الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بريشة العالم الوردي .. لوحة عيادات اطبائنا

نبيل قرياقوس

2008 / 7 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في مجتمع متخلف اقتصاديا كمجتمعنا ، تكون صورة القوى العاملة فيه بوضع لا تحسد عليه من انخفاض بالاجورمقابل تكاليف عالية للمعيشة والحياة ، الوظائف الحكومية هي الاخرى تكون باجور لا تكاد تسد رمق شاغيليها .
خلال القرن الماضي ، كانت اجرة فحص المريض في عيادة طبيب خاصة لا تقل عن اجرة عمل يوم كامل لعامل ما ، يضيف اليها المريض كلفة التحاليل والادوية او العلاج ، وكل هذا في الحالات المرضية البسيطة التي لا تحتاج الى عملية جراحية او اجور انتقال من مدينة الى اخرى بحثا عن طبيب متمكن .
الطبيب ليس له ذنب مباشر في هذه الاوضاع ، فالخلل يكمن في نظام الدولة الذي لا يعالج اقتصاديا اجور العمالة فيه وفق متطلبات معادلة صعبة قد يدركها الاقتصاديون .
ما يؤخذ على اغلب اطبائنا ، هو كونهم يميلون الى ممارسة ( البخل المكتسب ) في توفير ابسط الظروف لمراجعيهم من المرضى ، فصالات انتظار المرضى صغيرة ، ذات كراسي مستهلكة تماما ذات عمر اطول من عمر الطبيب بكثير ، والمروحة السقفية افضلها منتج قبل نصف قرن ، هواؤها لا يستطيع الوقوف امام حر لاهب تحاول بصعوبة افضل اجهزة التكييف الحديثة التخفيف من وطأته . نقول بات وطيلة عقود مضت ولا يزال ، دخول عراقي الى عيادة طبيب فيها كراسي مقبولة للجلوس والانتظار ، و مبردة او جهاز تكييف ، امرا مستغربا غير معتاد .
لا اريد التحدث عن موقع العيادة في طوابق بناية عمارة ، رغم ان العيادة قد تكون لمرضى العظام والكسور او القلب والشلل ، لان البعض سيستعجل القول بغلاء السرقفلية للمحلات الارضية ، وكأن ( المطعم ) ذو مردود ربحي اكثر من عيادة طبيب عدد مراجعيها لا يقل عن ثلاثين مريضا في اليوم كحد ادنى .
في جانب اخر ، كان الاطباء العراقيون حتى فترة قريبة لا يطالبون باي اجور فحص اضافية من المريض بعد ان يعاودهم بعد ايام قليلة بسبب استمرار سؤ صحته ، كان الاطباء ينحرجون لكونهم لم يستطيعوا تشخيص ومعالجة حالة مريضهم ، اما الان فلربما صار الاحراج على الكثير من الاطباء ان يمتنعوا عن المطالبة باجور اخرى جزاءا عن عدم قدرتهم على معالجة حالة المريض ! فالاجور تجبى قبل الدخول الى غرفة الطبيب .
من اجل ان نكون قريبين الى الدقة اكثر ، دعونا نقول ، اننا لا ننفي وجود تصرفات كرم انسانية فيما يخص الجانب المادي للتعامل بين بعض اطباء العيادات الخاصة وبين المحتاجين من المرضى المراجعين الغير قادرين على توفير كلف الفحص والعلاج ، الا ان ذلك يبقى ظاهرة محدودة قلما نسمع بها ، وقد يكون الشك في ادعاء بعض المراجعين الفقر هو احد اسباب عدم اتساع ظاهرة المساعدة ، في مجتمع معروف فيه بشكل عام ان المتعففين يمتنعون عن اعلان حاجتهم في ظروف قاسية جدا .
لتلطيف الحديث ، اذكر لحضرتكم واقعة جرت عام 2000 م حسبما اتذكر ، حدثني اياها صديق مهندس حي يرزق حتى الساعة ، حيث اضطر الى استقدام احد الاطباء حينها الى الدار للكشف على صحة احد اقاربه المرضى ، وبينما وصلا البيت كان المريض قد فارق الحياة ، قرأ الطبيب ( الفاتحة ) ، بعدها طالب صديقي باجور ( الكشف ) كونه قدم لموقع ( الرزق ) !.
في حادثة اخرى معاكسة تماما ، رواها لي صديق مهندس اخر ، كان في رحلة ايفاد رسمي خارج العراق وزميله المهندس الاخر نهاية عقد الثمانينات ، وبينما تزحلق زميله ساقطا على رأسه بسبب الثلوج في احدى المدن الاوربية ، استدارت سيارة تحمل عائلة بضمنها اطفال ، مسرعة اليهما ، ترجل سائق السيارة تاركا عائلته مهرولا نحو العراقي الساقط ارضا وقام بفحصه واجراء اعمال الاسعاف الفوري له ، ثم توجه الى سيارته واتصل بسيارة اسعاف ولم يغادر الموقع الا بعد ان كتب تقريرا لسيارة الاسعاف التي نقلت العراقي الى المستشفى ، الرائع في الموقف هذا ، ان ذاك السائق طبيب مواطن دولة اوربية رأسمالية !.
عفوا ، نسيت ان اذكر بان الطبيب لم يطالب باي مبلغ عن ما قدمه من خدمة ، باعتبار ان ما قدمه في تلك اللحظات الحرجة كان حالة انسانية تقدم لكل كائن حي ، لا يطول اجرها اي ثمن ، وهذا ما يجعلنا نقدر صاحب مهنة الطب تقديرا يليق بملاك الرحمة .
كتابتي القادمة ، سادتي ، ستحمل المزيد من اللمحات الاجتماعية لاطبائنا العاملين في المستشفيات الحكومية والخاصة ، واسلوب تعاملهم مع الناس وتعامل الناس معهم ،وبعدها ظروف اطبائنا بعد 2003 ، فلوحة الاطباء لم تكتمل بعد وما زالت بحاجة الى اركان والوان متعددة وواسعة .. كونوا معي رجاء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذوبان تمثال شمعي لأبراهام لينكولن بسبب الحرارة الشديدة


.. ميقاتي: المدخل لعودة الهدوء إلى الجنوب يتمثل في وقف العدوان




.. إدارة جامعة أكسفورد البريطانية تسيّج محيط مخيم التضامن مع غز


.. فلسطينية تودع زوجها الذي استشهد في قصف إسرائيلي على غزة




.. أخصائي جراحة الأسنان خيام مقداد: تجديد الأسنان المفقودة من خ