الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الاسلام دين ام دولة

مهدي النجار

2008 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


سؤال شغل المسلمين منذ عصورهم الاولى، وهو من اكثر الاسئلة التي تمحورت حولها الصراعات والخلافات بينهم وهو من اكثرها التي اججت النزاعات والتشاجرات فسالت الدماء حوله غزيرة. كان السؤال:هل الاسلام دين ام دولة؟ قد انبثق فور وفاة الرسول الكريم ليعلن بداية التاريخ الدامي والمضطرب بين اهل الاسلام، كان الرسول الكريم قد توقع حدوث ذلك حين قال: " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم اعناق بعض" (صحيح البخاري/ باب الانصات للعلماء )، طُرح السؤال اولاً بين المهاجرين والانصار، فأعلن المهاجرون احقيتهم بالسلطة فقالوا: "من ذا ينازعنا سلطان محمد وامارته ونحن اوليائه وعشيرته" (الطبري/تاريخ الامم والملوك/ ج4) اما زعيم الانصار الحباب بن المنذر فخاطب جماعته قائلاً: "انتم والله احق بهذا الامر منهم فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين" (نفس المصدر). كل ما في الامر ان المسألة اخذت هذه الابعاد الخطيرة حين تأول الدين نفسه الى دولة (سلطة) وألتبس المعنى بين المَلك والخليفة، بين الراعي والجابي،بين المتسلط والداعي، بين المبشر والجبار، وكان سبحانه تعالى قد اوضح للمسلمين هذا الغموض حين بين على لسان رسله: " قُل لا أقولُ لكمُ عندي خزائَنُ الله ولا أعلمُ الغيبَ ولا أقولُ لكم أني مَلكٌ إن أتبعُ إلا ما يوحى الىَّ" [الانعام:50 ] وفي نفس السياق يُبين النبي المصطفى معنى رسالته فيسأل مندهشاً: " ما ادري ما تقولون؟! ماجئتكم بما جئتكم به لطلب اموالكم، ولا لشرف فيكم، ولا الملك عليكم. ولكن الله بعثني اليكم رسولاً، وانزل عليَّ كتاباً، وأمرني أن اكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالة ربي" سيرة ابن اسحاق/ص 179 وبهذا الصدد يسأل الخليفة عمر في صدر الاسلام الاول: أملكٌ أنا أم خليفة؟ فيجيبه الصحابي سلمان الفارسي: " إن انت جببتَ من ارض المسلمين درهماً او اقل او اكثر ثم وضعته في غير حقه فأنت ملكٌ غير خليفة" فأستعبر عمر (الطبري/ج5 ) وفي كتاب للخليفة عثمان الى عُماله وولاته والعامة يناشدهم بالتوقف عن افساد الدين وجره الى الاعتبارات الدنيوية مُستخلصاً هذه النتيجة الخطيرة: "إن صدر هذه الامة خلقوا رعاة لم يخلقوا جباة وليوشكن أئمتكم ان يصيروا جباة ولا يكونوا رعاة" (الطبري/ج5 ).
لم تنتهي صلاحية ذاك السؤال الكبير حتى يومنا هذا فأعاده الكثيرون من الكتاب المعاصرين، بهذه الصيغة او تلك، بهذا المعنى اوذاك، لانه مازال حياً تجري في عروقه الدماء، ولان ألتباس الجواب عنه يشكل معضلة عصية تقع ضمن مسببات تدهور الواقع الاسلامي الراهن، بل ان الخلط بين الدين والدولة (او السياسة) يعتبر عقبة كأداء في خروج العالم الاسلامي من مأزق تخلفه الراهن، كان من رجال الدين الشجعان الذين طرحوا هذا السؤال واجابوا عنه بجسارة فريدة الشيخ الازهري علي عبد الرازق في كتابه المثير:"الاسلام واصول الحكم" الصادر في العام 1925 حيث حاول فيه الشيخ ان يثبت ان الخلافة (او الحكم) ليست اصلاً من اصول الاسلام وان هذه المسألة دنيوية سياسية اكثر من كونها مسألة دينية وأنها مع مصلحة الامة نفسها مباشرة، ولم يرد بيان في القرآن ولا في الاحاديث النبوية في كيفية تنصيب الخليفة او تعيينه، وذهب في كتابه الى القول بأن :" التاريخ يبين ان الخلافة كانت نكبة على الاسلام وعلى المسلمين وينبوع شر وفساد". لان دعوة الدين دعوة الى الله تعالى، قوام تلك الدعوة لا يكون الا البيان، وتحريك القلوب بوسائل التاثير والاقناع. ولاول مرة في الثقافة الاسلامية يقترب الشيخ علي عبد الرازق من خط الالتباس الحاصل بين الدين والدولة فيضع اصبعه على ذلك الخط ويؤكد: " ان الرسالة غير الملك، وانه ليس بينهما شئ من التلازم بوجه من الوجوه، وان الرسالة مقام والملّك مقام آخر". جاء بعد الشيخ علي عبد الرازق المتنور طه حسين ليمسك بتلابيب هذا السؤال المقلق في بداية الجزء الاول من كتابه : "الفتنة الكبرى" الصادر في العام1964 عن دار المعارف بمصر، وبَينَ ان القرآن لم ينظم امور السياسة تنظيماً مجملاً ومفصلاً، وإنما امرَّ بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي،ورسم للناس حدودأً عامة، ثم ترك لهم تدبير امورهم كما يحبون الا يتعدوا هذه الحدود، وان النبي نفسه لم يرسم بسنته نظاماً معيناً للحكم ولا للسياسة ولم يستخلف على المسلمين احداً من اصحابه بعهد مكتوب او غير مكتوب حين ثقل عليه المرض، ويستخلص طه حسين هذه النتيجة: "لو قد كان للمسلمين نظام سياسي مُنزل من السماء لرسمه القرآن او لبين النبي حدوده واصوله، ولفُرض على المسلمين الايمان به والإذعان له في غير مجادلة ولا مناضلة ولامماراة" فقد كان الاسلام ومازال ديناً قبل كل شئ وبعد كل شئ، وجه الناس الى مصالحهم في الدنيا وفي الآخرة بما بين لهم من الحدود والاحكام التي تتصل بالتوحيد اولاً، وبتصديق النبي ثانياً، وبتوخي الخير في السيرة بعد ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_


.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال




.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس


.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال




.. قطب الصوفية الأبرز.. جولة في رحاب السيد البدوي بطنطا