الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرد على مقال وفاء سلطان نبيك هو أنت.. لاتعش داخل جبته! (14)

محمد الشهابى

2008 / 6 / 26
التربية والتعليم والبحث العلمي


فى البداية وقبل البدء فى الرد من جديد على إفتراءات كاتبة المقال أحب أن أؤصل مبدأ حرية الرأى فلكاتبة المقال ولغيرها ممن يختلفون عقائديا مع الإسلام كشريعة مطلق الحرية فى تسجيل ملاحظاتهم وأرائهم حول الإسلام وشرائعة مهما كان حجم هذا الإختلاف .
ولكـــــــــــــــن...
كما ذكرت سابقا وأعيد وأكرر على كاتبة المقال أن تنأى بنفسها عن الكذب والإفتراء على الإسلام فهى إذا كانت لاتعلم أحكام وشرائع الإسلام فلتذكر ذلك خلال طرحها بأن ما تتطرحه هو وجهة نظرها الخاصة جدا ولا تعبر بأى حال من الأحوال عن موقف للإسلام تجاه القضية التى تطرحها كما أحب أن أعيد وأكرر ألا تتخذ من نفسها دورا ومكانة أعلى من حجمها لترفعها لدرجات أعلى من قرائها حيث دائما وأبدا تنظر لقرائها نظرة دونية وإعتبارهم أقل علما ومعرفة ودراية بأمور دينهم ودنياهم فتقوم بتنصيب نفسها واصيا ومسؤلا مباشرا عن هداية هذا العالم المسكين الذى مازال يصارع عقله للوصول لما وصلت إليه هى فتحجر على أرائهم وحريتهم بإملائها المواعظ بل والفرمانات واجبة التنفيذ .
************************

تبدأ كاتبة المقال وتأصيلا لما ذكرته فى مقدمة مقالى هذا بفاصل من السباب والقذف الذى يعاقب عليه صاحبه ليس أمام القضاءفقط ولكن أمام محكمة القراء حينما تدعى السماحة والوداعة وتقوم بسب مايزيد عن مليار مسلم بقولها:

فلقد ابتلى العالم بمجمتعات إسلامية تعج بشعوب جائعة جاهلة مريضة هائمة، تستكين لوضعها وتقدس التعاليم التي آلت إلى ذلك الوضع.
ولذلك، وعلى مدى أربعة عشر قرنا من الزمن، ظل الغباء الطابع المميّز لتلك المجتمعات دون غيرها.

ثم تقوم بشرح وتبرير هذا القذف وهذا الإتهام للمسلمين بسبب خنوعهم وعدم إعمال عقولهم فيما يؤمنون به ولفترة تزيد على 14 قرن لم يكلف المسلمون بالهم بمحاولات طرح الأسئلة حول ماورد فى القرآن والسنة النبوية وتدعى بأنهم لو قاموا بطرح هذه الأسئلة لتحرروا من السجن الذى أسقطتهم فيه هذه التعاليم.

وأنا أرد عليها فربما لا تعلم بأن الإسلام لم يمنع الإطلاع والمعرفة بل أمر أتباعه أمرا صريحا بضرورة الإطلاع والعلم فكانت أول كلمة نزل بها الوحى هى "إقرأ"
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَـنَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَـنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5].

ثم من قال لكى بأننى وغيرى من المسلمين لم نقف ونفكر فى ماهية إعتقادنا؟ومن قال لكى بأننا لم ندرس ونطرح الأسئلة حول ما يأمر به الإسلام وما ينهو عنه؟ومن قال لكى بأن الغالبية من المسلمين فى عصر السماوات المفتوحة وعصر تكنولجيا المعلومات والإتصالات لم يطلع على معتقدات الآخرين بل وقام بعمل مقارنات بين الأديان؟ومن قال لكى بأننا لم نحاور ونتحاور مع علماء المسلمين؟
بالطبع أنتى تعلمى ذلك جيدا ولكن تدعين عدم المعرفة بل وتذهبين لأبعد من ذلك بإصدارك هذه المسلمات والقواعد الغير قابلة للنقاش بعدم قدرة المسلم على مجرد مناقشة أمور دينه.

وحتى أكون أمينا فيما أكتب فأنا لا أدعى عدم وجود بعض الدعاة ضعاف الحجة الذين لا يعلمون عن دينهم غير القشور حينما يواجهون ببعض الأسئلة يطلبون منك عدم الخوض فى مثل هذه الأمور ليس بسبب أن الإسلام يدعو إلى ذلك ولكن بسبب جهلهم وعدم علمهم بأمور دينهم هذا العلم الذى يؤهلهم للرد على إستفسارات وتساؤلات العامة فيؤدى ذلك لإتخاذ البعض هذا الرد حجة وذريعة لمهاجمة الإسلام كما تقوم كاتبة المقال تماما.

إذا القصور والعجز ليس فى الإسلام ولكن فيمن يدعى نفسه داعية إسلامية وعلى علم بدينه وهو ليس كذلك على الإطلاق.

ثم أختم تعليقى على هذه الجزئية بالرد على ما أظن أنه يتبادر لذهن بعض الناس بأن القرآن يوجد به بعض النصوص التى تدعو المسلم بعدم إهدار وقته ومجهوده فى أمور لن تفيده معرفتها .
مثل قوله تعالى"{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ}

حيث يتعمد كثير من المهاجمين للإسلام بذكر النصف الأول من هذه الآيه ولا يكمل باقى الآيه كما لا يذكر مناسبة نزول الآيه لذلك نقول بأن الله سبحانه وتعالى حينما ينهانا عن السؤال فى أمور قد تحزننا يكون ذلك حتى لا ينزل بنا الهم والغم حيث أن مناسبة نزول هذه الآيه حينما سأل بعض من الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عن مصير آبائهم و أمهاتهم اللذين ماتوا وهم على الشرك والكفر ويسألون عن أحوالهم من الجنة أو النار .
ثم يذكر الله تعالى فى الآيه الأخرى ماحدث من قوم قبلهم (بنو إسرائيل) من أسئلتهم التىأدت بهم إلى التشديد عليهم فى التشريع حينما أمرهم الله بذبح بقرة فتمادوا بالسؤال عن مواصفات هذه البقرة ليصعبوا الأمور على أنفسهم ولو أنهم ذبحوا أى بقرة لكن ذلك تنفيذا لأمر الله ولكن كثرة سؤالهم فى أمور غير مجية يؤدى لنتائج فى غير صالحهم وكان ذلك حينما نزلت آيه الحج {وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: 97)فسأل بعض الصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أفي كلّ عام؟ فسكت، فقالوا: أفي كلّ عام؟ قال: «لا ولو قلتُ نعم لَوَجَبَت»

وأما السؤال الذي لا يترتب عليه شيء من ذلك، فهو مأمور به، كما قال تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ} .
{وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} أي: وإذا وافق سؤالكم محله، فسألتم عنها، حين ينزل عليكم القرآن، فتسألون عن آية أشكلت، أو حكم خفي وجهه عليكم، في وقت يمكن فيه نزول الوحي من السماء، تبد لكم، أي: تبين لكم وتظهر، وإلا، فاسكتوا عمّا سكت الله عنه.
{عَفَا ٱللَّهُ} أي: سكت معافياً لعباده منها. فكل ما سكت الله عنه، فهو مما أباحه، وعفا عنه. {وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} أي: لم يزل بالمغفرة موصوفاً، وبالحلم والإحسان معروفاً. فتعرضوا لمغفرته وإحسانه واطلبوه، من رحمته ورضوانه.
وهذه المسائل التي نهيتم عنها {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن} أي: جنسها وشبهها، سؤال تعنت لا استرشاد. فلما بينت لهم وجاءتهم {أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ} كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به، فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك مَنْ كان قبلكم، كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم».

ومما سبق أتوجه بسؤالى لكاتبة المقال أى أسئلة تقصدين؟

وتتمادى كاتبة المقال فى إتهاماتها للإسلام بنعت المرأة ناقصة عقل ودين وهنا وجب على الرد على هذا الإدعاء حيث أن هذه العبارة وردت فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حينما خطب فى المسلمين يوم العيد وموجها كلامه للنساء:

" يا معشر النساء ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ".

ولو نظرنا لهذا الحديث الشريف نظرة موضوعية لوجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يمدح المرأة وليس العكس فحينما يذكر صلى الله عليه وسلم قدرة المرأة بما تملكه من قوة العاطفة واللين والرقة وبذلك فإنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال ، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون .
فهو مدح للعاطفة الرقيقة التى تذهب بحزم ذوى العقول والألباب.. ويا بؤس وشقاء المرأة التى حرمت من شرف امتلاك هذا السلاح الذى فطر الله النساء على تقلده والتزين به فى هذه الحياة ! بل وأيضاً يا بؤس أهل الحزم والعقلانية من الرجال الذين حرموا فى هذه الحياة من الهزيمة أمام هذا السلاح.. سلاح العاطفة والاستضعاف !..
وبذلك فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين ، تمثلها المرأة.. فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية ، وذلك على عكس الرجل ، الذى تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه.. وفى هذا التمايز فقرة إلهية ، وحكمة بالغة ، ليكون عطاء المرأة فى ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات.. وليكون عطاء الرجل فى مجالات العقلانية المجردة والجامدة مكملاً لما نقص عند " الشق اللطيف والرقيق ! "..

ومما سبق يتضح معنى ناقصات عقل أما بخصوص الدين فلا يختلف أحد على أن التكوين الطبيعى للمرأة وتمتعها ببعض الرخص الإضافية التى تميزها عن الرجل ومما هو معلوم عن النساء من اختصاصهن " برخص " فى العبادات تزيد على " الرخص " التى يشاركن فيها الرجال.. فالنساء يشاركن الرجال فى كل " الرخص " التى رخّص فيها الله سبحانه وتعالى من إفطار الصائم فى المرض والسفر.. إلى قصر الصلاة وجمعها فى السفر.. إلى إباحة بعض من المحرمات عند الضرورات.. إلخ.. إلخ .
ثم يزدن عن الرجال فى " رخص" خاصة بالإناث ، من مثل سقوط فرائض الصلاة وصيام رمضان عن الحيَّض والنفساء.. و كذلك إفطار المرضع ، عند الحاجة .. إلخ.. إلخ..


وإذا كان الله سبحانه وتعالى يحب أن تُؤتَى رخصه كما يحب أن تُؤتَى عزائمه ، فإن التزام النساء بهذه " الرخص " الشرعية هو الواجب المطلوب والمحمود ، وفيه لهن الأجر والثواب.. ولا يمكن أن يكون بالأمر المرذول والمذموم.. ووصف واقعه فى هذا الحديث النبوى مثله كمثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة الفياضة على العقلانية الجامدة ، عند النساء ، هو وصف لواقع محمود.. ولا يمكن أن يكون ذمًّا للنساء ، ينتقص من أهلية المرأة ومساواتها للرجال ، بأى حال من الأحوال.

إن العقل ملكة من الملكات التى أنعم الله بها على الإنسان ، وليس هناك إنسان رجلاً كان أو امرأة يتساوى مع الآخر مساواة كلية ودقيقة فى ملكة العقل ونعمته.. ففى ذلك يتفاوت الناس ويختلفون.. بل إن عقل الإنسان الواحد وضبطه ذكراً كان أو أنثى يتفاوت زيادة ونقصاً بمرور الزمن ، وبما يكتسب من المعارف والعلوم والخبرات.. وليست هناك جبلة ولا طبيعة تفرق بين الرجال والنساء فى هذا الموضوع..

وإذا كان العقل فى الإسلام هو مناط التكليف ، فإن المساواة بين النساء والرجال فى التكليف والحساب والجزاء شاهدة على أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوى الشريف ، هى تفسيرات ناقصة لمنطق الإسلام فى المساواة بين النساء والرجال فى التكليف.. ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة نصيب من الصحة لنقصت تكاليف الإسلام للنساء عن تكليفاته للرجال ، ولكانت تكاليفهن فى الصلاة والصيام والحج والعمرة والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال !.

ومما سبق يتضح بأن كل ماذكرت كاتبة المقال من إفتراءات على الإسلام لا تخرج عن كونها مجرد إتهامات جوفاء تخلو من أى موضوعية فالإسلام يدعو متبعيه لإعمال العقل بل ويأمرهم بذلك أمرا ويأمر بإحترام بعضنا البعض ولا فرق بين عربى وأعجمى ولا أبيض ولا أسود ونتساوى جميعا فى الحقوق والواجبات المرأة مع الرجل ولما لا وهى أمى وأختى وزوجتى وإبنتى كما يدعو لإحترام عقيدة الآخر بل ويدعو لحرية الإعتقاد وجاء ذلك فى وضوح تام فى القرآن الكريم: (لا إكراه فى الدين ) (1). فلا يجوز إرغام أحد على ترك دينه واعتناق دين آخر. فحرية الإنسان فى اختيار دينه هى أساس الاعتقاد. ومن هنا كان تأكيد القرآن على ذلك تأكيدًا لا يقبل التأويل فى قوله: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (2).

ومبدأ الحرية الدينية والعقائدية من أساسيات ومبادىء الإسلام فلا معنى لمسلم إسما فى الظاهر ويفعل كل ماينهاه دينه عنه فالإسلام هو ماوقر فى القلب وصدقه العمل
وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم الحرية الدينية فى أول دستور للمدينة حينما اعترف لليهود بأنهم يشكلون مع المسلمين أمة واحدة.

ومن منطلق الحرية الدينية التى يضمنها الإسلام كان إعطاء الخليفة الثانى عمر بن الخطاب للمسيحيين من سكان القدس الأمان " على حياتهم وكنائسهم وصلبانهم ، لا يضار أحد منهم ولا يرغم بسبب دينه ".

و لقد كفل الإسلام أيضًا حرية المناقشات الدينية على أساس موضوعى بعيد عن المهاترات أو السخرية من الآخرين. وفى ذلك يقول القرآن: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن ) (3). وعلى أساس من هذه المبادئ السمحة ينبغى أن يكون الحوار بين المسلمين وغير المسلمين ، وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب فقال: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله * فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (4). ومعنى هذا أن الحوار إذا لم يصل إلى نتيجة فلكل دينه الذى يقتنع به. وهذا ما عبرت عنه أيضًا الآية الأخيرة من سورة (الكافرون) التى ختمت بقوله تعالى للمشركين على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: (لكم دينكم ولى دين ) (5).

ومما هو معلوم بأن الاقتناع هو أساس الاعتقاد: فالعقيدة الحقيقية هى التى تقوم على الإقناع واليقين ، وليس على مجرد التقليد أو الإرغام. وكل فرد حر فى أن يعتقد ما يشاء وأن يتبنى لنفسه من الأفكار ما يريد ، حتى ولو كان ما يعتقده أفكارًا إلحادية. فلا يستطيع أحد أن يمنعه من ذلك طالما أنه يحتفظ بهذه الأفكار لنفسه ولا يؤذى بها أحدًا من الناس. أما إذا حاول نشر هذه الأفكار التى تتناقض مع معتقدات الناس ، وتتعارض مع قيمهم التى يدينون لها بالولاء ، فإنه بذلك يكون قد اعتدى على النظام العام للدولة بإثارة الفتنة والشكوك فى نفوس الناس. وأى إنسان يعتدى على النظام العام للدولة فى أى أمة من الأمم يتعرض للعقاب ، وقد يصل الأمر فى ذلك إلى حد تهمة الخيانة العظمى التى تعاقب عليها معظم الدول بالقتل. فقتل المرتد فى الشريعة الإسلامية ليس لأنه ارتد فقط ولكن لإثارته الفتنة والبلبلة وتعكير النظام العام فى الدولة الإسلامية. أما إذا ارتد بينه وبين نفسه دون أن ينشر ذلك بين الناس ويثير الشكوك فى نفوسهم فلا يستطيع أحد أن يتعرض له بسوء ، فالله وحده هو المطلع على ماتخفى الصدور.

ولتعلم كاتبة المقال بأن حال المسلمين اليوم ليس بسبب الإسلام ولكنه بسبب البعد عن الإسلام ولها فى قراءة التاريخ الدليل والبرهان على ذلك.

فإن حقائق التاريخ تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الإسلام قد استطاع بعد فترة زمنية قصيرة من ظهوه أن يقيم حضارة رائعة كانت من أطول الحضارات عمرًا فى التاريخ. ولا تزال الشواهد على ذلك ماثلة للعيان فيما خلفه المسلمون من علم غزير فى شتى مجالات العلوم والفنون ، وتضم مكتبات العالم آلافًا مؤلفة من المخطوطات العربية الإسلامية تبرهن على مدى ما وصل إليه المسلمون من حضارة عريقة. يضاف إلى ذلك الآثار الإسلامية المنتشرة فى كل العالم الإسلامى والتى تشهد على عظمة ما وصلت إليه الفنون الإسلامية.

وحضارة المسلمين فى الأندلس وما تبقى من معالمها حتى يومنا هذا شاهد على ذلك فى أوروبا نفسها. وقد قامت أوروبا بحركة ترجمة نشطة فى القرنين الثانى عشر والثالث عشر لعلوم المسلمين. وكان ذلك هو الأساس الذى بنت عليه أوروبا حضارتها الحديثة.

و يشتمل القرآن الكريم على تقدير كبير للعلم والعلماء وحث على النظر فى الكون ودراسته وعمارة الأرض. والآيات الخمس الأولى التى نزلت من الوحى الإلهى تنبه إلى أهمية العلم والقراءة والتأمل (1). وهذا أمر كانت له دلالة هامة انتبه إليها المسلمون منذ البداية. وهكذا فإن انفتاح الإسلام على التطور الحضارى بمفهومه الشامل للناحيتين المادية والمعنوية لا يحتاج إلى دليل.

أما تخلف المسلمين اليوم فإن الإسلام لا يتحمل وزره ، لأن الإسلام ضد كل أشكال التخلف. وعندما تخلف المسلمون عن إدراك المعانى الحقيقية للإسلام تخلفوا فى ميدان الحياة. ويعبر مالك بن نبى ـ المفكر الجزائرى الراحل ـ عن ذلك تعبيرًا صادقًا حين يقول: " إن التخلف الذى يعانى منه المسلمون اليوم ليس سببه الإسلام ، وإنما هو عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين ". فليست هناك صلة بين الإسلام وتخلف المسلمين.

لا يزال الإسلام وسيظل منفتحًا على كل تطور حضارى يشتمل على خير الإنسان. وعندما يفتش المسلمون عن الأسباب الحقيقية لتخلفهم فلن يجدوا الإسلام من بين هذه الأسباب ، فهناك أسباب خارجية ترجع فى جانب كبير منها إلى مخلفات عهود الاستعمار التى أعاقت البلاد الإسلامية عن الحركة الإيجابية ، وهذا بدوره ـ بالإضافة إلى بعض الأسباب الداخلية ـ أدى أيضًا إلى نسيان المسلمين للعناصر الإيجابية الدافعة لحركة الحياة فى الإسلام.

و لا يجوز الخلط بين الإسلام والواقع المتدنى للعالم الإسلامى المعاصر. فالتخلف الذى يعانى منه المسلمون يُعد مرحلة فى تاريخهم ، ولا يعنى ذلك بأى حال من الأحوال أنهم سيظلون كذلك إلى نهاية التاريخ. ولا يجوز اتهام الإسلام بأنه وراء هذا التخلف ، كما لا يجوز اتهام المسيحية بأنها وراء تخلف دول أمريكا اللاتينية.

إن الأمانة العلمية تقتضى أن يكون الحكم على موقف الإسلام من الحضارة مبنيًّا على دراسة موضوعية منصفة لأصول الإسلام وليس على أساس إشاعات واتهامات وأحكام مسبقة لا صلة لها بالحقيقة.


وفى النهاية أذكر لكاتبة المقال ولغيرها ممن يطلقون لأنفسهم العنان فى الهجوم الغير مبرر على الإسلام ويريدون الخلع من الإسلام هذا الحوار الذى دار بين ذبابة وقفت على نخلة راسخة ثابتة جذورها فى الأرض حينما همت الذبابة بالطيران من على هذه النخلة قالت للنخلة :

إثبتى أيتها النخلة فإننى قررت الطيران بعيدة عنكى فإثبتى حتى لا تقعى نتيجة طيرانى .

فما كان من النخلة إلا أن قالت للذبابة:

أيتها الذبابة الحقيرة :أنا لم أشعر بك حينما وقفت علىً فكيف أتأثر بك حينما تطيرين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم