الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشذوذ الجنسي و الشذوذ الديني

أحمد عصيد

2008 / 6 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا تقبل التيارات الدينية المتشددة مظاهر التحرر الفكري و الجنسي و الفني، كما تعارض كل أشكال الإنفتاح على الثقافات العصرية التي تعتبرها غريبة عن التقاليد الأصيلة التي يؤطرها الوعي الديني التقليدي، و هي تعبر عن رفضها ذاك بأساليب مختلفة تتراوح بين التنديد و الإستنكار أو التهجّم و ممارسة العنف الرمزي بالهاتف أو بالمراسلة أو بالمطالبة بمنع أعمال فنية أو تظاهرات ثقافية، إلى التدخل المباشر و تهييج الجمهور و تحريض العامة على الضرب بالحجارة و الإعتداء على الغير كما حدث أمام دهشة الجميع بمدينة القصر الكبير، غير أنّ هذه التيارات و هي تقوم بذلك لا تنتبه إلى أنها و هي تعبر عن موقفها بذلك الأسلوب تمارس بدورها نوعا من الشذوذ الذي لا يقبله المجتمع، فالتحولات التي عرفها المجتمع المغربي على مدى عقود طويلة قد راكمت مجموعة من المكاسب التي لا يمكن التراجع عنها، و خاصة منها تلك التي تخصّ وضعية الفرد و حقوقه الأساسية و حرياته، لقد حدث بالتدريج تحول جذري في منظومة القيم أدّى إلى استبطان الأفراد لعناصر ثقافية لم يعد ينظر إليها على أنها أجنبية، و استطاع المجتمع المغربي أن يخلق اللحام الضروري بين الثقافة التقليدية و الثقافة العصرية عبر عملية صهر المكونات المختلفة في تراكيب جديدة مقبولة اجتماعيا رغم مقاومة قوى التقليد التي ظلت قائمة رغم ذلك و تبلورت في تيارات فكرية و سياسية سرية و علنية، ظلت تسعى بشكل يائس إلى فرملة عجلة التحولات السوسيوثقافة و الحفاظ على نمط ثقافي نهائي محدّد سلفا في نصوص دينية، و العودة إلى نموذج مجتمع سابق، و هو ما يستحيل تحقيقه أمام مدّ التأثيرات القوية للثقافة المعولمة، و أمام تجذر القيم التقليدية الشعبية ذات الصبغة الدنيوية الإنسانية، و التي لا تتطابق مع قيم المرجعية الدينية الشرقية، مما يفسر تزايد عنف الخطاب الأصولي و لجوءه إلى أشكال التصعيد التي تنتهي غالبا بردود أفعال من المجتمع السياسي و المدني ضدّ التطرف الديني و الغلوالمذهبي.
و إذا كانت الدراسات النفسية قد أظهرت بما يكفي حقيقة الشاذ جنسيا، حيث أوضح العلماء بأنّ لسلوكاته أسسا في طبيعته الفطرية و بنيته الفيزيولوجية و النفسية، مما يخلق لديه ميولا إلى إشباع حاجات تبرز لدى الجنس الآخر، فإنّ الشاذ دينيا إنما هو نتاج ترويض إيديولوجي و تأطير و شحن و غسل دماغ، و هي عمليات تتم كلها في عمق المجتمع من طرف أناس ذوي موقف و اختيار سياسي و أهداف محدّدة.
يجعلنا هذا نصل بعد المقارنة بين النموذجين إلى النتيجة التالية : و هي أن الذي نسميه شاذا جنسيا ليس مسؤولا عن حالته التي لم يخترها و لا هو بصاحب مشروع سياسي يتهدّد المجتمع، كما أنه لا برى نفسه على حق و لا يعتبر حالته أفضل من غيره ولا يدعو الناس إلى أن يكونوا مثله و لا يغصبهم على ذلك عندما يكون لهم رأي مخالف، و لا يشعر بالكراهية تجاه من هم مختلفون عنه و يعتبر حالته شأنا شخصيا يرجع إليه و حده و لا يلزم غيره. أما الشاذ دينيا فهو على خلاف ذلك تماما يعتبر نفسه على الحق المطلق، و يمارس الدعاية يوميا لما هو فيه و يرى بأنه النموذج الذي على الناس أن يقتدوا به جميعا، و لا يتورع عن ممارسة العنف عندما يشعر بقوة حجة الغير و بضعف حجته، و يشعر ببغض شديد لمن يخالفه الرأي أو يعترض على أفكاره و يعتبره عدوا له، مما يجعلنا نجزم بأنّ الذي يمثل خطرا على المجتمع ليس الشذوذ الجنسي الذي يظل حالات فردية محدودة، و الذي يعرف الناس بوجوده في كافة مجتمعات المعمور منذ أقدم العصور إلى اليوم، و إنما الذي يمثل خطرا حقيقيا هو الشذوذ الديني الذي يسعى البعض إلى إشاعته كالطاعون الفتاك الذي بنخر جسد المجتمع و يجهض أحلامه في التقدم و النهوض. و عندما يتهجّم أصحاب الشذوذ الديني على مهرجانات الموسيقى و الغناء و على الأفلام و الأعمال الأدبية و الفنية فإنّ ذلك بالنسبة لنا مؤشر على تزايد شذوذهم لأن جميع الظواهر التي يعادونها هي ظواهر طبيعية لصيقة بالحياة الإنسانية و ستبقى ما بقي الإنسان.
من جهة أخرى لا يفوتنا أن نذكر بما يمكن أن يربط بين الشذوذ الديني و الشذوذ الجنسي من صلات، حيث يؤدّي الأول إلى الثاني بشكل شبه آلي، و آية ذلك وجود قوم يأتون من بلاد المشرق و هم على قدر كبير من الإنحراف و الشذوذ إلى درجة المرض و الهوس، و قد تبين بعد تفحص حالتهم بأن المسؤول عما هم فيه هو مناخ الشذوذ الديني الذي ينتشر في بلدهم حيث ترعاه الدولة رسميا و تفرض عليهم بالهراوات و العقوبات الجسدية الوحشية القيام بالطقوس الدينية، و تمنع عنهم مباهج الحياة مما جعلهم يستثمرون أموالهم في قنوات الرقص و العري و مجلات الموضة و الماكياج، و يكثرون من زيارة البلدان الأكثر انفتاحا لكي يتنفسوا بعض هواء الحرية، و لا عجب إن كان هؤلاء يظهرون سلوكات غريبة بمجرد أن يفرجوا عن شهواتهم من عقالها، فالشذوذ الديني يخلق شخصيات غير سوية و إن كان أصحابها يبذلون جهودا كبيرة ليُظهروا عكس ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف


.. الموسى: السويدان والعوضي من أباطرة الإخوان الذين تلقوا مبالغ




.. اليهود الأرثوذكس يحتجون على قرار تجنيدهم العسكري