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطور العقل وتدرج الشرع (2)

عبدالحكيم الفيتوري

2008 / 6 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


-أما عن العقل:فهو ذلك الوصف الذي يفارق الانسان به سائر البهائم وهو الذي استعد به لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية .كما قال الحارث المحاسبي في حد العقل:(إنه غريزة يتهيأ بها إدراك العلوم النظرية وكأنه نور يقذف في القلب به يستعد لإدراك الأشياء ولم ينصف من أنكر هذا ، ورد العقل إلى مجرد العلوم الضرورية ..).ولا سيما وقد ظهر شرف العلم من قبل العقل ، والعقل منبع العلم ومطلعه وأساسه .والعقل على هذا الأساس هو الآلة التي أنيط بها التكليف في هذه الحياة الدنيا،لمعرفة الخطاب التكليفي والوضعي ،والكشف عن سنن الله ونواميسه في الكون والنفس ،وبالجمع بينهما يتحقق للإنسان العاقل أهداف استخلافه في الأرض (إنى جعل في الأرض خليفة) ويسعد بالأمن والراحة في هذا الكون(من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى).

واللافت للنظر أن الوحي تدرج في تنزيل الشرائع مراعاة لتتطور العقل وتشكله وأكتماله ، ويمكن أن يلحظ هذا التدرج كل متدبر للقرآن الكريم حيث يجد أن التدرج بمعانيه الشاملة سنة ثابتة ؛ تدرج في الخطاب الاصطفائي ، تدرج في الخطاب التكليفي ، كل ذلك باعتبار مراحل نمو وتطور مدارك العقل البشري في إطار تدافعه مع واقعه المعيش .

- فمثلا في مراحل الخطاب الأصطفائي : كان الخطاب الإلهي ابتداء من آدم وانتهاء إلى محمد عليهم السلام خطابا(حصريا)يقوم على (الاصطفاء)ويتوجه إلى دوائر بشرية معينة كما قال تعالى:(إن الله اصطفى آدم ،ونوحا، وآل إبراهيم ،وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ). فآدم أول البشر إرتقى إلى مرتبة الاصطفاء بعد ما تدرج في مراتب الإنابة والتوبة(ثم إجتباه ربه فتاب عليه وهدى).فكان هاديا مهديا وكان في ذريته من شاء الله تعالى من النبيين والمرسلين. وأما نوح عليه السلام فقد حدث على عهده ذلك الطوفان العظيم فإنقرض من السلائل البشرية من إنقرض ونجا هو وأهله في الفلك فكان بذلك أبا ثانيا للجم الغفير من البشر،وفشت فيهم الوثنية حتى ظهر فيهم إبراهيم عليه السلام نبيا مرسلا وخليلا مصطفى وتتابع النبيون والمرسلون من آله وذريته(ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ، ونوحا هدينا من قبل،ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون،وكذلك نجزي المحسنين،وزكريا ويحي وعيسى وإلياس كل من الصالحين ،وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين، ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم وإجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ).

ثم بعد انتشار تلك الانحرافات المتنوعة في ذرية إبراهيم عليه السلام خاصة بين اتباع موسى وعيسي عليهما السلام ، وادعى كل واحد منهما أنه صاحب المنهج الإبراهيمي (وقالوا:كونوا هودا أو نصار تهتدوا،قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)،جاء الخطاب الإلهي يمهد لعملية الانتقال الاصطفائي من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل ،ومن قيادة بيت المقدس إلى بيت الله الحرام(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)حيث بشر موسى وعيسى عليهما السلام بهذه المرحلة النهاية من الأصطفاء(وإذا قال عيسى ابن مريم إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ).فكان ذلك الاصطفاء الأول من ذرية إسماعيل والبشرى بسيد الأولين والآخرين والخاتم النبيين والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) ثم الاصطفاء المؤقت المرحلي للعرب من ذرية إسماعيل(وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون)(وانذر عشرتك الأقربين)،كل ذلك تمهيدا لإلغاء مرحلة الخطاب الاصطفائي الحصري والخلائفي(ثم جعلناكم خلائف في الأرض)،وتأسيسا للخطاب العالمي الذي يشمل كافة البشرإلى يوم الدين(قل يا أيها الناس أني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض ، لا إله إلا هو يحي ويميت ، فأمنوا بالله ورسوله النبي الآمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعللكم تهتدون).

فكان هذا الخطاب العالمي إيذانا بإحلال المنهج الرباني عن إبتعاث الرسل والخطاب الاصطفائي(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله)،وجعل الرسالة الخاتمة المنهج الرباني الخاتم مهيمنة على كافة الرسائل السماوية السالفة(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه )هيمنة إحتواء وإستعاب .

يتبع









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 154-Al-Baqarah


.. استقالة أول موظفة يهودية من إدارة بايدن -بسبب سياسة واشنطن م




.. المفكر د. يوسف زيدان: اجتماعاتنا في -تكوين- علنية وبيتم تصوي


.. المفكر د. يوسف زيدان: اتكلمنا عن أشكال التدين المغلوط .. وه




.. دار الإفتاء في طرابلس تدعو ل-قتال- القوات الروسية في البلاد